هل أفقد الإسلام السياسي السيطرة على نظام المعتقدات؟

  • 5/4/2020
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

لقد أفسد الإسلام السياسي تلك الصورة المضيئة عن الإسلام بنظامه الأخلاقي وعقيدته الخاصة ومنهجه المتميز في العدالة السياسية والاجتماعية، وتحول الطابع الشمولي للإسلام إلى مثار للأسئلة المقلقة التي صنعها التوجه السلبي للإسلام السياسي.. نشأ الإسلام تاريخياً وسط منظومة مجتمعية تداخلت فيها معطيات كثيرة بعضها شديد التعقيد مثل المرجعيات القبلية، أو آلية قبول المنتمين الجدد الى الإسلام بلا قيود أو شروط قائمة على خلفيات تاريخية أو مجتمعية، وهنالك ما هو جديد أيضاً في فكرته مثل الرغبة في بناء مجتمع عقدي يجمع بين مهاجرين أتوا من مكة وأنصارهم أهل يثرب، كانت الأفكار في هذا المجتمع الجديد كلها مستجدة وساهمت معطيات العقيدة الإسلامية على الحفاظ على التماسك الاجتماعي والسياسي وتم بناء مجتمع قوي غير مفاهيم الحياة وخاصة في الثلاثة عقود الأولى من تاريخ الإسلام. لم يكن الأمر سهلاً لكي يصل الإسلام إلى ذروته في هذه المرحلة، وخرجت دولة الإسلام في يثرب وهي بصحة جيدة، واستطاع العصر النبوي وما بعده من الخلفاء الأقوياء أن يؤسسوا لأعظم عقيدة ونظام سياسي عمل على إحداث إصلاحات جذرية ومتينة في المنظومة المجتمعية، وكانت الصورة الإسلامية هي الأكثر وضوحاً في تلك الفترة التاريخية من حيث الأداء العقدي والسياسي للإسلام. انتشر الإسلام وانفتح على ثقافات متعددة في العالم واستطاع التكيف بشكل كبير مع كل ثقافة ذهب إليها وكان المتوقع أن تنشأ المواقف المضادة وتبدأ عمليات التفكيك الفكري لهذه العقيدة في تلك الثقافات الجديدة، ولكن المفاجأة أن كل الأسئلة التي ساهمت في حدوث الثغرت والانشقاقات في التراث الإسلامي أتت من جذور هذه العقيدة ومن معتنقيها الأوائل، ففكرة الإسلام السياسي والانشقاقات المذهبية والاختلافات الفقهية كلها حمل لؤاءها أصحاب الجذور الأولى في الإسلام، بمعني دقيق المفاجأة الكبرى أن من تولى طرح الأسئلة المقلقة حول النظام العقدي الإسلامي هم أبناء المؤسسين في أغلب الأحيان. لقد كان ظهور الإسلام السياسي فكرة مبكرة في التاريخ الإسلامي ساهمت هذه الفكرة في الخلط المتعمد بين الإدارة الاجتماعية والتوجيه العقدي، لقد حُمّل الإسلام ما لم يكن يحتمل من متطلبات وتجاوز الكثير من المنشغلين في تعقيد القضية العقدية في اتساع الفجوة بين المجتمعات وبين عقيدتهم، لقد ذهب البحث إلى أكثر مما هو متوقع، فطلب من الإسلام الإجابة عن كل الأسئلة بلا تردد وبلا تلعثم، لقد كانت هذه هي الفكرة التي أربكت النظام العقدي عبر تاريخ الإسلام ومع كل أسف لا تزال هذه الفكرة موجودة فعدد الأسئلة التي صنعها المسلمون حول عقيدتهم أو عنها كافية لإذابة الفكر الإسلامي كله، كم هائل من التراث لا يمثل سوى مجموعة من الأسئلة والإجابات التي بلغت الملايين. لقد ساهمت تلك الأعداد الهائلة من الأسئلة التي أغرقت التراث الإسلامي في نشأة الارتباك الفكري بين عقيدة الفرد وعقيدة المجتمع، وجاءت هذه الأعداد المليونية من الأسئلة التي كانت تدور في معظمها حول ترسيخ الفكرة الفقهية لكل معطيات الحياة، وهذا ما ساهم في غياب راسخ لتفاصيل الحقوق المدنية والدينية والسياسية في التراث وكيفية تداخلها في تشكيل المجتمعات واستقرارها. ظهرت فكرة الإسلام السياسي مبكراً في تاريخ الإسلام وتبنى الإسلام السياسي فكرة أن الحقوق السياسية هي حقوق عقدية أكثر من كونها حقوقاً مستقلة، تؤهل المشتغلين بالفقه والعقائد أن يكونوا هم من يوجهها ويرسم مسارها، ولم يكن في التاريخ الإسلامي مع كل أسف أشد ظهوراً من التركيز في التراث على أن ولاية الفقيه قضية محسومة عقدياً، وتلك حقيقة ساهمت في انتشار الأفكار السياسية التي أثقلت التراث الإسلامي. لقد أفسد الإسلام السياسي تلك الصورة المضيئة عن الإسلام بنظامه الأخلاقي وعقيدته الخاصة ومنهجه المتميز في العدالة السياسية والاجتماعية، وتحول الطابع الشمولي للإسلام إلى مثار للأسئلة المقلقة التي صنعها التوجه السلبي للإسلام السياسي، فكرة الإسلام السياسي فكرة شديدة الظهور هذه الأيام مع جماعة الإخوان المسلمين الممثل الأكبر لهذا النهج حالياً والمواجهة مع أفكار هذه الجماعة تتم في كثير من أجزاء العالم الإسلامي وتسبب الكثير من الأزمات السياسية. المجتمعات الإسلامية اليوم أمام منعطف كبير بعد ما تم اختبار جماعات الإسلام السياسي في الحكم وأثبتت فشلها في تقدير الفروقات بين الحقوق والواجبات المدنية والدينية والسياسية، فلم تعد مجتمعاتنا تنتظر من يخبرها بخطورة تيارات الإسلام السياسي بقدر انتظارها لمسار فكري يجدد الخطاب ويعيد قراءة التراث وليس فقط محاصرة التيارات القائمة، وهذا يتم عبر فتح المجال لمدارس معتدلة تنزل وتتواجد في المجتمع ومنصات الإعلام ومؤسسات المجتمع.

مشاركة :