على مدار يومي 3 و4 فبراير 2022. عقد «معهد الشرق الأوسط»، بواشنطن، مؤتمره السنوي الثاني «MEI-CENTCOM»، والذي ضم خبراء ومختصين وباحثين معنيين بأمن الشرق الأوسط؛ لمناقشة آخر القضايا السياسية والعسكرية والاقتصادية في المنطقة. ولمناقشة هذا الأمر، دعا المعهد الجنرال «كينيث ماكنزي»، قائد القيادة المركزية للولايات المتحدة، لتوضيح وجهة نظره حول موقف الولايات المتحدة في المنطقة، وبعض التوجهات والتهديدات التي تواجهها هي وحلفاؤها في الفترة المقبلة. وفي كلمته، قدم «ماكنزي»، رؤية للاستراتيجية الشاملة للولايات المتحدة، فيما يتعلق بالشرق الأوسط، والتي تناولت التصورات المحلية داخلها، والمنافسة العالمية مع الصين، والتهديد الذي تشكله إيران، وبعض النقاشات حول طبيعة الاستراتيجية الأمريكية على الصعيدين العالمي والإقليمي، والتي شهدت اهتمامًا كبيرا بعد الذكرى السنوية الأولى لتنصيب «جو بايدن» رئيسا للولايات المتحدة، كما قدم طرحا بشأن نهج إدارة «بايدن» تجاه طهران، في ظل تعثر المفاوضات النووية، والمخاوف المتزايدة بشأن قواتها المقاتلة بالوكالة. وظلت النظرية القائلة أن الولايات المتحدة تنسحب من الشرق الأوسط -وهى نظرية حرصت واشنطن على إثبات عدم صحتها- محل نقاشات بين المحللين والمعلقين وواضعي السياسات. ورغم ما حظيت به من اهتمام وتأييد في الأشهر الأخيرة، فقد تراجع بعض الباحثين عن دعمها. وأشارت «داليا كاي»، من «جامعة كاليفورنيا»، إلى أنه على العكس من القلق الإقليمي بشأن انسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بعد خروجها من أفغانستان، فإن الواقع يقول إنها لا تخطط لانسحاب كبير، كما أن انخراطها العسكري في المنطقة أكثر قوة واستمرارا مما هو مُدرك، ولذا فإن حدوث «تخفيض جذري لعشرات الآلاف من قواتها أمر «مشكوك فيه». وفي تأييد لهذا، أكد «ماكنزي»، حقيقة أن «بعض أكثر التهديدات التي تواجهها واشنطن إلحاحا ومصداقية ينبع من المنطقة، التي يشملها نطاق عمل القيادة المركزية، موضحًا أن الفرضية القائلة بأن لدى واشنطن خيارا واحدا؛ «إما التركيز على الشرق الأوسط، أو المنافسة الاستراتيجية»، هي «فرضية غير حقيقية»، خاصة أن وجودها في المنطقة، يشكل جزءًا من صورة استراتيجية أوسع «ذات نطاق عالمي»، وأن المنافسة الاستراتيجية لها مع الصين وروسيا لا تمنحهما رفاهية «التفكير من منظور إقليمي». وبالمثل، حذر «مايك واتسون»، من معهد «هدسون»، من أن «الانسحاب من الشرق الأوسط، سيضعف موقف الولايات المتحدة ضد روسيا والصين». وأوصى «أنتوني كوردسمان»، من «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية»، بأنه يجب على واشنطن «النظر إلى ما وراء شرق المحيط الهادئ، والتعامل مع الصين على المستوى العالمي». وعلى وجه الخصوص، أشارت «كاي»، إلى أن «المنافسة الاستراتيجية»، بين الولايات المتحدة والصين، «تهيمن حاليًا»، على أجندة السياسة الخارجية الأمريكية، ما يعكس «إجماعًا من قبل الحزبين المنقسمين على ذلك». وفي إطار المنافسة العالمية، أشار «ماكنزي»، إلى أن واشنطن ترى الشرق الأوسط، «أحد أكثر المناطق المتنازع عليها، وأحد أكثرها أهمية في العالم». وفيما يتعلق بدور الصين المتنامي في المنطقة، أكد قائد القيادة المركزية الأمريكية، أنه من «منظور جيوستراتيجي»، ليس مستغربا أنها حققت في السنوات الأخيرة، «تقدما ثابتا» في منطقة «محورية»، لمبادرة «الحزام والطريق» الخاصة بها. ووفقًا لـ«كريستيان ميير»، من شركة «ارسيبل واسوسيتس»، لاستشارات المخاطر الجيوسياسية، فقد شهدت، «تحولاً تدريجيًا، لكن لا رجعة فيه على ما يبدو في حساباتها الاستراتيجية»، زاد من وتيرته حقيقة، إنها أصبحت الآن «مشتريا أساسيا لنفط الشرق الأوسط». وفي تفصيل لهذا، أوضح «كوردسمان»، أنه في السنوات الأخيرة، أصبح «طريق الحرير البحري» في الصين -والذي يسهل وارداتها من الطاقة وكذلك