دعاء هشام تغوص في 'الاستقصاء التلفزيوني وقضايا الإرهاب'

  • 2/17/2022
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

يدور الكتاب "الصحافة الاستقصائية التلفزيونية وقضايا الإرهاب" للباحثة د.دعاء هشام حول نشأة وتطور الصحافة الاستقصائية التلفزيونية ومفهومها في الكتابات الغربية والكتابات العربية، كما يتضمن سرد لأهم المحاولات العربية والتجارب لإرساء دعائمها، وآلية عمل الصحافة الاستقصائية التلفزيونية ومتطلباتها، وخطوات نجاح الصحفي الاستقصائي في تحقيقه. فضلًا عن مناقشة دور الإعلام بشكل عام والصحافة الاستقصائية بشكل خاص في دعم وظهور وتسويق قضايا الإرهاب، وتضليل الرأي العام عن طريق نشر أخبار العمليات والحملات الإعلامية. ومن خلال فصوله الأربعة يركز الكتاب الصادر عن دار العربي للنشر على دور الصحافة الاستقصائية التلفزيونية في القضايا المختلفة في المجتمعات خلال السنوات الأخيرة التي أصبحت بها من أهم وسائل الإعلام وأكثرها تطورصا كنوع إعلامي وتحريري مهم ومؤثر، وينفرد بالتعمق في تقديم الأحداث والوقائع، ومعالجة القضايا والظواهر بشكل تفصيلي ومطول تعجز عنه الأشكال التحريرية الأخرى. ونظرًا لذلك كان لا بد أن تكون قضايا الإرهاب من أكثر القضايا تناولًا على طاولة الصحافة الاستقصائية التلفزيونية، بما انه أصبح في الوقت الراهن أكبر تحديات العصر لمختلف دول العالم، من حيث تعريفه، ونشأته، ثم مواجهته فكريًا وأمنيًا وإعلاميًا. وكانت الإشكالية الكبرى أن تتحول وسائل الإعلام الجديد بما فيها الصحافة الاستقصائية التلفزيونية إلى وسائل دعائية للمنظمات الإرهابية، فالإعلام قد يخدم أهداف الإرهابيين بنشر أقوالهم وأفعالهم وتضخيم قوتهم دون قصد، ليحقق للإرهاب الصدى الإعلامي الواسع الذي يبحثون عنه. لذلك يحاول الكتاب تفكيك ذلك الاشتباك والوقوف على حلول جادة ومنجزة لوسائل الإعلام حتى تقوم بدورها المنوط بها دون التورط في أي أزمات تضر بمصلحة المجتمعات العامة. وقد قامت الباحثة بسحب عينة عشوائية لتطبيق الدراسة الميدانية عليها، وقد أجريت الدراسة على عينة بلغ قوامها (400) مفردة من الشباب الجامعي، استخدمت صحيفة استبيان كأداة لجمع البيانات من العينة وذلك بهدف التعرف على دور البرامج الاستقصائية التلفزيونية في تشكيل معارف الشباب الجامعي تجاه قضية الإرهاب. وجاءت أسئلة الاستبيان انطلاقا من أربعة محاور الأول: معدل التعرض للبرامج الاستقصائية التلفزيونية، والثاني: تقييم الشباب الجامعي للبرامج الاستقصائية ورؤيتهم حول مدي موضوعية تلك البرامج أو تحيزها، وكذلك تقييمهم لمدي دقتها فيما تقدمه من معلومات عن قضايا الإرهاب، والثالث: مدي اهتمام الشباب الجامعي بالتعرف على قضية الإرهاب ومدي متابعة تلك القضية من خلال البرامج الاستقصائية التلفزيونية، ومدي مناقشة تلك الموضوعات مع الغير. والرابع: تأثيرات البرامج الاستقصائية التلفزيونية في تشكيل معارف الشباب الجامعي نحو قضية الإرهاب. تؤكد هشام أن وسائلُ الإعلامِ أصبحت عاملًا فعالًا ومهمًا في التأثيرِ في حياةِ الأفرادِ والشعوبِ وتوجهاتهمِ وأفكارهمِ ومعتقداتهمِ، والتي سَاهمت بدور كبير في تغذيةِ ودعمِ وظهورِ وتسويقِ أهدافِ وغاياتِ العنفِ والإرهاب والتطرفِ، وتضليلِ أجهزةِ الأمنِ والوصولِ إلى الرأي العام عن طريق نشر أخبار العمليات والحملات الإعلامية، كما أن التطورَ المذهلَ لوسائلِ الإعلامِ في العقود الأخيرة، أدي إلى تغييرٍ جوهري في شكل الأنواعِ الإعلامية ومضمونِها، وأصبح لكل منها خصوصيتُه، التي أسهمت في تقدمِه، ومع تطورِ الأحداثِ، وتنوعِ الظواهرِ، وارتباطِها بحياة الجمهور، كان على وسائل الإعلام ومنها التلفزيون ابتكارُ طرق إعلاميةٍ جديدةٍ، تقوم بمهمة المعالجة الشاملة لهذه القضايا من حيث البحث