أظهرت نتائج انتخابات التجديد النصفي لمجلس الأمة في الجزائر تقدما واضحا لحركة البناء الوطني على حزبها الأم حركة مجتمع السلم، وسط تساؤلات عما إذا كانت الأخيرة فقدت زعامتها على التيار الإسلامي، فضلا عن سر تحول الأولى من حزب مجهري منشق إلى أحد الأحزاب الخمسة الأولى. وحصلت حركة البناء على خمسة مقاعد من إجمالي ثمان وستين في انتخابات التجديد النصفي لأعضاء مجلس الأمة، التي جرت في الخامس من فبراير الجاري. وحلّت الحركة في المرتبة الرابعة بعد كل من حزب جبهة التحرير الوطني (26 مقعدا) و”المستقلون” (13 مقعدا) والتجمع الوطني الديمقراطي (11 مقعدا)، بينما لم تحصل حركة مجتمع السلم سوى على مقعد واحد فقط. وتجرى انتخابات التجديد النصفي لمجلس الأمة كل ثلاثة أعوام لتجديد نصف أعضاء الغرفة الثانية للبرلمان، الذي كان يبلغ عدد مقاعده 144، قبل أن يرتفع هذه المرة إلى 174، بعد إضافة عشر ولايات جديدة. التقارب في النتائج يعكس شراسة في المنافسة على زعامة التيار الإسلامي الذي احتكرت «حمس» قيادته منذ 2007 ويتم انتخاب ثلثي أعضاء مجلس الأمة عبر نظام الانتخاب غير المباشر، الذي يشارك فيه المنتخبون في المجالس البلدية والولائية (المحافظات)، بينما يعين رئيس البلاد الثلث المتبقي. ويشمل التجديد هذا العام ثماني وستين عضوا، منهم عشرون عضوا يمثلون الولايات العشر الجديدة، بمعدل عضوين من كل ولاية (عدد الولايات أصبح ثماني وخمسين بعد أن كان ثماني وأربعين ولاية)، كما سيتم تجديد نصف الثلث الرئاسي، أي أربعة وعشرين عضوا، بالإضافة إلى عشرة أعضاء آخرين، بمجموع أربعة وثلاثين عضوا معينين جددا. وتفوق حزب حركة البناء الوطني على حركة مجتمع السلم في انتخابات التجديد النصفي لمجلس الأمة، لا يعكس بالضرورة حسمها لمعركة الزعامة على التيار الإسلامي. وتعتمد انتخابات التجديد النصفي لمجلس الأمة بشكل كبير على التحالفات بين الأحزاب التي حصلت على أكبر عدد من المقاعد في الانتخابات البلدية، وبدرجة أقل في الانتخابات الولائية، إذ إن المنتخبين في المجالس البلدية (24 ألفا و801 منتخب) يمثلون أكثر من 91 في المئة من الكتلة الناخبة في انتخابات التجديد النصفي، أما المنتخبين في المجالس الولائية (2350 منتخبا)، فلا يمثلون سوى أقل من 9 في المئة. وتفوقت حركة البناء على حركة مجتمع السلم في الانتخابات البلدية بعد حصولها على 1848 مقعدا (7.45 في المئة) بفارق ضئيل لا يتجاوز ثماني وعشرين مقعدا عن الثانية، التي حصلت على 1820 مقعدا (7.33 في المئة)، إلا أن حركة مجتمع السلم تقدمت على حركة البناء في الانتخابات الولائية بتسعة مقاعد فقط، بعد أن حصلت الأولى على 239 مقعدا مقابل 230 مقعدا للأخيرة. وجاءت انتخابات التجديد النصفي لمجلس الأمة لتحسم هذا التقارب لصالح حركة البناء الوطني، التي تتبنى سياسة المشاركة في الحكومة، وخطا داعما للرئيس عبدالمجيد تبون، بينما قاد رئيس حركة مجتمع السلم عبدالرزاق مقري حزبه نحو التموقع مع المعارضة، بعيدا عن الخط الذي رسمه لها الأب المؤسس للحركة محفوط نحناح (توفي في 2003)، ما تسبب في انشقاق عدة أحزاب عنها، بينها حركة البناء الوطني. ويعكس هذا التقارب الشديد شراسة في المنافسة بين الحركتين على زعامة التيار الإسلامي، الذي احتكرت حركة مجتمع السلم قيادته منذ 2007. انتخابات التجديد النصفي لمجلس الأمة تعتمد بشكل كبير على التحالفات بين الأحزاب التي حصلت على أكبر عدد من المقاعد في الانتخابات البلدية وقادت حركة مجتمع السلم التيار الإسلامي فعليا منذ 1997، قبل أن تسقط في 2002 أمام حركة الإصلاح الوطني التي أسسها عبدالله جاب الله، ثم استعادت ريادتها في 2007. وقبل الحراك الشعبي الذي أطاح بالرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة من الرئاسة في 2019، لم تكن حركة البناء الوطني تمثل ثقلا كبيرا في الساحة السياسية. ومنذ انشقاق عدد من صقور وحمائم حركة مجتمع السلم، وتشكيلهم لحركة التغيير ثم حدث الانشقاق الثاني من الأخير وتأسيس حركة البناء الوطني في 2013، برئاسة مصطفى بلمهدي، الشخصية التاريخية ورفيق نحناح، لم يتمكن الحزب من فرض نفسه، وعُدّ من الأحزاب الصغيرة، حيث اضطر إلى التحالف مع حزبين إسلاميين آخرين، هما حركة النهضة، وجبهة العدالة والتنمية، بقيادة جاب الله، ومع ذلك لم تحصل الأحزاب الثلاثة مجتمعة سوى على 15 مقعدا في الانتخابات البرلمانية لعام 2017، إلا أن ذلك مكنها من تشكيل كتلة برلمانية (تحتاج 10 مقاعد على الأقل). ومنذ 2013، حدث تنافس بين حركة البناء الوطني وحركة مجتمع السلم على أمرين اثنين، أولهما من له الحق في ميراث تاريخ الشيخ نحناح، وتجلى ذلك في تنافسهما حول تنظيم المؤتمر السنوي “للأب المؤسس”، ودعوة أبرز القيادات الإسلامية في العالم للمشاركة في هذا المؤتمر لتكون شاهدة على الحركة التي تسير على نهج نحناح، وثانيهما، تنافس سري حول من يمثل التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين في الجزائر، وتشير عدة مؤشرات إلى أن حركة البناء الوطني تمكنت من الحصول على هذه “الشرعية التنظيمية”، رغم أن كلا الحزبين ينفيان في العلن تبعيتهما للتنظيم الدولي لجماعة الإخوان، لما لذلك من حساسية وطنية وقومية لدى الرأي العام في الجزائر. وفي 2018، حدث تغيير جوهري في حركة البناء، عندما تخلت عن رئيسها التاريخي بلمهدي، الذي لا يشتهر بقوة الكاريزما والخطابة التي عرف بها رفيقه نحناح، وتولى عبدالقادر بن قرينة، وزير السياحة السابق، رئاسة الحركة، وهو المعروف بقربه من دوائر في السلطة.
مشاركة :