انطلقت صباح أمس الثلاثاء أعمال المؤتمر السنوي ال21 للطاقة لمركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، الذي ينظمه المركز تحت عنوان موقع نفط مجلس التعاون لدول الخليج العربية في سوق الطاقة العالمي: جوانب الاستمراريَّة والتغيير، ويستمر لمدة يومين، وذلك في قاعة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، بمقر المركز في أبوظبي. حضر افتتاح المؤتمر سمو الشيخ حامد بن زايد آل نهيان، رئيس ديوان ولي عهد أبوظبي، والشيخ الدكتور خالد بن سلطان بن زايد آل نهيان، و الشيخ فيصل بن صقر القاسمي، رئيس مجلس إدارة شركة الخليج للصناعات الدوائية جلفار، والدكتور جمال سند السويدي، مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، وعدد من أعضاء السلك الدبلوماسي، والخبراء البارزين، وشخصيات علمية وأكاديمية، إضافة إلى باحثين في مجال النفط والطاقة من جميع أنحاء العالم. قضايا حيوية واستهلَّ الدكتور جمال سند السويدي، مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجيَّة، أعمال المؤتمر بكلمة ترحيبيَّة نقل فيها تحيات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، رئيس مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية إلى المشاركين، وتمنيات سموه لهم بالتوفيق والنجاح، وامتنانه لجهودهم في التصدِّي، من خلال البحث والمناقشة، للقضايا الأكثر أهمية في العالم الذي نعيش فيه الآن، ولاسيما أن هذا المؤتمر يتناول قضايا حيوية مثل موقع نفط مجلس التعاون لدول الخليج العربية في سوق الطاقة العالمي، والابتكار في مجال النفط والطاقة، وأسواق الطاقة العالمية، والتطورات الجيوسياسية، ويربط هذه القضايا كلها بمستقبل الطاقة في العالم، وتأثير ذلك في نفط مجلس التعاون لدول الخليج العربية. وقال إن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية دأب منذ إنشائه، على أن يدرس القضايا الاستراتيجية التي تتعلَّق بتطورات المنطقة والعالم، ويحلِّلها على أسس علمية منهجية؛ ليصل إلى حقيقة هذه القضايا والمشكلات، موفِّراً ما يصل إليه من نتائج للباحثين والمتخصِّصين من جهة، ولصانعي القرار من جهة أخرى؛ ليكوّنوا من خلالها صورة واقعية علمية يفيدون منها في تناولهم القضايا، أو معالجتهم المشكلات في المجالات المختلفة، التي تصادفهم في الحاضر، أو تلك التي يستشرفون ما يمكن أن تؤول إليه مستقبلاً. التنمية الشاملة وأشار إلى أن منطقة الخليج العربي تشهد أحداثاً سياسية واقتصادية لها أبلغ الأثر في اقتصادات دولها، التي تعتمد بشكل رئيسي على عوائد إنتاج النفط والغاز وتصديرهما. ومن منطلق حرص مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجيَّة على إيلاء أهمية قصوى لقضايا النفط وتطوُّراته، وذلك منذ إنشائه عام 1994، فقد أصبح المؤتمر السنوي الذي يعقده المركز حول الطاقة قبلة للباحثين، ومصدراً غنياً لمتخذي القرار لتقويم الأوضاع الراهنة في أسواق الطاقة، ورسم السياسات المستقبليَّة التي تكفل استمرار عملية التنمية الشاملة في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. وأكد ثقته أن أعمال هذا المؤتمر، الذي يشهد مشاركة نخبة من الباحثين والخبراء والمتخصِّصين والمهتمين بقضايا الطاقة، سوف تتخللها مناقشات مثمرة، ومكثفة خلال عرض أوراقه البحثية، التي عكف أصحابها على إعدادها منذ شهور، مراعين دراسة جميع التطورات والقضايا الخاصة بالمكانة التي بلغها نفط مجلس التعاون لدول الخليج العربية في سوق الطاقة العالمي، وما يشهده من عوامل تؤثر فيه بالإيجاب والسلب. كما أكد أنه على يقين بأن أعمال هذا المؤتمر سوف تشهد توصيات ومقترحات تسهم في رسم الصورة الواقعية لنفط مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وبالتالي ستساعد متخذي القرار على وضع السياسات المستقبليَّة المناسبة له. كلمة المزروعي وبعد ذلك جاءت الكلمة الرئيسية للمؤتمر للمهندس سهيل محمد المزروعي، وزير الطاقة، وقد ألقاها