والتفسيرِ وتقديمِ الحلول، مما أدى إلى ظهورِ الصحافةِ الاستقصائية التلفزيونية كنوعٍ إعلامي تحريريٍ مهم ومتطورٍ؛ حيث التعمقَ في تقديم الوقائع والأحداث، من خلال معالجة قضية أو مشكلة أو ظاهرة سواء أكانت قديمة أم حاضرة أم مستقبلية، كما هو الحال في موضوع الجمرة الخبيثة الذي كان محل اهتمام دولي آنذاك، حيث كان هذا التحقيق فتحًا على طريق مفهوم عربي جديد للصحافة الاستقصائية وتحديدًا التلفزيونية. وتضيف "لا تنحصر موضوعات الصحافة الاستقصائية التلفزيونية في محور الأداء الحكومي أو قضايا الفساد، أو بالجريمة المنظمة مثلُ الاتجارِ بالبشرِ وتهريبِ المخدرات، ولكن بإمكان الصحفي معالجةُ قضايا وظواهرَ مجتمعية مهمة تبدأ بتلوثِ البيئةِ، سلامةِ مياة الشرب والري، وصلاحية الحافلات العامة، وسلامةِ ألعابِ الأطفالِ البلاستيكية، مرورًا بتهريب المخدرات إلى السجون بقصد الاتجار وانتهاءً بالأخطاء الطبية المتكررة، بل امتدت لتشمل قضايا الإرهاب حيث تصاعُد العمليات الإرهابية سواء على المستوى المحلى أو الدولي، والتي نتج عنها خسائر جسيمة تزيد أو تتساوى مع خسائر الحروب النظامية بما أدى إلى اعتبارِ الإرهاب صورةُ من صور الحروب المعاصرة كالتحقيق الخاص بأحداث الحادي عشر من سبتمبر، والذي أجراه الإعلامي المصري يسري فودة. وتتابع هشام "أصبح الإرهاب في الوقت الراهن يشكلُ تحديًا كبيرًا لمختلفِ دولِ العالمِ، من حيث تعريفه أولًا، ثم مواجهته فكريًا وأمنيًا وإعلاميًا ثانيًا؛ ولعل مما زاد الأمر تعقيدًا أن تتحولَ وسائلُ الإعلام الجديد إلى وسائل دعائية للمنظمات الإرهابية، فالعلاقة بين وسائل الإعلام والإرهاب علاقة تكاملية Symbiotic Relationship قائمة على أساسِ المصلحةِ المتبادلةِ، فالإعلامُ قد يخدمُ أهدافَ الإرهابيين بنشرِ أقوالِهم وأفعالِهم وتضخيمِ قوتِهم من دون قصد، ليعطي بذلك للإرهاب صديً إعلاميًا واسعًا، ونتيجة لتنامي دورِ هذه الوسائل، فقد وجدت الجماعاتُ الإرهابية فيها أرضًا ومتنفسًا – أرضًا خصبة - تستطيع من خلاله تحقيقَ العديد من أهدافِها. في المقابل تضمن أخبارُ الإرهاب لوسائلِ الإعلام التي تتحدث عنها بإفراط، وبنوع من المزايدة والتضخيم، تحقيقَ مصالحَ مهنيةِ واقتصاديةِ مؤكدةِ. وترى أنه في اطار ما يواجه مصر من حرب حقيقية ضد الإرهاب، فإن العنصر الإعلامي يصبح لاعبًا رئيسيًا في المواجهة الشاملة؛ ويمكن تحديد هذا الدور في أولا تنسيق السياسات الإعلامية بين وسائل الإعلام المختلفة فيما يتعلق بالقضايا المتعلقة بالأمن القومي. ثانيا عدم تقديم تحليلات أو آراء تخدم الإرهابيين بذريعة الحياد او حرية التعبير، فلا حياد في مواجهة الإرهاب. ثالثا عدم التعامل مع الأحداث الإرهابية على كونها قصة خبرية أو سبقًا اعلاميًا، ولكن يتم التعامل معها على أنها عدوان على الدولة والمجتمع. رابعا تقديم رسالة اعلامية مضمونها الأمل في المستقبل وحتميته الانتصار على الإرهاب لرفع الروح المعنوية للمواطنين. خامسا ضرورة التركيز على ما تسببه الأعمال الإرهابية من أضرار فادحة للدولة والمجتمع. سادسا إبراز الأجزاء المباشرة التي تقع على المواطنين جراء أعمال العنف والإرهاب بحيث تصبح قضية القضاء على الإرهاب قضية شخصية لكل مواطن. سابعا تدريب العاملين بوسائل الإعلام خاصة مقدمي البرامج التلفزية والقائمين على اعدادها على التعامل مع القضايا المتعلقة بالإرهاب والأمن القومي. ثامنا ضرورة الرجوع إلى مصادر موثوقة قبل نشر أي اخبار تتعلق بالإرهاب. وأخيرا الاعتماد على القصص الإنسانية لجذب التعاطف الواسع من المواطنين مع أجهزة الدولة في مواجهة الإرهاب. وتنتقد هشام المعالجة الإعلامية لقضية الإرهاب وللعمليات الإرهابية، أولا تغيب في الغالب التغطية الإعلامية ذات الطابع التفسيري والتحليلي، كما تغيب