جددت النسخة الثانية لمهرجان فن الصوت الخليجي، الذي اختتم فعالياته أمس السبت بسوق واقف التراثي بالعاصمة القطرية الدوحة، النقاش حول توثيق هذا اللون التراثي، وأعادت طرح سؤال عن مستقبله ومدى قدرة الجيل الجديد على حمل مشعل الاستمرارية من جيل الرواد. فمنذ ظهور فن الصوت، الذي يتميز بصعوبة الأداء ويعتمد على حنجرة قوية ومتدربة، بشكله الفني الأول في القرن الـ19 على يد الفنان عبد الله الفرج لا يزال الأداء شبه جامد على النمط الفني الذي تركه رواد من قبيل محمد بن فارس وضاحي بن وليد وعوض الدوخي ومحمد زويد وحمد خليفة، وغيرهم. يقول الفنان البحريني سلطان أبو وسمي إن أي تغيير في فن الصوت تزييف للثوب الأصلي له، وأي إضافة ينبغي أن تكون مدروسة وواعية بخصائص ومميزات هذا اللون الغنائي على مستوى الشكل الفني والموسيقى والكلمات، وليست مجرد تقليعة محكومة بهوس التجديد، ومفتقرة لأدواته وشروطه. الفنان زايد عتيق يشاطر ابن بلده الموقف نفسه، ويذهب للقول إن الصوت فن بحريني المولد وينبغي الحفاظ على أصله الفني وتوفير الحماية اللازمة لصونه، ويؤكد أن جيله من الفنانين المحافظين يسعون للحفاظ على الشكل الخالص لهذا الفن، بوصفه أمانة تسلم للجيل الجديد، ليتعرف على مفردات التراث الفني للرعيل الأول، كما هو دون تبديل أو تغيير. التجديد وشروطه ورفض الفنان البحريني التجديد حتى على مستوى الكلمات، مؤكدا أن الذين غيروا في القصائد المعروفة أو جاؤوا ببدائل لها لم يضيفوا شيئا ذا معنى، وأن كلماتهم لا تحمل أي وهج. وتساءل عتيق: ما عسى أن يضيف المحدثون على أقوال امرئ القيس وعنترة بن شداد وأبي الطيب المتنبي؟ وأي شعر جديد يأتي به هؤلاء للتزيد على صفوة شعراء اليمن، أمثال الحوميني والصلعاوي والهاجري الذين رصوا كلمات فن الصوت كأنها حبات عقد ينفرط بسحب حبة واحدة. من الأصوات الشابة برز اسم الفنان القطري منصور المهندي، الذي احتك برواد هذا الفن وتشرب أساليبهم في الأداء دون أن يذوب فيها، وثابر واجتهد في صقل موهبته وشحذ تجربته، حتى أصبح له أسلوبه الخاص في الغناء والعزف على آلة العود. وعن سؤال التجديد، يشترط المهندي أن تكون أي محاولة تجديدية ذات هدف نبيل وقصد شريف، وأن يكون المجدد مسلحا بأدوات ووسائل فنية وعلمية، تضيف إلى فن الصوت أكثر مما تنتقص منه وتشوه معالمه. مبادرة للتوثيق ودلل منصور المهندي على رأيه بأن فن الصوت كان يعتمد إبان ظهوره على قوة الصوت، ثم إيقاعات المرواس (يشبه الطبل) وتقاسيم العود، وأضيفت لاحقا آلة القانون، فزادت إلى فن الصوت صوتا موسيقيا أضفى رونقا فنيا بهيا. إن تجديد أي لون غنائي يقوم على متن فني ثابت، موثق ومحفوظ في الخزنات الإذاعية والتلفزيونية؛ وفن الصوت مثله مثل سائر الفنون التراثية الأصيلة يعيش هاجس الاندثار ما لم يتم توثيقه. ويرى المهندي أن إذاعة صوت الريان القطرية -وهو أحد مسؤوليها- تضطلع بتوثيق التاريخ الغنائي والصوتي لهذا الفن، من خلال إقامة مهرجان خليجي سنوي يتنادى إليه العشرات من فناني هذا اللون بالخليج العربي. وأثمرت هذه المبادرة تسجيل الفنان القطري إبراهيم علي أكثر من مئة أغنية من هذا الفن لإذاعة صوت الريان، وتسجيل عشرات الأغاني لفناني الخليج من خلال جلسات السمر التي يحتضنها سوق واقف أسبوعيا على مدار العام. وأثنى الفنان الكويتي صالح جريد على هذه المبادرة وهذا التقليد في تنظيم مهرجانات لهذا الفن في الخليج بوصفه البيئة الحاضنة له، وثمّن هذا العمل كونه أكبر خدمة توثق ذاكرة فن الصوت، وتحفظه للأجيال القادمة.
مشاركة :