قدم الكثير من دول العالم مجموعة واسعة من التعهدات لخفض مستويات انبعاثات الكربون في الفترة التي سبقت قمة «كوب 26»، المنعقدة عام 2021. وعملت تلك التعهدات على إبراز ما سيكون عليه شكل صناعة الطاقة العالمية مستقبلا، في ظل التحول التدريجي من استخدام الوقود التقليدي، مثل النفط والغاز الطبيعي إلى مصادر طاقة متجددة أقل ضررًا بالبيئة. وعلى الرغم من الاعتراف بالدور المهم لمصادر الطاقة التقليدية في التنمية الاقتصادية لدول الخليج، فقد تسارع انتقال هذه الدول إلى مصادر الطاقة المتجددة خلال السنوات الماضية. وعليه، أصبحت الطريقة التي يمكن لهذه الدول من خلالها، تسريع هذه العملية، نقطة نقاش رئيسية. وكتب «بول سوليفان»، من «المجلس الأطلسي»، أنه في حين أن مستقبل الطاقة «مثير»، وهناك العديد من الفرص التي يجب توفيرها، فهناك أيضًا العديد من المخاطر التي يجب مراعاتها للبلدان التي تعتمد على صادرات الطاقة في إيراداتها الرسمية. ووفقًا لتقرير مؤسسة جنرال إلكتريك، فإن دول الخليج زاد تركيزها بشكل ملحوظ على اتخاذ إجراءات لمعالجة مخاوف تغير المناخ، لكن لا تزال هناك حاجة إلى زيادة تسريع جهود إزالة الكربون، لا سيما داخل قطاع الطاقة في المنطقة والاستخدام المحلي عبر دول المجلس. وتعد دول مجلس التعاون من بين أعلى معدلات استهلاك الفرد للكهرباء في العالم، ويسهم قطاع الطاقة وحده بنسبة 83% من إجمالي مستويات انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في هذه البلدان. وعلق أنتوني باولا، من وكالة بلومبرج، على أن التعهد بالوصول إلى صافي انبعاثات الكربون الصفرية، بحلول منتصف القرن الحادي والعشرين من قبل دول الخليج، تمثل تحديًّا هائلا في منطقة بها أعلى معدلات استخدام الطاقة للفرد. وأوضحت لي تشن سيم، من معهد الشرق الأوسط، أن دول الخليج تتحول نحو نموذج مشترك في الاستجابة للتحول العالمي نحو الطاقة المتجددة. ووفقا للعديد من الخبراء والمراقبين، فإن هذه الدول، قد خطت خطوات متسارعة نحو تنويع مصادر الطاقة، حيث يمكن للمنطقة أن تصبح رائدة عالميا في تطوير وتصدير الطاقة المتجددة. وبحسب سيم، تعد الإمارات الرائد الإقليمي من حيث قدرة الطاقة المتجددة، ويعزى ذلك إلى نقص الغاز الطبيعي المنتج محليا. وتتضمن استراتيجيتها الوطنية للطاقة 2050. طموحات لرفع نسبة إمدادات الطاقة المتجددة إلى 50%، بحلول عام 2050. ويتم تسهيل ذلك من خلال إنتاج أكبر محطتين للطاقة الشمسية في العالم. علاوة على ذلك، كتب مايك سكوت في مجلة فوربس، أن الإمارات، تستضيف أحد أكبر اللاعبين في مجال الطاقة النظيفة؛ مدينة مصدر، التي تعد إحدى أكثر المجتمعات الحضرية اعتمادا على التقنيات الخضراء، والتي استثمرت أكثر من 8 مليارات دولار في أربعين دولة. من ناحية أخرى، أوضح باولا، أيضًا كيف تخطط شركتا طاقة، وأدنوك الإماراتيتين للاستثمار عالميا، لزيادة كمية الطاقة الخضراء التي تنتجانها بأكثر من الضعف، حيث يستهدفان 50 جيجاوات من هذه الطاقة بحلول نهاية هذا العِقد. ويتجلى الاعتراف الدولي بالتقدم الذي أحرزته أبو ظبي، في القضايا المتعلقة بالمناخ من خلال منحها استضافة مؤتمر الأمم المتحدة الثامنة والعشرين لتغير المناخ، المقرر عقده في عام 2023. ووفقا لـ سرمد خان، ودينا كامل، في صحيفة ذا ناشيونال، ستوفر أيضا مبادرة اتحاد 7 الإماراتية، التمويل لبلدان إفريقيا لمبادراتها الخضراء الخاصة، بالإضافة إلى توفير طاقة نظيفة تصل إلى 100 مليون شخص بحلول عام 2035. وبحسب الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، تم ضخ أقل من 2% من الاستثمار العالمي في الطاقات المتجددة إلى إفريقيا، ويفتقر 906 ملايين شخص إلى التقنيات النظيفة والوقود. وبالمثل، التزمت السعودية، بإنتاج 50% من طاقتها عبر مصادر طاقة متجددة بحلول عام 2030. كما أن لديها خططا لإنفاق 50 مليار دولار على البنية التحتية الجديدة لدعم هذا الهدف. وعلقت دينيسا فينيس، من جمعية الشرق الأوسط لصناعات الطاقة الشمسية، بأن الرياض تحرز تقدمًا ملحوظًا في هذا الصدد، من خلال خطط تطوير مدينة نيوم المستقبلية على ساحل البحر الأحمر. وكما أوضحت سيم، فإن التسارع الأخير في استيعابها للطاقة المتجددة، كان مدفوعًا بالمخاوف بشأن زيادة مخاطر الأصول النفطية العالقة، قبل بلوغ نظام الكربون العالمي، مضيفة أنه إذا حققت السعودية أهدافها الخاصة، فسوف تتفوق على الإمارات، كقائدة المنطقة في إنتاج الطاقة المتجددة بحلول عام 2030. من جانبها، تعتبر سلطنة عُمان، مثالاً بارزًا آخر على القيام بخطوات واسعة في البنية التحتية للطاقة المتجددة. ويعد هذا دعما لهدفها المتمثل في إنتاج 30% من احتياجاتها من الطاقة من مصادر خضراء بحلول عام 2030. وأشادت فينيس، بـ«التقدم الجدير بالثناء»، الذي حققته السلطنة في مجال الطاقة المتجددة حتى الآن، من خلال تسليط الضوء على تشغيل محطة الطاقة الشمسية بقدرة 500 ميجاوات في مدينة عبري؛ باعتبارها خطوة إقليمية مهمة أخرى. وفيما يتعلق بإنتاج الطاقة النظيفة حاليًا في منطقة الخليج، تجدر الإشارة إلى أن الطاقة الشمسية، تمثل حاليًا 94% من إجمالي القدرات المركبة، التي يتم إنتاجها من محطات الطاقة المتجددة في السعودية. وتكمن أهميتها في كونها وسيلة لإنتاج الطاقة، لا سيما أن منطقة الخليج، وفقًا للتقرير الصادر عن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، تقع ضمن ما يُسمى الحزام الشمسي، إضافة إلى كونها الأكثر حظًا من حيث تلقي أعلى معدلات الإشعاعات الشمسية القادرة على إنتاج الطاقة في العالم، ويتمتع ما يقرب من 60% من مساحة سطحها، بملاءمة لاستخدام الألواح الشمسية. ولإيضاح مدى الإمكانات المتاحة لإنتاج الطاقة الشمسية بشكل أكبر؛ خلص تقرير صادر عن شركة استراتيجي، للاستشارات العالمية، إلى أن الألواح الشمسية الموضوعة في إحدى دول مجلس التعاون الخليجي، تنتج ضعف إنتاجها في ألمانيا أو أي دولة أوروبية مماثلة. وبالتالي، فإن الفوائد المستقبلية لتوليد الطاقة الشمسية، يجب أن تكون محل بحث ودراسة بشكل كبير عند مناقشة مستقبل صناعة الطاقة في المنطقة. على الجانب الآخر، أشار خبراء الطاقة إلى أن طاقة الرياح، تتمتع بإمكانية عالية للنجاح على المدى الطويل. وأوضح كل من كولبي كونيلي، وجورج إكسيديس، في مجلة ريفيو أوف إيكونوميكس آند بوليتيكال ساينس، أنه على الرغم من أن طاقة الرياح كانت بطيئة التطور، بشكل عام ضمن مفهوم الطاقة المتجددة في الخليج، فإنها تحمل بين طياتها إمكانات قوية لزيادة كفاءة عدد من الصناعات الاستراتيجية في المنطقة، لا سيما مشروعات تحلية المياه، بالنظر إلى أن موارد طاقة الرياح في الخليج، تعد في أفضل حالاتها في الليل، ما يعني أنها من الممكن أن تكمل استخدام الألواح الشمسية، التي تستخدم فقط خلال النهار. وبالتالي، اقترح الباحثان، أن تعمل صناديق الثروة السيادية لدول مجلس التعاون، كمستثمرين في إنشاء صندوق جديد لتطوير مشروعات توليد الطاقة من مصادر متجددة، مثل الرياح في المنطقة. وتطبيقًا لهذا المفهوم، أعلنت شركة البحر الأحمر للتطوير، السعودية في مايو 2021. عن خططها لتطوير محطة لتحلية المياه، تعمل بالكامل بمزيج من طاقة الرياح والطاقة الشمسية، مع قدرة إنتاجية متوقعة تعادل 2 مليون قارورة بسعة 330 مليلترا سنويا. ومع ذلك، فإن تصدير احتياطيات الغاز الطبيعي والنفط من منطقة الخليج، لن يتوقف في المستقبل القريب، حيث إن بيع هذه الموارد سيساعد في جعل انتقال الطاقة في المنطقة ممكنًا. وكما لاحظت ربى الحصري، من معهد الشرق الأوسط، فإن جهود التنوع الاقتصادي داخل الخليج، تشمل الاستخدام المستمر للوقود الأحفوري في إنتاج طاقة الهيدروجين الخضراء، وخاصة أن الاستثمارات بدأت تتدفق، نحو تطوير إنتاج الطاقة الهيدروجينية النظيفة. وفي