ليس من المطلوب من القائمين على البنوك المركزية أن يكونوا خطباء مفوهين بارعين في استخدام الكلمات. لا يشمل توصيفهم الوظيفي عادة القدرة على صياغة فقرات أنيقة. حتى وقت قريب، كان العديد من صناع السياسات النقدية البارزين يمارسون عملهم بما يتماشى مع مبدأ «مَن قَلَّ كَلامه قَلَّ خَطَأه». إن هذه الآراء أصبحت الآن عتيقة. كان كبار مسؤولي بنك إنجلترا يلقون في المتوسط ما مجموعه 13 خطاباً سنوياً في تسعينيات القرن العشرين. وفي العقد الأخير، أصبح المتوسط أكثر من ثمانين، ويشير خط الاتجاه إلى مزيد من الارتفاع. ويمكننا ملاحظة نمط مماثل في البنوك المركزية الأخرى. هذا ليس لأن القائمين على البنوك المركزية يتوقون حالياً إلى أن يكونوا شخصيات عامة؛ ففي مجالسهم الخاصة، ربما يفضل كثيرون منهم نهج نورمان. لكن نظام استهداف التضخم يُـعـتَــقَـد أنه يعمل من خلال إدارة واضحة وجديرة بالثقة للتوقعات. فإذا تمكنت من إقناع قوى اقتصادية فاعلة بأنك ستحقق هدفك في أغلب الأوقات، فسوف يقومون بجزء من وظيفتك نيابة عنك من خلال تعديل مطالبهم فيما يتصل بالأجور والحفاظ على استقرار الأسعار. ولهذا، تشكل اتصالات البنوك المركزية أهمية واضحة؛ وهي من منظور واضعي السياسات ليست ميزة اختيارية. كانت تجربتهم في الأشهر الأخيرة مؤسفة. نادراً ما تكون حياة مصطلح مالي قصيرة إلى هذا الحد. فالآن أصبحت كلمة «مؤقت» مدفونة في مقبرة البنوك المركزية المعجمية، إلى جانب مصطلح «التوجيهات المسبقة». فدوام الحال من المحال، كما يقول الرومان. تُـرى هل يشكل هذا التحول اللغوي المفاجئ المحرج أي أهمية؟ أخشى أنه مهم حقاً. ولكن هناك أدلة جديدة مقلقة تشير إلى أن هذه الرسالة لا تصل إلى الجمهور، وأن البنوك المركزية ليست محل ثقة بالقدر الذي تود لو تتصوره. الواقع أن أقل من %20 من الأسر الأمريكية على دراية بأن بنك الاحتياطي الفيدرالي يستهدف معدل تضخم بنسبة 2 %، ومن الجدير بالملاحظة أن نحو %40 يتصورون أنه يستهدف معدل تضخم يبلغ 10 % أو أكثر. يعتقد كثيرون أيضاً أن التضخم كان في الآونة الأخيرة أعلى مما تشير إليه الإحصاءات الرسمية. وهنا ربما يكون بعض منهم على حق، حيث تواجه الطبقات الاجتماعية المختلفة معدلات تضخم مختلفة. على سبيل المثال، يؤثر ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة على نحو غير متناسب على الأسر الأكثر فقراً. الواقع أن البنوك المركزية تعشق التركيز على ما يسمى «التضخم الأساسي»، الذي يستبعد العوامل القصيرة الأجل ــ على وجه التحديد، الزيادات في أسعار الغذاء والطاقة ــ التي لا تستطيع السلطات النقدية السيطرة عليها. وهذا من الممكن أن يجعل صناع السياسات يرون ارتفاع التضخم على أنه «مؤقت». لكن توقعات الأسعار بين المستهلكين تتشكل على النقيض من ذلك من خلال معدل التضخم الذي شهدوه بالفعل، وتُـعَـد تكاليف الغذاء والطاقة عنصرا مهما في ميزانيات العديد من الأسر. النظرة المستقبلية لتكاليف الطاقة غير مؤكدة على الإطلاق، لأنها تتأثر بمخاطر جيوسياسية لا يمكن التنبؤ بها، وليس فقط عوامل العرض والطلب، التي يمكن وضع نماذج لها بسهولة أكبر. إن التكاليف المترتبة على فقدان السيطرة على توقعات المستهلكين للتضخم، وهو ما فعلته البنوك المركزية الرئيسية على ما يبدو، قد تكون باهظة. وسوف يكون تطور تسويات الأجور خلال الربع المقبل بالغ الأهمية. فإذا تسارعت زيادات الأجور، ستضطر البنوك المركزية إلى الاستجابة بحزم أو تخسر المزيد من مصداقيتها، وعلى هذا فسوف ترتفع أسعار الفائدة حيث لا تزال الاقتصادات تناضل للخروج من الجائحة. * رئيس مجلس إدارة مجموعة «نات ويست» NatWest طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :