مُسَرطن أُطلق سراحُه قبل 30 عاما

  • 2/8/2022
  • 01:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

هناك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الملوثات‭ ‬التي‭ ‬يعرف‭ ‬العلماء‭ ‬والمختصون‭ ‬بثقةٍ‭ ‬كبيرة،‭ ‬وإجماعٍ‭ ‬تام‭ ‬بأنها‭ ‬تعرض‭ ‬الإنسان‭ ‬للسقوط‭ ‬في‭ ‬شباك‭ ‬أمراض‭ ‬السرطان‭ ‬المستعصية‭ ‬على‭ ‬العلاج،‭ ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬فإننا‭ ‬نسمح‭ ‬بأيدينا‭ ‬لهذه‭ ‬الملوثات‭ ‬السامة‭ ‬والخطيرة‭ ‬بأن‭ ‬تنبعث‭ ‬في‭ ‬أعماق‭ ‬بيئتنا‭ ‬بحريةٍ‭ ‬تامة،‭ ‬فنُطلق‭ ‬سراحها‭ ‬لكي‭ ‬تسرح‭ ‬وتمرح‭ ‬في‭ ‬مكوناتها‭ ‬من‭ ‬مسطحات‭ ‬مائية‭ ‬أو‭ ‬جوفية،‭ ‬أو‭ ‬الهواء‭ ‬الجوي،‭ ‬أو‭ ‬التربة‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬حسيبٍ،‭ ‬أو‭ ‬رقيب،‭ ‬أو‭ ‬تقنين‭ ‬لوجودها‭ ‬في‭ ‬بيئتنا‭. ‬ ويا‭ ‬ليتها‭ ‬تبقى‭ ‬محبوسة‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬البيئة،‭ ‬وتتجول‭ ‬فيها‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تخرج‭ ‬منها،‭ ‬وإنما‭ ‬تكمن‭ ‬خطورتها‭ ‬المباشرة‭ ‬وغير‭ ‬المباشرة‭ ‬في‭ ‬تهديدها‭ ‬العصيب‭ ‬لأمننا‭ ‬الصحي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الانتقال‭ ‬من‭ ‬عناصر‭ ‬البيئة‭ ‬المختلفة‭ ‬إلى‭ ‬أعضاء‭ ‬أجسامنا‭ ‬والتراكم‭ ‬فيها‭ ‬مع‭ ‬الزمن،‭ ‬وذلك‭ ‬تارة‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬استنشاق‭ ‬الهواء‭ ‬الملوث‭ ‬بها،‭ ‬وتارة‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الامتصاص‭ ‬الجلدي،‭ ‬وتارة‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬تناول‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭ ‬الملوثة‭ ‬بها،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬الحالات‭ ‬تنتقل‭ ‬هذه‭ ‬السموم‭ ‬المسرطنة‭ ‬إلى‭ ‬أجسادنا‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الأنف،‭ ‬ثم‭ ‬تدخل‭ ‬في‭ ‬أعماق‭ ‬الجهاز‭ ‬التنفسي،‭ ‬ومنها‭ ‬إلى‭ ‬الدورة‭ ‬الدموية‭ ‬وإلى‭ ‬كل‭ ‬خلية‭ ‬من‭ ‬خلايا‭ ‬أبداننا‭.‬ ولذلك‭ ‬ليس‭ ‬بالغريب،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬المفهوم‭ ‬والذي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تفسيره،‭ ‬أن‭ ‬نرى‭ ‬ارتفاعا‭ ‬ملموسا‭ ‬في‭ ‬حالات‭ ‬الإصابة‭ ‬بالسرطان‭ ‬كظاهرة‭ ‬عامة‭ ‬متفشية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬استثناء،‭ ‬ولكن‭ ‬بدرجات‭ ‬ونسبٍ‭ ‬متفاوتة‭. ‬ والأمثلة‭ ‬على‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الحالات‭ ‬كثيرة‭ ‬ولا‭ ‬تعد‭ ‬ولا‭ ‬تحصى،‭ ‬ولكنني‭ ‬أختار‭ ‬منها‭ ‬آخر‭ ‬مثال‭ ‬لأبين‭ ‬واقعية‭ ‬هذه‭ ‬الحالات‭ ‬في‭ ‬بيئتنا‭ ‬وعلى‭ ‬صحتنا‭. ‬فمن‭ ‬هذه‭ ‬الملوثات‭ ‬التي‭ ‬استخدمناها‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬ونحن‭ ‬نعلم‭ ‬عن‭ ‬أنها‭ ‬تسبب‭ ‬السرطان‭ ‬للإنسان‭ ‬هو‭ ‬سائل‭ ‬سريع‭ ‬التطاير‭ ‬والتبخر،‭ ‬وعديم‭ ‬اللون‭ ‬وذو‭ ‬رائحة‭ ‬عضوية‭ ‬مميزة‭ ‬وقوية‭ ‬يمكن‭ ‬التعرف‭ ‬عليها،‭ ‬واسمها‭ ‬العلمي‭ ‬1‭_‬برومو‭ ‬البروبان‭ (‬1-bromopropane‭). ‬هذه‭ ‬المادة‭ ‬الاستهلاكية‭ ‬دخلت‭ ‬في‭ ‬أسواقنا،‭ ‬ومعاملنا،‭ ‬ومنازلنا،‭ ‬ومشاغل‭ ‬التنظيف‭ ‬الجاف‭ ‬وغسيل‭ ‬السيارات‭ ‬وإزالة‭ ‬الشحوم‭ ‬من‭ ‬المعادن‭ ‬وغيرها‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثين‭ ‬عاما،‭ ‬وكانت‭ ‬كمذيب‭ ‬عضوي‭ ‬يستخدم‭ ‬أساسا‭ ‬في‭ ‬تنظيف‭ ‬الملابس‭ ‬وخاصة‭ ‬التنظيف‭ ‬الجاف،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬تنظيف‭ ‬المعادن‭ ‬بدلا‭ ‬عن‭ ‬مواد‭ ‬أخرى‭ ‬ضارة‭ ‬مثل‭  ‬مركبات‭ ‬الكلورفلوروكربون،‭ ‬ورباعي‭ ‬كلورو‭ ‬الإيثلين‭ ‬التي‭ ‬تسببت‭ ‬في‭ ‬الثمانينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬المنصرم‭ ‬في‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أسوأ‭ ‬الكوارث‭ ‬البيئية‭ ‬شدة‭ ‬وتأثيراً‭ ‬في‭ ‬الإنسان‭ ‬والحياة‭ ‬الفطرية‭ ‬النباتية‭ ‬والحيوانية‭ ‬وعلى‭ ‬كوكبنا‭ ‬بشكلٍ‭ ‬عام،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬كانت‭ ‬أضرارها‭ ‬وتداعياتها‭ ‬قد‭ ‬تخطت‭ ‬السماء‭ ‬السفلى‭ ‬ومكونات‭ ‬البيئة‭ ‬الأرضية‭ ‬من‭ ‬ماءٍ،‭ ‬وهواءٍ،‭ ‬وتربة،‭ ‬فوصلت‭ ‬إلى‭ ‬أعالي‭ ‬السماء،‭ ‬في‭ ‬طبقة‭ ‬الأستراتسفير،‭ ‬والمعروفة‭ ‬بطبقة‭ ‬الأوزون‭.‬ وهناك‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يتوقعه‭ ‬أحد،‭ ‬ولم‭ ‬يخطر‭ ‬على‭ ‬بال‭ ‬أي‭ ‬إنسان،‭ ‬أثرت‭ ‬هذه‭ ‬المواد‭ ‬في‭ ‬غاز‭ ‬الأوزون‭ ‬الموجود‭ ‬في‭ ‬طبقة‭ ‬الأوزون‭ ‬فأدت‭ ‬إلى‭ ‬تحلله‭ ‬واستنفاده‭ ‬مع‭ ‬الزمن،‭ ‬ما‭ ‬سمح‭ ‬للأشعة‭ ‬فوق‭ ‬البنفسجية‭ ‬القادمة‭ ‬من‭ ‬الشمس‭ ‬والتي‭ ‬تتكون‭ ‬من‭ ‬طاقة‭ ‬عالية‭ ‬جداً‭ ‬من‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬سطح‭ ‬الأرض‭ ‬وتعرض‭ ‬الناس‭ ‬والحياة‭ ‬الفطرية‭ ‬والمواد‭ ‬لخطرها‭. ‬ولذلك‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬بدائل‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬المواد‭ ‬المستنفدة‭ ‬لطبقة‭ ‬الأوزون،‭ ‬والتي‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬برومو‭ ‬بروبان‭. ‬ ولذلك‭ ‬عالج‭ ‬الإنسان‭ ‬قضية‭ ‬محددة‭ ‬وأوجد‭ ‬لها‭ ‬حلولاً‭ ‬مؤقتة،‭ ‬ولكنه‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬خلق‭ ‬قضية‭ ‬بيئية‭ ‬وصحية‭ ‬أخرى‭ ‬تغلغلت‭ ‬في‭ ‬بيئتنا‭ ‬وفي‭ ‬أبداننا‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثين‭ ‬عاما،‭ ‬ولا‭ ‬يعرف‭ ‬إلا‭ ‬الله‭ ‬ماذا‭ ‬فعلت‭ ‬بنا‭ ‬هذه‭ ‬الملوثات‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬نكبح‭ ‬جماحها‭ ‬طوال‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬الطويلة‭ ‬من‭ ‬الزمن،‭ ‬وما‭ ‬أنزلت‭ ‬علينا‭ ‬من‭ ‬ويلات‭ ‬مرضية،‭ ‬وآلام‭ ‬صحية،‭ ‬من‭ ‬أمراض‭ ‬السرطان‭ ‬وغيرها‭. ‬ فقد‭ ‬اكتشف‭ ‬العلماء‭ ‬منذ‭ ‬زمن‭ ‬طويل‭ ‬الانعكاسات‭ ‬الصحية‭ ‬لهذا‭ ‬الملوث،‭ ‬ولكن‭ ‬لم‭ ‬تأخذ‭ ‬الجهات‭ ‬المختصة‭ ‬أي‭ ‬إجراء‭ ‬رادعٍ‭ ‬وفاعلٍ‭ ‬ضده،‭ ‬بل‭ ‬جعلوا‭ ‬هذا‭ ‬الملوث‭ ‬الخطير‭ ‬يُستخدم‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬كثيرة،‭ ‬ويتعرض‭ ‬له‭ ‬الناس‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭. ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬حدد‭ ‬‮«‬المؤتمر‭ ‬الأمريكي‭ ‬الحكومي‭ ‬لخبراء‭ ‬الصحة‭ ‬الصناعيين‮»‬‭ (‬American‭ ‬Conference‭ ‬of‭ ‬Governmental‭ ‬Industrial‭ ‬Hygienists‭) ‬بعد‭ ‬وقتٍ‭ ‬طويل‭ ‬من‭ ‬استخدامه‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2003‭ ‬أن‭ ‬معدل‭ ‬التعرض‭ ‬لهذا‭ ‬الملوث‭ ‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬يزيد‭ ‬خلال‭ ‬8‭ ‬ساعات‭ ‬على‭ ‬10‭ ‬أجزاء‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الملوث‭ ‬في‭ ‬المليون‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬الهواء،‭ ‬ثم‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬فُضح‭ ‬أمر‭ ‬هذا‭ ‬الملوث‭ ‬وانتشر‭ ‬خبر‭ ‬تهديده‭ ‬للصحة‭ ‬المهنية‭ ‬والعامة،‭ ‬قامت‭ ‬الجهات‭ ‬المختصة‭ ‬بخفض‭ ‬معدل‭ ‬التعرض‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2014‭.‬ الجدير‭ ‬بالذكر‭ ‬فقد‭ ‬وقع‭ ‬تضارب‭ ‬شديد‭ ‬ومشهود‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬إدارة‭ ‬قضية‭ ‬هذا‭ ‬الملوث‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬فكل‭ ‬ولاية‭ ‬كانت‭ ‬تتخبط‭ ‬حسب‭ ‬هواها،‭ ‬ومصالحها،‭ ‬وضغوط‭ ‬المتنفذين‭ ‬عليها‭. ‬فولاية‭ ‬كاليفورنيا‭ ‬ممثلة‭ ‬في‭ ‬‮«‬إدارة‭ ‬كاليفورنيا‭ ‬للصحة‭ ‬والسلامة‭ ‬المهنية‮»‬‭ ‬وضعتْ‭ ‬في‭ ‬2010‭ ‬مواصفة‭ ‬للتعرض‭ ‬لبرومو‭ ‬بروبان‭ ‬مختلفة‭ ‬عن‭ ‬المواصفات‭ ‬الأخرى،‭ ‬وهي‭ ‬5‭ ‬أجزاء‭ ‬في‭ ‬المليون،‭ ‬وكأن‭ ‬المعايير‭ ‬الأخرى‭ ‬خاطئة‭ ‬ولا‭ ‬تفي‭ ‬بهدف‭ ‬حماية‭ ‬صحة‭ ‬الناس،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬‮«‬برنامج‭ ‬علم‭ ‬السموم‭ ‬القومي‮»‬‭ (‬National‭ ‬Toxicology‭ ‬Program‭) ‬في‭ ‬عام‭ ‬2013‭ ‬قدَّم‭ ‬توصية‭ ‬بتصنيف‭ ‬هذا‭ ‬الملوث‭ ‬كمسرطن‭ ‬للإنسان‭.‬ وأخيرا‭ ‬وفي‭ ‬الخامس‭ ‬من‭ ‬يناير‭ ‬2022‭ ‬أعلنت‭ ‬وكالة‭ ‬حماية‭ ‬البيئة‭ ‬الأمريكية‭ ‬ولأول‭ ‬مرة‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثين‭ ‬عاما‭ ‬بإضافة‭ ‬برومو‭ ‬بروبان‭ ‬ضمن‭ ‬القائمة‭ ‬العقيمة‭ ‬المختصة‭ ‬بملوثات‭ ‬الهواء‭ ‬الخطرة‭ (‬Hazardous‭ ‬Air‭ ‬Pollutants‭) ‬والملحقة‭ ‬بقانون‭ ‬الهواء‭ ‬النظيف‭ ‬والموجودة‭ ‬في‭ ‬السجل‭ ‬الاتحادي‭ (‬Federal‭ ‬Register‭)‬،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬القائمة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬نشرها‭ ‬الكونجرس‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1990‭ ‬ومكونة‭ ‬من‭ ‬189‭ ‬ملوثا‭ ‬خطرا‭ ‬وساماً‭.‬ ومنذ‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬حتى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭ ‬لم‭ ‬تُضف‭ ‬أية‭ ‬مادة‭ ‬ملوثة‭ ‬وسامة‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬القائمة،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬القائمة‭ ‬الخاصة‭ ‬بأخطر‭ ‬الملوثات‭ ‬وأشدها‭ ‬تهديدا‭ ‬للصحة‭ ‬العامة‭ ‬ظلت‭ ‬صامدة‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬تغيير‭ ‬أو‭ ‬إضافة،‭ ‬وكأنه‭ ‬لم‭ ‬توجد‭ ‬مسرطنات‭ ‬وسموم‭ ‬جديدة‭ ‬تعشعش‭ ‬في‭ ‬بيئتنا‭ ‬منذ‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت،‭ ‬وتستحق‭ ‬أن‭ ‬تدخل‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬القائمة‭ ‬طوال‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬عقود‭! ‬ فمن‭ ‬هذا‭ ‬المثال‭ ‬وأمثلة‭ ‬كثيرة‭ ‬أخرى‭ ‬أستطيع‭ ‬أن‭ ‬أصل‭ ‬إلى‭ ‬استنتاجات‭ ‬مهمة‭ ‬جداً‭ ‬حول‭ ‬كيفية‭ ‬تعامل‭ ‬الإنسان‭ ‬مع‭ ‬ملوثات‭ ‬بيئته‭ ‬الضارة‭ ‬بصحته،‭ ‬وهي‭ ‬كما‭ ‬يلي‭:‬ أولاً‭: ‬الإنسان‭ ‬يتبنى‭ ‬المدخل‭ ‬‮«‬الواقعي‭ ‬والعملي‮»‬‭ ‬وليس‭ ‬المنهج‭ ‬والمدخل‭ ‬العلمي‭ ‬المبني‭ ‬على‭ ‬الأبحاث‭ ‬عند‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬المواد‭ ‬الاستهلاكية‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تُعد‭ ‬بعضها‭ ‬ملوثات‭ ‬بيئية‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬فإذا‭ ‬لم‭ ‬يجد‭ ‬البديل‭ ‬المناسب،‭ ‬فإنه‭ ‬سيسمح‭ ‬لهذه‭ ‬الملوثات‭ ‬والسموم‭ ‬من‭ ‬الاستخدام‭ ‬والإضرار‭ ‬بالصحة‭ ‬المهنية‭ ‬والعامة،‭ ‬ويحدد‭ ‬تركيزها،‭ ‬أو‭ ‬نسبة‭ ‬انبعاثها‭ ‬بما‭ ‬يُطلق‭ ‬عليه‭ ‬‮«‬الحد‭ ‬المسموح‭ ‬به‮»‬،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬عملياً‭ ‬بأننا‭ ‬طواعية‭ ‬أطلقنا‭ ‬سراح‭ ‬الملوثات‭ ‬بنسبٍ‭ ‬منخفضة،‭ ‬ولكنها‭ ‬ضارة‭ ‬ومهددة‭ ‬للصحة‭.‬ ثانياً‭: ‬عملية‭ ‬وضع‭ ‬المعايير‭ ‬والمواصفات‭ ‬غير‭ ‬ثابتة،‭ ‬وإنما‭ ‬هي‭ ‬عملية‭ ‬وإجراء‭ ‬ديناميكي‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬مراجعة‭ ‬دورية،‭ ‬فهي‭ ‬عملية‭ ‬متغيرة‭ ‬مع‭ ‬الوقت‭ ‬ومع‭ ‬الاكتشافات‭ ‬العلمية،‭ ‬والتغيرات‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والمصالح‭ ‬الحزبية‭ ‬والحكومية،‭ ‬فكلما‭ ‬وضع‭ ‬الإنسان‭ ‬مواصفة‭ ‬لملوث‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬مكونات‭ ‬البيئة،‭ ‬وجد‭ ‬العلماء‭ ‬بعد‭ ‬فترة‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬بأن‭ ‬هذه‭ ‬المواصفة‭ ‬يجب‭ ‬تغييرها‭ ‬لأنها‭ ‬لا‭ ‬تحمي‭ ‬صحة‭ ‬الإنسان‭ ‬وأنها‭ ‬خطرة‭ ‬عليه،‭ ‬كما‭ ‬حصل‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬برومو‭ ‬بروبان،‭ ‬ومن‭ ‬قبل‭ ‬لغاز‭ ‬الأوزون،‭ ‬والجسيمات‭ ‬الدقيقة،‭ ‬وثاني‭ ‬أكسيد‭ ‬النيتروجين‭ ‬في‭ ‬الهواء‭ ‬الجوي،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬تغيير‭ ‬المواصفة‭ ‬عدة‭ ‬مرات،‭ ‬ما‭ ‬يؤكد‭ ‬أننا‭ ‬نتعرض‭ ‬يوميا‭ ‬ونستنشق‭ ‬سموماً‭ ‬ومواد‭ ‬مسرطنة‭ ‬تُسقطنا‭ ‬في‭ ‬شبح‭ ‬الإصابة‭ ‬بالأمراض‭ ‬المستعصية‭.‬ ثالثاً‭: ‬هذا‭ ‬الإجراء‭ ‬الأخير‭ ‬الذي‭ ‬اتخذته‭ ‬أمريكا‭ ‬في‭ ‬إضافتها‭ ‬لملوث‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬قائمة‭ ‬الملوثات‭ ‬الخطرة،‭ ‬أتمنى‭ ‬أن‭ ‬يفتح‭ ‬الباب‭ ‬على‭ ‬مصراعيه‭ ‬لوضع‭ ‬ملوثات‭ ‬كثيرة‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬القائمة‭ ‬السوداء‭ ‬لكي‭ ‬نقي‭ ‬أنفسنا‭ ‬وأبداننا‭ ‬من‭ ‬شرورها،‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬تتخذه‭ ‬أمريكا‭ ‬من‭ ‬إجراءات‭ ‬تنعكس‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬فهي‭ ‬معظمها‭ ‬تحذو‭ ‬حذو‭ ‬أمريكا‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الإجراءات‭. ‬ bncftpw@batelco‭.‬com‭.‬bh

مشاركة :