هذا الصدد، أوضح نيكولاس كروفورد، من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، أن الطلب على الهيدروجين منخفض الكربون، ينمو بسرعة وخاصة أن الدول الآسيوية والأوروبية التي تعتمد بالفعل على واردات الطاقة من مصادر خارجية، ستحاول تأمين إمدادات أخرى موثوقة، وسط تحول الطاقة بعيدًا عن النفط والغاز، وهو ما يعد أولوية استراتيجية بالنسبة إليها، مشيرًا إلى أن دول الخليج في وضع جيد للاستفادة اقتصاديا واستراتيجيا من كونها رائدة في مجال تنويع الطاقة، لا سيما أنها تمتلك بالفعل البنية التحتية والآليات الفنية لتصدير الغاز الطبيعي، وكيف يمكن تسخير هذا التفوق النسبي لتصدير الهيدروجين الأخضر النظيف. وتحقيقا لهذه الغاية، تلعب الإيرادات الناتجة عن بيع الوقود الأحفوري، دورًا رئيسيا في تمويل مشروعات البنية التحتية اللازمة لانتقال دول الخليج إلى الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة. وأوصى تقرير آفاق الاقتصاد العالمي، الصادر عن صندوق النقد الدولي، في ديسمبر 2021. باستخدام أسعار النفط المرتفعة من أجل زيادة تنويع اقتصادات المنطقة. وأشارت كيت دوريان، من معهد دول الخليج العربية، إلى أن دول مجلس التعاون، لا تزال تراهن على النفط والغاز للاحتفاظ بحصة مهيمنة من أسواق الطاقة العالمية في العقود القادمة. وبالتالي، فإن إيرادات هذه الموارد ستسهم في تطوير آليات التحول نحو مصادر الطاقة المتجددة. وعلى نطاق واسع، من المتوقع أن تتحمل دول الخليج نفسها العبء المالي للاستثمارات في البنية التحتية وتطوير البحوث للوصول إلى مرحلة الطاقة المتجددة. ولاحظ كونيلي، وإكسيديس، أنه في حين أن بعض دول الخليج قد حررت عنصر التوليد في قطاع الطاقة، فإن تطوير مصادر الطاقة المتجددة من المرجح أن تقوم بها الشركات الحكومية. وأوضح كل من دومينيك تريك، ومصطفى دومانيك، من المجلس الأطلسي، أن دول الخليج تمر ببرامج تحول اقتصادي ضخمة لوضع اقتصاداتها، في وضع أكثر تنوعًا وفاعلية على أسس مستدامة، لكن خططهم ستتطلب الكثير من التمويل، إما من رؤوس أموال دولية جديدة، أو جراء تحولها عن الاعتماد في إيراداتها على الصناعات الهيدروكربونية. ومع ذلك، أشارت تحليلات بعض المراقبين إلى أن دول الخليج تتطلع إلى الاستفادة من قطاعاتها الخاصة للمساعدة في تسهيل انتقالها إلى مصادر الطاقة المتجددة. ووفقًا لتقرير المؤسسة العربية للاستثمارات البترولية؛ فقد نما الاستثمار الخاص في قطاع الطاقة بشكل ملحوظ في المنطقة. وبحسب «نافا أكينيني»، في صحيفة «ذا ناشونال»، فإن كلا من الإمارات، والسعودية تنظر إلى الاستثمار في الطاقة النظيفة على أنه مكون أساسي للتنويع الاقتصادي والتصنيع وخلق فرص العمل والاستعداد لاقتصاد ما بعد النفط. وبالمثل، اقترحت سيم، أن الدفع المنسق للتنويع الاقتصادي، قد فتح المجال أمام الشركات الخاصة المحلية للاستثمار في قطاع الطاقة المتجددة، كما أشار سوليفان، إلى أن هذه الطاقة والتغييرات الأخرى ستجلب استثمارات ضخمة يمكن أن توفر فرص عمل لمواطني دول الخليج. على العموم، تُظهر الجهود المبذولة من دول الخليج وتعهداتها بالالتزام بالتحول نحو الطاقة المتجددة، رغبة أكيدة في التحول نحو هذه الطاقة في المستقبل القريب. وبشكل استباقي، يواصل صناع السياسات الإقليمية، مواجهة التحديات، بعد أن طوروا مبادرات طويلة الأجل لتقليل اعتمادهم على الوقود التقليدي ضمن أطر أوسع لتنويع اقتصاداتهم. وبينما لا تزال تلك التحديات قائمة، هناك تسارع واضح في الاستثمار بتلك المبادرات من قبل الحكومات والقطاع الخاص. وفي ضوء ذلك، من المتوقع أن تكون دول الخليج ما بين عامي 2050 و2070. في مكان مختلف تماما عما هي عليه اليوم، لكن، ستكون هناك حاجة إلى تبني استراتيجيات لإدارة المخاطر المتوقعة بنوع من المرونة؛ لتتجاوز بنجاح تحولات الطاقة وتأثيراتها المحتملة.
مشاركة :