صمد الطفل ريان وطال انتظاره بين حانايا البئر وظلماته، صمد الصغير خمسة أيام في غيابة الجب وصقيع برودته. هبت له أعوان بلدته، ومتطوعون من قريته وعشيرته، ولهفت القلوب تدعو له بالنجاة، وصدحت مواقع التواصل الافتراضي بالتغريدات والبوستات، ترقب،، وتترقب الإنقاذ، في حين، بفضاء الواقع كان هناك لامبالات، إذ لم ترصد من أي جهة خارجية إمدادات من أولي الخبرة والتقنيات، حتى لو كلمة من قبيل المشورة أو رفع المعنويات، من البلدان المتقدّمة وكذلك المنظمات. لماذا هناك أطراف تحمل راية الانسانية وتعمل على حفظ حقوقها، يسطع نجم حضورها في الحوادث العالمية، وتقرع طبول إغاثتها في معظم الوقائع الكارثية، بينما أفل ذلك بصمت إزاء واقعة ريان. في وقت تسود الإبداعات التكنولوجية في البلدان المتقدمة، وتحققت فيه أرقام قياسية في الوصول من أقاصي الأرض إلى أقطابها، وتمّ التنقيب في غور باطنها، والعروج في سمائها إلى خارج مدارها، يتساءل لماذا أعرضت هذه البلدان والمنظمات عن الإمداد، وضلت بمنآى عن حادثة استمرت عدة أيام، في مكان ليس بالجليد، وليس بأعماق المحيط، ولا يقع على صخر بصلابة الحديد، ألم يكن هناك من العتاد ما يمكّن من الوصول إلى الطفل خلال ظرف زمني أقصر؟ خلال النصف الثاني من القرن الماضي تمّ انقاذ إبن المرأة الحديدية من الموت الأكيد، وأرجع سالما الى أمه، بعد أن تاه في الصحراء لمدة 6 أيام أو يزيد، خلال مشاركته في سباق رالي باريس- داكار. وفي بداية هذا القرن هرعت فرق الطوارئ الروسية إلى إنقاذ حيتان حوصروا بين الجليد، في بحر القطب الشمالي بروسيا حيث أصبحوا يواجهون خطر الموت جوعا، ولم تكن هذه الحادثة الأولى من نوعها. كم من طفل مثل ريان وكذلك شبّان لقو حتفهم ولم يجدوا الحضوة الانسانية مثل هذا الاسعاف النوعي الذي يجب أن يكون حق مكفول لكلّ طفل وشاب ولكل إنسان. تعاطف القلوب معهم مطلوب، لكن يجب أن يكون مصحوبًا بالقدرة والإمكانيات الفعلية بما يدرأ عنهم الهلاك، لذلك لابد أن يكون لدينا المعرفة وننتج ونمتلك أحدث التّقنية. يجب أن لا ننتظر الكارثة تحصل وتتكرر كي نوجد لها الحل، بل يجب أن نعمل على تجنّب حدوثها ونأخذ التدابير الوقائية، فالبئر الذي أودى بحياة ريان ليس البئر الوحيد المكشوف والذي كان يجب يسور أو يردم، فهناك العديد من الآبار المكشوفة، وكذلك العديد من العيون الجافة، ومجاري الصرف الصحي بانتظار تطويقها بتدابير الأمن والسلامة، وإيجاد الحلول المبتكرة من خلال البحوث العلمية في استخدام الذكاء الاصطناعي سواء للكشف عنها والتحذير من الوقوع فيها أو للتمكن من اتخاذ التدابير الفعالة في الإنقاذ. باحثة في علوم الإعلام والاتصال حاصلة على ماجستير في علوم الإعلام والاتصال من جامعة البحرين
مشاركة :