صادراتها- ذا «أهمية استراتيجية حاسمة» للقوة العظمى في شرق آسيا، مؤكدا أن اعتمادها المتزايد على المنطقة، يسلط الضوء على «الأهمية الحاسمة لتوسيع نهج واشنطن للتنافس معها بما يتجاوز البعد العسكري». وهو ما بدا أيضًا متوافقا مع تعليق «ماكنزي»، من أن المنطقة تُظهر «ما يبدو عليه منافسة استراتيجية». وتؤكد هذه التعليقات الإجماع في دوائر صنع السياسة الأمريكية، على أنه يمكن الاستفادة من النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط على حساب مصالح الصين، التي تعتمد بشكل كبير على المنطقة على الرغم من كونها أقل وجودا فيها. ومع ذلك، لا تزال المخاوف الأمريكية، بشأن العلاقات العسكرية للصين مع دول الشرق الأوسط «قائمة». وأشار «ماكنزي»، إلى وجود مخاوف بشأن «الجهود» الصينية، «لكسب النفوذ العسكري» مع حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة. وعلق «جوناثان فولتون»، من «المجلس الأطلسي»، على أن بكين تتبع نهجًا «أكثر قوة» في منطقة الخليج على وجه الخصوص، وتحاول «خلق فجوة بين الولايات المتحدة وحلفائها». وبالرغم من ذلك، أعرب «ماكنزي» عن ثقته في أن واشنطن إلى جانب حلفائها، ستكون قادرة على مواجهة هذه التحديات بنجاح، وأنه بينما تود الصين أن «تحل محل» الولايات المتحدة، بصفتها «الشريك المفضل» في المنطقة، فإنها «لا ترغب» في «التقاط عباءة الضامن لنظام عالمي حر ومفتوح»، في حين أن بلاده، «ليس لديها نية للتنحي عن القيام بهذا الدور». ومع ذلك، أقر أنه يجب على واشنطن مضاعفة جهودها لطمأنة شركائها، بأنها لا تزال ملتزمة بالحفاظ على أمن واستقرار الشرق الأوسط. وتم تسليط الضوء على مثل هذا المطلب من قبل عدد من المحللين والمعلقين في تقييماتهم لسياسة إدارة «بايدن» في المنطقة. وعلى سبيل المثال، أصر كل من «ليوناردو جاكوبو»، و«ماريا مازوكو»، و«كريستيان ألكسندر»، من مركز «تريندز للبحوث والاستشارات»، على أنه لتجنب تكرار أخطاء الإدارات السابقة، يجب على الولايات المتحدة تزويد حلفائها في الشرق الأوسط بـ«تطمينات ذات مصداقية» بشأن «التزاماتها تجاه الأمن الإقليمي». لافتًا الانتباه إلى دوره كقائد للقيادة المركزية، أوضح «ماكنزي»، أنه «مع ما يطرأ على العلاقات السياسية من تغير»، تركز الولايات المتحدة على الحفاظ على «علاقات عسكرية قوية» مع الشركاء الإقليميين، مؤكدا أن هذا قد اتخذ شكل «برامج المبيعات العسكرية الأجنبية»، وكذلك «التعليم العسكري المهني»؛ بهدف خلق «جسر مشترك» بين القوات الشريكة في المنطقة. وعلى الرغم من هذه الجهود، ظهر «تحول ملحوظ» في سياسة واشنطن تجاه الشرق الأوسط، منذ تنصيب «بايدن»، وتمت الإشارة إلى تأكيده على الدبلوماسية، عوضًا عن الوجود العسكري العلني. وتأكيدا لذلك، قالت «ناتالي توتشي»، من «معهد الشؤون الدولية»، إنه في خضم «إعادة التوجيه الاستراتيجي» للولايات المتحدة تجاه الصين، طورت الأولى استراتيجية، تركز على «تعزيز العلاقات» مع حلفائها، و«الاعتماد بشكل أقل على الآلة العسكرية»، لمتابعة أهداف سياستها الخارجية. ووصف «بريان كاتوليس»، و«بيتر جول»، من مركز «أمريكان بروجرس»، نهج «بايدن»، تجاه الشرق الأوسط، بأنه «يؤكد الخيار الدبلوماسي». وفي إشارة إلى ذلك، ذكر «ماكنزي»، أنه يدعم «عنصر القوة الدبلوماسية»، الذي يعمل بالتزامن مع العمليات العسكرية الجارية للولايات المتحدة في المنطقة، مضيفا أن تهديد إيران «ركز اهتمام دول الخليج بطرق لم تكن مطروحة من قبل»، وأنه «لا مفر من أن تبدأ واشنطن في التعاون بشكل أعمق مع هذه الدول، واصفا طهران بأنها «التهديد الرئيسي»، الذي تراه القيادة المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط، في ضوء «أنشطتها التي تقوض أمن واستقرار المنطقة بأكملها». وعلى نطاق واسع تم الاعتراف بهذا التهديد. وكتبت «روبن رايت»، من مركز «وودرو ويلسون»، أنها باتت الآن «أفضل تسليحًا، وذات نفوذ عسكري وسياسي أكثر قوة من أي وقت مضى في تاريخها». وفي تناوله لقضية إيران على وجه الخصوص، أوضح «ماكنزي»، أنه منذ اغتيال قائد فيلق القدس، «قاسم سليماني»، «قامت طهران بممارسة أنشطتها بنفسها، بصورة أقل مما تعتبره حتى لا تتجاوز مقدار صبرنا وتحملنا إزائها»، لكنه في المقابل أكد أنها «تعتمد الآن على وكلاء آخرين للقيام بهذه الأنشطة»، وتزويدهم «بالأسلحة والموارد الأخرى». وفي الواقع، أصبحت رعاية إيران لمجموعة متنوعة من الجهات المسلحة غير النظامية، بمثابة حجر الزاوية في سياستها الدفاعية، وكما أشار «جويدو شتاينبرغ»، من «المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية»، فإن تلك الجهات تستخدم كل الموارد لتوسيع «نفوذها»، بشكل لا بأس به في الشرق الأوسط. وعلى الرغم من النجاحات السابقة في توجيه تلك الجهات، فقد أوضح «ماكنزي»، أنها بدأت تفقد قبضتها على بعض وكلائها، في ضوء أن قائد فيلق القدس الجديد، «إسماعيل قآني»، لا «يمارس نفس الدرجة من السيطرة على المليشيات المتحالفة معها، مقارنة بسلفه». وفي هذا الصدد، علق كل من «قاسم عبدالزهرة»، و«سامية كُلاب»، من وكالة «أسوشيتد برس»، أن محاولات «قآني»، «قوبلت بالتحدي والرفض»، عندما حاول التأثير في نشاط المليشيات المدعومة من إيران في العراق. وأوضح «دان لوس»، و«كورتني كوب»، من شبكة «إن بي سي نيوز»، أن محاولة الاغتيال الفاشلة لرئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، توضح كيف أن طهران «تكافح من أجل محاصرة قادة المليشيات الشيعية المتنازعة». وعلى الرغم من ذلك، أشار «ماكنزي»، أيضًا إلى أن حجم التهديد الذي تشكله الجماعات المسلحة التي تعمل بالوكالة لصالح إيران، لا تقل خطورة عن «قدرات الصواريخ الباليستية»، التي تملكها، والتي «طورتها بلا هوادة» في الآونة الأخيرة. ولتسليط الضوء على أهمية هذه القدرات بالنسبة إلى تقوية شوكتها في المنطقة، اعتبر كل من «روبرت أينهورن»، و«فان ديبين»، من معهد «بروكينجز»، أن الصواريخ الباليستية، هي عنصر «لا يتجزأ ولا غنى عنه»، في استراتيجيتها للدفاع الوطني. وفي إشارة إلى الهجمات الصاروخية الأخيرة التي شنها المتمردون الحوثيون على أهداف في الإمارات؛ أكد قائد القيادة المركزية، أن الوكلاء الإيرانيين «سيستخدمون أي قدرات يضعونها في أيديهم»، وأن الهجمات لم تكن لتتحقق لولا التدخل الإيراني، مشيرًا إلى أن الأخيرة «مسؤولة أخلاقيًا عن تلك الهجمات، وربما أكثر بكثير». وعلق «بلال صعب»، من «معهد الشرق الأوسط»، أنه «لم يكن بإمكانهم فعل ذلك»، من دون «شحنات الأسلحة شبه المستمرة» من «فيلق القدس الإيراني». وبالنسبة إلى «كاثرين زيمرمان»، من «معهد أمريكان إنتربرايز»، و«نيكولاس هيراس»، من معهد «نيو لاينز»، فإن هذه الهجمات، تشير إلى حقيقة أن جماعة الحوثي المتمردة أصبحت «أكثر اتساقًا مع رعاتها الإيرانيين»، تاركة الفرصة للسماح لهم «بممارسة ضغط عسكري استراتيجي ثابت» في شبه الجزيرة العربية. على العموم، قدمت تعليقات «ماكنزي»، «نظرة ثاقبة»، على الرؤية الحالية لدى الإدارة الأمريكية، فيما يتعلق بالشرق الأوسط، وأوضح أن المنطقة لا تزال محط «تركيز مهم» لسياسة واشنطن الخارجية، ولا سيما عندما يتعلق الأمر بالمنافسة العالمية مع الصين. وعليه، رفض الفكرة القائلة بتحويل الولايات المتحدة انتباهها إلى شرق آسيا على حساب المنطقة، وأكد أن «الاستراتيجية الأمريكية»، تستلزم وجودًا عالميا واسعًا. وتعكس تعليقاته، آراء الخبراء الغربيين التي تدعو إلى تبني «استراتيجية عالمية» لمواجهة المنافسة الراهنة مع بكين، حيث بات يُنظر إلى الشرق الأوسط على أنه مسرح رئيسي لتلك المنافسة. وفي ضوء ذلك، أشار إلى أن الولايات المتحدة ستتعاون بـ«شكل أوثق» مع دول الخليج، لمواجهة التهديدات الإيرانية، وأن تركيزها من المرجح أن يظل على طهران طوال عام 2022.
مشاركة :