أجمع عدد من الأكاديميات في مجال التاريخ على أن المرأة السعودية كانت دائما حاضرة في المشهد السياسي بمبادرات بطولية منذ بدء تأسيس الدولة السعودية الأولى وحتى هذا الوقت الميمون الذي تعيش فيه المرأة أزهي مراحل التمكين فقد عاشت الأدوار جميعها بنجاح فهي الأم المعطاءة والزوجة المكملة لدور الرجل، والابنة التي تحلم بصناعة الجمال للوطن والمنتجة والمساهمة في التنمية حبا لهذا الكيان وكانت السند والعون بعطاء يفوق المساحات الشاسعة لهذا الوطن الذي خلد أسماء النساء وأدوارهن في تاريخه الحافل بالإنجازات. وأن دورها السياسي الحالي كسفيرة هو امتداد لبداية سطوع نجمها في هذا المجال قبل 200 عام في بيئة قاسية التضاريس الجغرافية تفتقد أبسط الخدمات وصعوبة الحياة وقتها والتي لم تستطيع كل هذه الظروف أن تعيق طموحها وخطواتها نحو تحقيق الإنجاز. دور المرأة التاريخي وفي السياق قالت عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى المختصة بالتاريخ أ. د. حياة مناور الرشيدي: لوعدنا لتاريخ الأسرة السعودية وتحديدا داخل البيوت التي يقود أفرادها الحروب في تلك الحقبة التاريخية في مجتمع يغلب عليه المجتمع الحضري والقبلي وتحت كيان واحد وعند تأسيس الدولة السعودية الأولى كان المجتمع وقتها يعيش بفكر واحد ألا وهو الحفاظ على كيان الدولة التي أسسها الإمام محمد بن سعود ودورها الكبير في مجال التعليم والتي تجعلنا نحلل المشهد بأن العلم وقتها كان حاضرا داخل بيوت الأسر السعودية وكان متاحا للجنسين - لافتة - إلى أن هناك معلومات مغلوطة متداولة بأن المرأة في ذلك الوقت كانت مهمشة ودورها محصور خلف الجدران الأربعة للبيوت من خدمة وإنجاب وتربية وتم تغافل الكثير من الحقائق المهمة والبارزة لدورها وتجاوز التدوين التاريخي هذه الجزء المهم من حياتها. امرأة وأكثر من دور وتابعت: المرأة في تلك الحقبة الزمنية كانت تداوي ولها خبرة في مجال التعامل مع الأعشاب وهذا يعني أن لديها معلومات في مجال الطب مثلا حتى وإن كان ذلك عن طريق الوراثة والمرأة إن خرجت للمرعى فهي تقوم بتدبير أمور الزراعة والمحاصيل والإنتاج ومعرفة كل ما يخص مواسم الحصاد ولا يجب أن نغفل حدوث بعض الأوبئة وقتها وهنا يأتي دورها العلاجي بالإضافة إلى أنها كانت تقوم بالتموين الغذائي الجيوش ففي تلك الحقبة الزمنية كانت تكثر الغارات القبلية. ماضٍ وحاضر مضيء وأشارت د. حياة إلى أننا في هذا الوقت نواكب التطوير والتغيير الذي حدث للمرأة السعودية ومنه تمكينها من حقوقها وما قامت به في ذلك الزمن البعيد هو بمثابة التأكيد على تمكينها من مئتي عام في تلك الحقبة التاريخية وهذا يعني أنه كان لديها كل المقومات التي أهلتها للقيام بأدوارها المميزة وذلك من خلال نشأتها داخل بيت يعيش الحراك السياسي والعلمي والاقتصادي ومن الطبيعي أن كل ذلك أكسبها الشخصية القوية وجعلها تشعر بمسؤوليتها تجاه الوطن والدليل على علو مكانتها هو ظهور أسماء لامعة تركت بصمتها في التاريخ السعوي وهذا كان أكبر محفز للمشاركة، وأن دور المرأة في مشهد الحراك السياسي وقتها يمكن وصفه بالتطوع فتلك الأعمال الكبيرة التي كانت النساء يقمن بها هي عبارة عن أعمال تطوعية فهي تقدم روحها فداء للوطن ومكتسباته ولذلك يجب أن ينظر الجيل الحالي جيل التقنية إلى هذا الماضي نظرة حب وفخر. تمكين للمرأة فيما لفتت عضو هيئة التدريس جامعة الأمير سطام كلية التربية من قسم العلوم الاجتماعية د. مريم العتيبي إلى أنّ المرأة السعودية حظيت بمكانة رفيعة المستوى في الدولة السعودية في مراحلها الثلاثة، والتمكين الذي حظيت به في عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز ما هو إلا امتداد تاريخي للمكانة التي كانت عليها، مضيفةً: "أسهمت المرأة في كثير من الأعمال المرتبطة بمجتمعها وتنوع هذا الإسهام وشمل كل طبقات المجتمع، فكانت تقوم بأعمال عدة سواءٌ داخل المنزل أو خارجه، فإلى جانب أعمالها في البيت كانت تؤدي أعمالاً إضافية في مساعدة زوجها. كما أنها لم تتجاهل أهمية تزويد نفسها بالعلم وكانت تحرص على حضور حلقات العلم في المساجد في أماكن خاصة بالنساء أيضا قامت بعض النساء الموسرات الحال بالتدريس في بيوتهن. نشاط اقتصادي وتابعت د. مريم: "على النطاق الاقتصادي فقد كان للمرأة حضور مميز فقد كانت تمتلك الشخصية المستقلة ولها حق امتلاك العقار، والتصرف فيه، والبيع والشراء وقبض الثمن، والتوكيل وإلغاء الوكالة وجميع ما يتعلق بأمور التجارة ولا يتدخل أحد فيما تملك إلا بموافقتها، وكانت ترث أموالا وعقارات وتورث أبناءها، وقد حفلت الوثائق المحلية وسجلات المحاكم الشرعية بالعديد من هذه الأوراق الثبوتية، وتكررت وصايا وأوقاف المرأة كثيرًا في الوثائق المحلية، مما يدلل على مكانتها، وتقدير المجتمع المحلي لها، وكانت تقوم بأعمال الولاية الشرعية، كنظارة الأملاك ورعاية القاصرين، وهذا يعكس ويدلل على عظم الدور والمكانة الذي قامت به المرأة في الدولة السعودية الأولى وإسهاماتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية". الجوهرة عمة المؤسس إن المتتبع لدور المرأة في عهد الدولة السعودية الأولى يجد الكثير من النماذج الرائعة والجوهرة بنت فيصل بن تركي آل سعود عمة الملك عبدالعزيز صاحبة مقولة "عليك أن تحيي عظمة بيت ابن سعود" أحد النماذج المضيئة في تلك الحقبة الزمنية فوالدتها هي سارة بنت عبدالعزيز بن حمد ابن ناصر بن عثمان بن معمر أحد أبرز علماء نجد في القرن الثالث عشر الهجري التاسع عشر الميلادي، وقد تزوجت سارة من الإمام فيصل بعد عودته من مصر عام 1259هـ/1843م وأنجبت له عدة أبناء ماتوا جميعاً ما عدا الجوهرة التي حظيت كما أخواتها الأخريات برعاية والدهن الذي اشتهر بعنايته بالنواحي العلمية والثقافية، كما أن نشأة والدتها في بيت علم كان له دور واضح في تكوينها العلمي، ويبدو ذلك جلياً في إلمامها ومعرفتها بالتاريخ والسير وحفظها للقرآن الكريم واستيعابها لكثير من السنة النبوية والاستنباطات الفقهية واهتمامها بجمع الكتب ووقفها على طلبة العلم، ولا تزال تلك الكتب محفوظة في بعض المكتبات إلى اليوم. عملت على تنمية روح العزيمة ودفع الملك عبدالعزيز إلى استعادة الدولة السعودية، وعن هذا الفضل يتذكر الملك عبدالعزيز من فترة طفولته أن الجوهرة كانت من بين أفراد عائلته التي تعرف القليل مما كان يعتمل في فؤاده المتحمس، ويصف مشاعره تجاهها ودورها في شحذ همته وجعله يستعد لما هو قادم، فيقول: "لقد كانت تحبني فيما أعتقد أكثر مما كانت تحب أولادها أنفسهم، كانت عندما تنفرد بي تضعني في حجرها وتنبئني بالأمور العظيمة التي كان علي أن أحققها إذا ما كبرت، كانت تقول لي: عليك أن تحيي عظمة بيت ابن سعود". وكانت الجوهرة تؤكد على الملك عبدالعزيز وترسخ في ذاته ركائز وأسس الحكم كما سار عليه أسلافه من آل سعود، ومن ذلك أن يسعى إلى رفع شأن الإسلام والمسلمين ببث الدعوة السلفية، ثم هي ترسخ في ذاته أنه ذلك القائد الذي سوف تجد معه شبه الجزيرة العربية كل عزة وتمكين، فكانت تردد على مسمعه: "لا تكن عظمة بيت ابن سعود غاية مساعيك، إن عليك أن تجاهد لعظمة الإسلام إن قومك لفي أمس الحاجة إلى قائد يرشدهم إلى طريق النبي الكريم، وإنك أنت ستكون ذلك القائد"، وقد كان لهذه التوجيهات أثر عميق في نفس الملك عبدالعزيز - يرحمه الله -، وظل طوال حياته يؤكد بأنها المرأة الوحيدة التي كان لها تأثير قوي في مسار حياته. ومع بدء مرحلة التوحيد كان منزل الجوهرة مقصدا لأفراد من أسرة والدتها يلجؤون إليه في وقت الملمات، ومكانتها في نفس الملك عبدالعزيز كانت كبيرة لذا فإننا لا نعجب من حرصه على زيارتها يومياً، وكانت تلك سنّة حسنة للملك عبدالعزيز في صلة الرحم لا يتركها مع كثرة أشغاله ووفرة أعماله، ومن جانب آخر كانت الجوهرة تحرص على زيارة أخيها الإمام عبدالرحمن يومياً مدللة على عمق صلتها وقوة عاطفتها نحو أخيها. ومن إسهامات الجوهرة الخيرية أنه كان لها وقف لزينة العروس يتمثل في تقديم ثوب وبعض القطع الذهبية للمقبلات على الزواج، وهذا يدلل على حس اجتماعي ووعي بأهمية الإسهام في جوانب من حياة المجتمع في ذلك الحين، إذ من المؤكد أن غالبية النساء كن يفتقرن حال زواجهن إلى الملابس وأدوات الزينة المناسبة. وكان للجوهرة مسقاة ماء بجوار سور دخنة، كانت تعد من أشهر مساقي الرياض في وقتها، ومن المرجح أنها كانت تابعة لمنزلها ونخيلها.
مشاركة :