نيابة عنه الدكتور مطر حامد النيادي، وكيل وزارة الطاقة، واستهلَّها بتقديم الشكر إلى مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجيَّة، لاهتمامه بقضايا الطاقة وجميع القضايا ذات الأبعاد الاستراتيجية، وذات الأهمية الخاصة على المستوى العالمي، وشدَّد على أهمية الطاقة ودورها في اقتصادات الدول، مشيراً إلى وعي دولة الإمارات العربية المتحدة بأهمية الطاقة في بناء الدول ومستقبلها. وتناول المزروعي التوقعات طويلة الأمد لمنظمة أوبك بشأن ازدياد الطلب على الطاقة بنسبة تقارب ال 50 % عام 2040، وأكد أن الوقود الأحفوري والنفط سيظلان مصدراً رئيسياً للطاقة، مع تنامي الطلب على الطاقة المتجدِّدة، وذكر أن ما تشهده الأسعار حالياً من انخفاض إنما هو مؤقت، ولا يمكن أن يستمر طويلاً. وأكد أن دولة الإمارات تسعى إلى بناء علاقات متينة مع المستهلكين والمنتجين في سوق الطاقة العالمي؛ لاستقرار الأسواق العالمية. وأشار وزير الطاقة إلى أن تحرير أسعار الطاقة عزَّز تنافسية دولة الإمارات عالمياً، وهي خطوة تسهم في المحافظة على مواردها، وتقليص انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناجمة عن قطاع النقل. توازن السوق وقالت اليوسف إن هناك الكثير من العوامل التي تؤثر في الطلب على النفط في المدى الطويل، ومنها السياسات البيئية المتَّبعة التي قد تخفض الطلب على النفط، والتطور التقني، وتزايد استخدام المركبات الكهربائية، وتزايد كفاءة الطاقة، وتغير وتيرة النمو في استخدام المركبات بالأسواق الناشئة؛ وهو ما سينعكس على مزيج الطاقة العالمي. وأشارت اليوسف إلى أن معظم المؤسسات الدولية، مثل أوبك ووكالة الطاقة الدولية وإدارة معلومات الطاقة الأمريكية تتوقع عودة سوق النفط إلى التوازن خلال السنوات القليلة المقبلة، بحيث يعود السعر إلى مستوى 80 دولاراً للبرميل بحلول عام 2020. وبعدها قدَّم كامل عبد الله الحرمي، المحلل النفطي المستقل من دولة الكويت، ورقة بحثية بعنوان قدرات الإنتاج والتصدير.. إلى أين؟، أشار فيها إلى أنه بعد مرور سنة واحدة على اجتماع أوبك، الذي عُقِدَ في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي في فيينا، واتُّخِذ فيه قرار إلغاء نظام الحصص في إنتاج النفط، دخل العالم نهاية حقبة المنتج المرجّح، ويجد أعضاء أوبك أنفسهم حالياً في خضم منافسة شرسة، بعضهم مع بعض، للحفاظ على حصصهم في السوق، أو الأفضل من ذلك، زيادتها. سلسلة تحديات قال الحرمي إن أوبك تواجه سلسلة من التحديات غير المسبوقة، التي سوف يتعين التغلب عليها إذا أرادت أن تنجح في التكيُّف مع هذه البيئة الجديدة، وتشمل هذه التحديات إنشاء نظام حصص جديدة، ووضع خطة لاستيعاب الزيادات المستقبليَّة في إنتاج كلٍّ من إيران والعراق، وترسيخ سعر نفط بشكل مستهدَف ومتوازن بحيث يقبل من جميع الأعضاء. وأضاف أن استقرار أسعار النفط يحتاج إما إلى معجزة، وإما إلى تدخل دبلوماسي. ثم تحدث روبن ميلز، رئيس قسم الاستشارات في شركة المنار للطاقة في دولة الإمارات، مستعرِضاً ورقته البحثية، التي جاءت تحت عنوان السياسات النفطية لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وقال إن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية تواجه 5 تحديات متقاطعة في تحديد سياسة نفطيَّة متوسطة وطويلة الأمد وتنفيذها. وأوضح أن التحدي الأول يتمثل في ارتفاع إنتاج النفط والغاز الصخري الأمريكي. أما التحدي الثاني، فهو رد فعل دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية على هذا الأمر، المتمثل في زيادة الإنتاج، ومن ثم انخفاض أسعار النفط. ويتمثل التحدي الثالث في المنافسة داخل أوبك على الحصة السوقية، ولاسيَّما من العراق، وعودة إيران إلى السوق. ويتمثل التحدي الرابع في الزيادة من قبل المستهلكين الآسيويين التي ستؤدي إلى تغيير منطقة الطلب على النفط وصادرات الخليج إلى الشرق. ويتمثل التحدي الخامس والأخير في أن قطاع النفط يتطلَّب