بعدما ارتبط فن «العيطة» بحشد همم المغاربة لمقاومة الاستعمار ورفض الظلم والاستبداد، أصبح هذا الفن التراثي القديم الذي تتفرد به المملكة المغربية يقاوم بصمت من أجل البقاء، وسط تخوفات من اندثاره. و«العيطة» في العامية المغربية تعني «العياط»، أي النداء والاستغاثة بصوت عال. وعرف الشاعر والمؤلف المغربي حسن نجمي صاحب كتاب «غناء العيطة.. الشعر الشفوي والموسيقى التقليدية في المغرب»، هذا الفن بـ«النفس الساخن الصاعد من الدواخل، عبر الأصوات البشرية الأنثوية والذكورية، والإيقاعات والألحان الآسرة». وأشار نجمي، في كتابه الذي صدر سنة 2007، إلى أن هذا الفن «أسعف على ميلاد شعر شفوي ظل يخرج من الجراح الفردية والجماعية مثل النزف الدافق، ويلتصق بذوات ومصائر المزارعين والرعاة والقرويين عموما، المنحدرين من ذاكرة عميقة، ومن سلالات عربية لها تاريخ بعيد، مهمل، مكبوت ومسكوت عنه». لا يوجد أي تاريخ محدد لميلاد هذا الفن التراثي نظرا إلى كونه تعبيرا فنيا شفاهيا بالأساس، إلا أن المهتمين بالموروث الغنائي المغربي، يؤكدون أن الفترة الذهبية لـ«العيطة» كانت خلال مرحلة الحماية الفرنسية وما تلاها من ظروف صعبة عاشتها المملكة بسبب الاستعمارين «الفرنسي والإسباني». وتم الاعتماد على «العيطة» في تلك الفترة كقوة ناعمة لمجابهة التحديات، وأيضا لتعزيز علاقة الشعب مع الجالس على العرش، بالإضافة لدورها الترفيهي. وقال الأستاذ الباحث في علم الاجتماع بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، بسلا الجديدة، علي شعباني، إن «العيطة» ارتبط قبل مرحلة الاستعمار بالغزوات والحروب الداخلية، وكان من خلالها يتم مدح الفرسان ورثاء القتلى في ساحة المعارك. وأضاف شعباني، في تصريح لـ«إرم نيوز»، أنه في هذه الفترة المذكورة ازدهرت «العيطة» في مناطق عربية كـ«المزاب، وبني مسير، وبني هلال، وبني عمير، وعبدة، وغيرها من المناطق القريبة لها وسط المملكة»، لافتا إلى أن هذه المناطق اشتهرت بـ«الغزاة». ورأى المتحدث أنه «أثناء مرحلة الاستعمار 1912-1956، انتشر هذا الفن على نطاق واسع بالمغرب، وكان بمثابة سلاح فعال أزعج المستعمر في ظل الإمكانيات البسيطة التي كانت تتوافر». وبين شعباني أن «هذه الأغاني كانت حينها سريعة الانتشار، وعملت على توحيد صفوف المغاربة لطرد المستعمر وتوعيتهم بضرورة المقاومة». وفي زمننا هذا اعتبر شعباني أن «هذا اللون الموسيقي فقد بريقه لعدة أسباب»، لافتا إلى أن «هناك مبادرات شبابية للنهوض بهذا التراث الفني»، ويعتقد المتحدث أن «الفن ضاع في عصرنا، وبالتالي ضاعت معه أبعاد أخرى إلى أن أضحت الأغاني الحالية بلا هوية».
مشاركة :