تناولت رواية خزي للكاتب ج.م كويتزي، الصراع العرقي بين البيض والأفارقة في جنوب إفريقيا، ولكن من وجهة نظر رجل أبيض، حيث يصورهم بعدائية كأبيض يشعر بالخطر في التواجد بينهم، بطل الرواية «ديفيد لري» أستاذ جامعي أبيض يقيم علاقات مع طالباته السوداوات ويحاول الهروب من سلوكه المنحرف، إلا أن القدر لم يهمله كثيراً، وكنوع من العقاب الإلهي يشهد حادث اغتصاب ابنته البيضاء على يد السود، وطوال الوقت بعد هذه الحادثة يحاول إقناع ابنته على ترك المزرعة والبدء من جديد في مكان آخر، أو السفر إلى هولندا حيث تعيش عائلة والدتها، كما تناقش الرواية محنة الإنسان في التعامل مع أمور إنسانية مهمة، كالتقدم في السن، وتحولات الجسد، والرغبة الجنسية التي لا تزال متوجهة رغم ذبول الجسد، والتعامل مع الحيوانات بإنسانية وحنو، وقتلهم قتلاً إنسانياً حين تتعرض لأمراض لا شفاء منها، إلا أنه فيما يخص الأفارقة لم يبد أي تعاطف إنساني ولم يظهر تفهماً لأوضاعهم. تبدأ الرواية عندما يتوجه «ديفيد لري» لإشباع نزواته في أحد الأماكن المخصصة لذلك. في هذا المشهد يحاول ديفيد التقرب أكثر من بائعة الهوى «ثريا» صاحبة المشاعر المبهمة، ولكن محاولته تتبعثر أمام ناظريه حينما يراها في الشارع ممسكة بيد طفلين «لا بد أنهما طفليها»، لتتغير العلاقة الودية بينهما إلى قطيعة، حينما تقول له ثريا: «والدتي مريضة»، ولكن «ثريا» لم تعد لمقابلته بعد ذلك مطلقًا. وهنا يحاول الكاتب أن يبين لنا «أن الفاصل بين المعرفة الشخصية، والولوج إلى عوالم الآخرين الخاصة لا بد أن يظل موجوداً» وبعد هذه القطيعة يقيم «ديفيد» علاقات مع زوجات زملائه ويلتقط سائحات من الحانات على الشواطئ، أو النوادي الليلية، وذات مرة أغوى إحدى طالباته الصغيرات وهي «ميلاني ايزاكس» التي سرعان ما ترفع شكوى ضده بتحريض من عشيقها ووالدها فيحاكم «ديفيد» الذي رفض طلب الرحمة أو استجداء العطف ليكون مصيره الطرد من الجامعة واللجوء مكللاً بالخزي إلى حيث تعيش ابنته الوحيدة لوسي في مزرعتها في إحدى مناطق الريف الإفريقي، وبعد فترة من الاندماج البطيء في مجتمع الريف والحياة البسيطة يقع اعتداء من ثلاثة رجال على الأب وابنته: هو يتعرض للضرب والحبس والحرق، أما هي فتتعرض إلى الاغتصاب. لتزيده هذه الحادثة التي جرت لابنته خزياً، خاصة أنه لم يستطع الدفاع عنها، وطوال الرواية يعتبر «بتروس» مجرماً، «بتروس» الذي جاء في البداية مساعداً لابنته ثم استطاع امتلاك قطعة من الأرض ثم خطط للاستيلاء على أرض «لوسي» من خلال جلب الفتيان الذين اغتصبوها حتى ترضخ له، ولذلك يصور الأمر على أن كل من في القرية يتحينون الفرصة للتخلص من «لوسي» وجارها الأبيض، لكنه مع ذلك لا يهتم بإظهار تعاطف مع هؤلاء الأفارقة الذي ما يزالون يختزنون كراهيتهم للبيض داخل وعيهم الجمعي. يقول ديفيد: «إذا كان في استطاعة الريف أن يحكم على المدينة، فإن المدينة تستطيع أن تطلق حكمها أيضاً على الريف»، لكنه ظل قانعاً باستحالة ذلك: «إن الآباء والأبناء لم يخلقوا ليعيشوا معاً». لكنها كانت ملجأه الوحيد، بعد أن لفظته المدينة. الرواية ذات سرد متماسك ويخلو من التكرار، وهادئ الإيقاع دون فتور، ولغة سلسة دون ابتذال، وتعتمد على تصور «ديفيد» للحياة من حوله وطريقة تعامله معها، وتنتهي الرواية نهاية مفتوحة، والشخصيات في الرواية، تقدم نفسها عبر الحوار المحكم، فكويتزي يجهد في تلقين شخصياته حوارات تناسب مستواها الاجتماعي والثقافي، وهي حوارات معمقة توحي بالقلق حينا، واللامبالاة أحيانا، ومليئة بالهواجس والمرارات، كما أنها لا تعثر على خلاصها إلا بعد أن تتعرض للسقوط، ثم الذل والهوان، وفي خاتمة الرواية يصور لنا الراوي عملية انقياد الكلب المريض نحو حقنة الموت، ليوحي لنا بالتوازي أو التناوب بين مصير ذلك الكلب وحياة ديفيد، حتى ندرك أن الراوي يقصد كذلك موت الأستاذ نفسه.
مشاركة :