التغطية ذات الطابع الاستقصائي، ثانيا التركيز على الحدث أكثر من التركيز على الظاهرة؛ يعطي الإعلام العربي اهتماما للعمليات الإرهابية أكثر من الاهتمام الذي يعطيه للإرهاب كظاهرة لها اسبابها وعواملها. ثالثا هيمنة الطابع الإخباري على التغطية الإعلامية العربية للعمليات الإرهابية، وتقديم تغطية متعجلة وسريعة، وربما أحيانًا سطحية. ثالثا لا تنطلق التغطية الإعلامية العربية للظاهرة الإرهابية وللعمليات الإرهابية من الاستراتيجية الإعلامية للإرهابيين وبالتالي تتعثر خطوات هذه التغطية في مواجهة إعلام الإرهابيين. رابعا لا يتوافر لدي الكثير من وسائل الإعلام العربية كادر اعلامي مؤهل ومختص، قادر على تقديم معالجة إعلامية مناسبة لهذه الظاهرة المعقدة والمتشابكة والمتعددة الأبعاد. خامسا تتواري في الغالب معالجة جذور الظاهرة الإرهابية وأسبابها العميقة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية، وهذا ما يجعل الظاهرة تبدو وكأنها مجردة ومطلقة. خامسا يغلب على التغطية الإعلامية العربية الظاهرة الإرهابية الطابع الرسمي والاعتماد – في الغالب - بشكل مطلق على مصدر واحد، وهو المصدر الرسمي وهذا ما يضفي عليها طابعًا بالغ الرسمية وربما الجمود لا يتوافق مع الخصائص الذاتية الإعلامية. سادسا تقع التغطية في أحيان كثيرة في منحنى التهوين أو التهويل بالظاهرة الإرهابية وهذا ما يؤثر سلبًا على مصداقية هذه التغطية وعلى قدرتها على الوصول والتأثير. وتطالب الإعلام بشكل عام والصحافة الاستقصائية التلفزيونية بشكل خاص، بأداء الدور التوعوي المطلوب لمواجهة الظواهر السلبية في المجتمع، ومنها ظاهرة الإرهاب كواجب ديني ووطني للتبصير إلى الكثير من الظواهر والتفسيرات المعرفية للجوانب التي يجهلها القائمون على اعمال العنف بناء على ما تمتلكه كل وسيلة إعلامية من مميزات يمكن استغلالها في هذا المضمار. حيث درجت البحوث والدراسات التي تناولت دور الإعلام في التصدي للإرهاب على تعريف هذا الدور بأنه تلك الممارسات الإعلامية الأمنية المتخصصة التي تقوم بها إدارات الإعلام في الأجهزة الإعلامية المتخصصة أثناء مواجهة الإرهاب، وهو الأمر الذي جعل قضية مواجهة الإرهاب والتصدي لها هي مهمة أمنية بالدرجة الأولى، ومع التصديق بأهمية البعد الأمني لمواجهة الإرهاب واحتواء آثارها، فإن هذه المواجهة تتطلب توسيع نطاق التعامل مع قضايا الإرهاب بما يتطلب تفعيل الأدوار المختلفة للمؤسسات ومنها الإعلام بهدف التصدي لها وتكوين رأى عام رافض للإرهاب بما يسهم في نشر الوعي وتكوين الاتجاهات الرافضة للسلوك الإرهابي. وحول متابعة أهم الاهتمامات الإعلامية في السنوات الماضية، تلاحظ هشام أن "الأحداث الساخنة التي أعقبت تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر 2001 في الولايات الأمريكية ومقابلها وبعدها في مناطق أخري من العالم ومنها بعض دول المنطقة قد حولت أنظار العالم في اتجاه ضرورة مواجهة ظاهرة العنف والإرهاب كفعل وسلوك يتنافى مع القيم الإنسانية وجريمة تستحق العقاب الرادع، وتكريس نشاط الإعلام الجماهيري للخوض بجدية في معمعة الحرب المنظمة ضد العنف والإرهاب بشتى صورة. وتخلص هشام إلى إن مسألة مكافحة الإرهاب واستخدام الإعلام كسلاح مؤثر تحتاج إلى تكاملية الأداء العربي المشترك لتبادل الخبرات واستغلال الإمكانيات والكوادر الإعلامية والصحفية والفنية والعلمية ذات الكفاءة وتكوين برامج إعلامية دسمة وبوسيط إعلامي مشترك قادر على تكوين الموضوع ومزجه بأساليب أداء جذاب، ومحاولة إيجاد حل للمشكلات التي يعانيها الإعلام العربي، والمتمثلة في (عدم قدرة الإعلام العربي على مواكبة ما هو حديث في ثورة الاتصالات والمعلومات، والتي اتاحت للبشر قدرًا هائلًا من المعرفة لم تكن متاحة من قبل.

مشاركة :