وجد عملاق النفط الفرنسي توتال نفسه في موقف غير متوقع بعد أن علقت صفقته المبرمة مع العراق في دوامة رسوخ البيروقراطية والتي لطالما جعلت البلد يجد صعوبة في جذب المستثمرين الأجانب وخاصة الغربيين. وأدّت خلافات حول شروط الصفقة البالغة قيمتها نحو 27 مليار دولار إلى صرف النظر عنها حتى تنظر الحكومة الجديدة فيها كونها ستتولى العمل على تنفيذها لاحقا بعد الاتفاق على التفاصيل المهمة مع البرلمان. ويواجه ثاني أكبر منتج للنفط بعد السعودية في منظمة أوبك صعوبات هائلة في جذب استثمارات كبيرة وجديدة إلى قطاع الطاقة منذ أن وقع مجموعة من الصفقات في مرحلة ما بعد الغزو الأميركي منذ أكثر من عشرة أعوام. وخفضت حكومة مصطفى الكاظمي مستويات الإنتاج المستهدفة مرارا، وجزء منه كان جراء اتفاق تحالف أوبك+ لتعديل السوق العالمية، بالتزامن مع رحيل الشركات العالمية التي أبرمت هذه الاتفاقات بسبب ضعف العائد من عقود المشاركة في الإنتاج. وزارة النفط ترى من المهم تقديم حوافز مغرية وأكثر تنافسية للشركات ووافقت شركة توتال العام الماضي على الاستثمار في أربعة مشاريع للنفط والغاز والطاقة المتجددة في منطقة البصرة في جنوب البلاد على مدى ربع قرن. ووقعت وزارة النفط العراقية الاتفاق في سبتمبر الماضي بعد زيارة قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بغداد في أغسطس 2020. ويتعرض الاقتصاد العراقي لأضرار كبرى بسبب انهيار أسعار النفط وكذلك بسبب أزمة تفشي فايروس كورونا المستجد كما هو حال بقية دول العالم. كما يعاني البلد منذ عقود من نقص في مياه الشرب والري، وتهالك في بنيته التحتية، وانقطاع مزمن في الكهرباء التي تنقطع في معظم محافظات العراق 12 ساعة على الأقل يومياً. وقالت ثلاثة مصادر عراقية من وزارة النفط ومن القطاع لرويترز إن “الوزارة لم تحصل على الموافقات على التفاصيل المالية للصفقة من جميع الإدارات الحكومية المطلوب موافقتها وغرقت في خلافات منذ ذلك الحين”. فبعد الانتخابات البرلمانية في أكتوبر الماضي تحتاج الصفقة الآن إلى موافقة الحكومة الجديدة، بما في ذلك وزيرا النفط والمالية اللذان لن يتوليا منصبيهما قبل مارس المقبل على الأقل. وفي حين قالت وزارة النفط لرويترز إنها تتوقع استكمال الصفقة مع توتال بعد ذلك، أشارت الشركة الفرنسية إلى أنها تحرز تقدما نحو إتمام الصفقة لكنها أضافت أن “الاتفاق يخضع لشروط يتعين على الطرفين الوفاء بها”. وأثارت الشروط التي لم يعلن عنها أو تنشر من قبل مخاوف ساسة عراقيين. وقالت مصادر على صلة وثيقة بالصفقة إنها شروط غير مسبوقة بالنسبة إلى العراق. وكتبت مجموعة من النواب الشيعة لوزارة النفط خطابا في يناير الماضي تطالب فيه بالاطلاع على تفاصيل الصفقة، وتسأل عن سبب توقيعها دون إجراءات تضمن المنافسة والشفافية. ويؤكد خبراء أنه بالنظر إلى ما تتمتع به السلطة التشريعية فإنه يمكن للبرلمان أن يجبر الوزارة على إعادة النظر في الصفقة أو إلغائها. وتقول المصادر إنه بموجب مسودة الشروط تعول توتال على الحصول على عشرة مليارات دولار من الاستثمار الأولي لتمويل المشروع الأوسع نطاقا عن طريق بيع النفط من حقل أرطاوي النفطي، وهو أحد المشاريع الأربعة في الاتفاق الأشمل. ويضخ حقل أرطاوي بالفعل 85 ألف برميل يوميا وبدلا من أن تحصل توتال على حصتها منها تذهب العائدات إلى خزانة الدولة. وقالت مصادر من قطاع النفط العراقي منخرطة في المفاوضات لرويترز إن “من المقرر أن تحصل توتال على نحو 40 في المئة من مبيعات حقل أرطاوي”. وهذه نسبة أعلى كثيرا مما بين عشرة و15 في المئة كان المستثمرون يحصلون عليها في مشاريع سابقة عبر عقود الخدمة التقنية العراقية التي تعوض الشركات الأجنبية عن رأس المال وتكاليف الإنتاج وتدفع رسما ثابتا بالنفط الخام. وكلما زادت نسبة المشاركة في الإيرادات زادت سرعة دفع مستحقات المستثمرين وقلت المخاطر. ويشدد مسؤولون بوزارة النفط على أن العراق يحتاج إلى أن يكون أكثر تنافسية مع دول أخرى منتجة للنفط لجذب مستثمرين كبار مثل توتال. وقال مسؤول بارز من الوزارة، لم تكشف رويترز هويته، “نحتاج إلى تقديم حوافز أكبر”. 40 في المئة عائد توتال من مبيعات حقل أرطاوي وهي أعلى مما كان يحصل عليه المستثمرون وتوتال أيضا لديها تخوفات تتعلق بالصفقة إذ كانت الشركة الفرنسية قد رفضت مشاركة شركة النفط الوطنية العراقية لها في المشروع، وهذا من أسباب تعطل الصفقة. ولم تعلن الحكومة الجديدة والبرلمان بعد الوضع القانوني الكامل لشركة النفط المملوكة للدولة، التي أعيد تشكيلها لتضاهي أرامكو السعودية، مما يشكل خطرا بالنسبة إلى توتال. ونمت طاقة العراق الإنتاجية من 3 ملايين إلى 5 ملايين برميل يوميا في السنوات الأخيرة لكن خروج شركات نفط كبرى مثل إكسون موبيل وشل من عدة مشاريع بسبب ضعف العائد يعني أن النمو المستقبلي غير مضمون. وتراجعت أنشطة التنمية كذلك نتيجة تنامي تركيز المستثمرين على المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة. واستهدف العراق ذات مرة أن يصبح منافسا لمنتجين عالميين مثل السعودية التي تنتج 12 مليون برميل يوميا، أي أكثر من عُشر الطلب العالمي. وإلى جانب حقل أرطاوي تشمل الصفقة مع توتال منشأة للطاقة الشمسية تنتج واحد جيغاواط من الكهرباء ومنشأة تنتج 600 مليون قدم مكعبة من الغاز يوميا ومشروعا بتكلفة 3 مليارات دولار لإمدادات مياه البحر وهو مهم لزيادة إنتاج النفط من جنوب البلاد. وتعطل المشروع الأخير كذلك إذ قررت وزارة النفط في أغسطس الماضي أنها تريد من مقاولي الإنشاءات دفع التكلفة على عكس اتفاق سابق تحددت فيه قائمة مصغرة من الشركات التي يمكنها التنفيذ بأموال حكومية. وأكدت المصادر أن المشروع مازال يجمع عطاءات للتمويل قبل أن يبدأ تشييده.
مشاركة :