دفعت الأزمة المالية المتفاقمة الحكومة السورية إلى دخول منطقة خطرة، حينما بدأت في تنفيذ خطتها المتعلقة بإصلاح نظام الدعم المترهل، والذي يستفيد منه كل المواطنين، ضمن سياسة التقشف التي تعتمدها في موازنة العام الجاري. ورغم إقرار المسؤولين بأن الخطوة ضرورة حتمية، إلا أن مظاهر التذمر بدأت تتضح أكثر بين السكان في مناطق سيطرة نظام بشار الأسد منذ تفعيل الخطة مطلع الشهر الجاري. وبعدما بات غالبية السوريين تحت خط الفقر، بعد عشر سنوات من الحرب التي أنهكت الاقتصاد، عدا عن تداعيات العقوبات الغربية المفروضة على دمشق، تتضاءل قدرة الحكومة على توفير الاحتياجات الرئيسية على وقع تدهور سعر صرف العملة المحلية. وأكد رئيس الحكومة حسين عرنوس أن الهدف من إعادة هيكلة الدعم هو التخفيف من عجز الموازنة وتخصيص كتلة مالية لدعم الأسر الأكثر فقرا ودعم الإنتاج، وكذلك العمل على تحسين القدرة الشرائية للمواطنين ودعم ثبات سعر صرف الليرة. وأوضح في تصريحات نقلتها صحيفة “الوطن” الحكومية الخميس أن حجم الدعم في موازنة يبلغ نحو ستة تريليونات ليرة (2.2 مليار دولار) وذلك من دون احتساب دعم الكهرباء. حسين عرنوس: الهدف من هيكلة الدعم هو التخفيف من عجز الموازنة ويشمل برنامج الدعم الاجتماعي الذي تقدمه الحكومة طيلة سنوات، العديد من السلع الضرورية في مقدمتها المحروقات والقمح والسكر والأرز بشكل أساسي. وكان البرلمان قد اعتمد نهاية 2021 موازنة العام الجاري بنحو 13.3 تريليون ليرة، أي ما يعادل قرابة 5.3 مليار دولار وفق سعر الصرف الرسمي المحدّد عند 2512 ليرة مقابل الدولار. وبالرجوع إلى ما قبل اندلاع الأزمة السورية، فإن متوسط الموازنة السنوية العامة كان يقدر بحوالي 16.3 مليار دولار وبعجز يبلغ قرابة 23 في المئة. وخلال تلك الفترة كان الناتج المحلي الإجمالي للبلاد يصل إلى حوالي 60 مليار دولار كل عام وهو ما سمح لدمشق بتقديم دعم مغر للسوريين دون أن تفكر في التقليص منه. ولكن البلد اليوم يعيش على وقع أزمة اقتصادية خانقة فاقمتها العقوبات الغربية وانهيار قيمة الليرة أمام سلة العملة الرئيسية، فضلا عن الانهيار الاقتصادي المتسارع في لبنان المجاور، حيث يودع سوريون كثر، بينهم رجال أعمال، أموالهم في النظام المصرفي اللبناني. وسعى عرنوس من خلال تصريحاته إلى تبرير الخطوة بالقول إن “مبلغ الدعم يزيد من عجز الموازنة ونتائجه ستكون سلبية جدا على الاقتصاد السوري”. وأشار إلى أن عملية إعادة هيكلة الدعم يمكن أن تؤدي إلى توفير تريليون ليرة (نحو 366 مليون دولار)، وإعادة توزيع الجزء المتبقي منه وضخه في الإنتاج وباتجاه الأسر الأكثر احتياجا وفي دعم بعض الفئات والمهن التي تحتاج إلى هذا الدعم أكثر بكثير من غيرها. وأكد عرنوس “لم يكن الهدف كما يتحدث البعض، هو تقسيم المجتمع أو رفع الدعم عن فئة وإبقائه لفئة أخرى، بل الهدف هو اقتصادي واجتماعي ووطني بحت”. وتوقع أن ينعكس ذلك إيجابا على السوريين على الرغم “ما تحمله الخطوة من مصاعب، وخاصة في ظل شح الموارد المالية والحصار الاقتصادي المفروض على سوريا”. غير أن المتابعين للشأن الاقتصادي السوري يعتقدون أن هذه الخطوة وبالنظر إلى ما تتضمنه بيانات موازنة 2022 ليست قادرة وغير كافية لتحريك عجلة الإنتاج أو التخفيف من تأثير انفجار التضخم وانعكاسات غليان الأسعار على معيشة المواطنين. كما يشكك هؤلاء في قدرة السلطات على تأمين مبالغ الموازنة الضخمة في ظل ندرة العوائد الحكومية والإيرادات شبه المتوقفة من مختلف القطاعات الاقتصادية والتجارية والزراعية، والشلل في مفاصل الإنتاج والاستثمار. وكانت الحكومة قد أقرت في بداية الأسبوع الماضي خطة الدعم والتي استبعد منها حوالي 550 ألف شخص طالت الكثير من موظفي الدولة بسبب امتلاك سيارة، ثم أعيد في نهاية الأسبوع أكثر من 200 ألف شخص لمظلة الدعم. وجاء تخفيف القيود عن هذه الشريحة من المستفيدين أمام تصاعد حجم الرفض الشعبي للإجراء، حيث عقدت الحكومة اجتماعا عاجلا للبحث في الاعتراضات المقدمة بشأن رفع الدعم. 2.2 مليار دولار حجم الدعم الحكومي في موازنة 2022 البالغة حوالي 5.3 مليار دولار ويعيش السوريون في مناطق سيطرة النظام تحت وقع أزمة معيشية مستفحلة، بعد قرار السلطات رفع الدعم عن مواد أساسية كالخبز والبنزين والغاز والمواد التموينية. وتتحدث العديد من المصادر من الداخل السوري عن حالة من الغضب اجتاحت العديد من المحافظات بسبب قرار رفع الدعم، في ظل الضغوط المالية التي تواجه الدولة بعد سنوات الحرب التي شلت دواليب الاقتصاد. وقالت مساعدة وزير الاتصالات والتقانة فاديا سليمان مطلع فبراير الحالي إن "الدولة حددت الفئات التي ستستبعد من الدعم الحكومي". وأضافت إن "الفئات الأكثر ثراء ستكون معنية برفع الدعم". وأوضحت أن تلك الفئات تتمثل في الأسر التي تملك أكثر من سيارة، إضافة إلى مالكي السيارات الفارهة والذين لديهم أكثر من منزل في المحافظة نفسها، إلى جانب أصحاب العقارات في المناطق الأغلى سعرا، والمغتربين الذين مضى على تركهم سوريا أكثر من عام. ومهدت الحكومة قبل أشهر لاتخاذ إجراء رفع الدعم عن السلع، فقد أشار وزير المالية كنان ياغي في أكتوبر الماضي إلى مشروع جديد "لإعادة هيكلة الدعم سيُعلَن عنه مطلع عام 2022". ويقول برنامج الأغذية العالمي إن قرابة 9.3 مليون سوري يعانون من انعدام الأمن الغذائي، قياسا بما تم تسجيله قبل الأزمة الصحية حين أشارت التقديرات إلى أنهم بحدود 7.9 مليون شخص من إجمالي تعداد سكان يبلغ 18.2 مليون نسمة وفق إحصائيات 2021.
مشاركة :