من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية أن تولي اهتماماً كبيراً لاستخراج النفط المحسَّن والمعزَّز، وللمصادر غير التقليدية. وأضاف أنه لا بدَّ من دراسة متأنية لتحديد قابلية استمرار هذه الخطط الموضوعة لزيادة الطاقة الإنتاجية. إنتاج ليبيا وبالنسبة إلى ليبيا، فقد انخفض إنتاجها بنسبة 91% منذ عام 2011، ليصل إلى ما يقدر ب300 ألف برميل يومياً في الوقت الحالي. وبامتلاكها 48 مليار برميل من احتياطي النفط المؤكَّد، يمكن لليبيا العودة إلى سوق النفط العالمية بصفتها لاعباً رئيسياً، لكن قد لا يحدث ذلك قبل سنوات. وبعد ذلك بدأ الدكتور أويستاين نورينج، الأستاذ الفخري في كلية بي آي النرويجية للإدارة بمملكة النرويج، استعراض ورقته البحثية التي حملت عنوان تأثير السياسات النفطية للولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية روسيا الاتحادية في نفط دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وذكر أن التغير الذي يشهده الاقتصاد العالمي الآن يتسبب في إعادة هيكلة تدفقات التجارة والاستثمار نحو آسيا، وهو ما نجد له تأثيراً ملحوظاً في سوق النفط العالمية، ليس أقله ما يخص نفط دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ليتمخَّض ذلك عن نظام نفطي جديد، حيث حلَّت الصين محل الولايات المتحدة الأمريكية بصفتها أكبر مستورد للنفط. وتتنافس روسيا مع المملكة العربية السعودية على مرتبة أكبر منتج للنفط ومصدِّر له في العالم. وبشكل متزايد نجد أن المعاملات بين الصين والشرق الأوسط وروسيا هي التي تحدِّد ملامح تجارة النفط الدولية، إذ تملك الصين المال والقوة الاقتصادية، وتتطلَّع إلى تطوير تجارة ثنائيَّة استناداً إلى اليوان الصيني، ما قد يؤدي إلى ما يمكن تسميته البترو-يوان. وأشار نورينج إلى أن المتاجرة واسعة النطاق في النفط باليوان الصيني من شأنها أن تُضعف الدولار الأمريكي، ومن ثم قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على استعراض قوتها حول العالم. وبالنسبة إلى روسيا فإن إنتاجها النفطي يبدو قوياً نوعاً ما، رغم العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، وهذه العقوبات هي التي دفعت روسيا في واقع الأمر إلى النهوض بمستوى تعاونها مع الصين. تطورات أسعار النفط مع بدء الجلسة الأولى للمؤتمر، التي رأسها المهندس أحمد الكعبي، مدير إدارة الاقتصادات البترولية في وزارة الطاقة، وحملت عنوان نفط مجلس التعاون لدول الخليج العربية في أسواق الطاقة العالمية: الواقع والمستقبل، قدمت الدكتورة نورة عبد الرحمن اليوسف، نائب رئيس قسم الاقتصاد في جامعة الملك سعود بالمملكة العربية السعودية، ورقة بحثية بعنوان توجُّهات الطلب العالمي على نفط دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية عقَّبت خلالها على تطورات أسعار النفط العالمية، وانخفاضها عن 60% منذ يونيو/ حزيران 2014. وقالت إن هذا الانخفاض نجم عن تزايد عرض النفط، الذي جاء بشكل أساسي من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، إضافة إلى ضعف نمو الطلب، ولاسيَّما من جانب الصين التي كانت خلال السنوات الماضية هي المصدر الأساسي للنمو في الطلب. عودة القوىالنفطية التقليدية الجلسة الثانية جاءت بعنوان نفط مجلس التعاون لدول الخليج العربية في ظل المتغيِّرات الاقتصادية العالمية، وترأسها الدكتور أحمد المطروشي، مدير إدارة غربي آسيا في وزارة الخارجية، وجاء الدكتور ممدوح سلامة، مستشار النفط والغاز في البنك الدولي، متحدثاً أول في هذه الجلسة، وقدَّم ورقة بحثية تحمل عنوان عودة القوى النفطية التقليدية (العراق، إيران، ليبيا) إلى السوق العالمية، وأشار سلامة إلى أنه في وجه الاضطرابات الحالية بسوق النفط العالمية، تُثار تساؤلات حول تأثير عودة القوى النفطية التقليدية، مثل إيران والعراق وليبيا. وذكر أن رفع العقوبات عن إيران سيكون تأثيره ضعيفاً في أسعار النفط، أو في سوق النفط العالمية، إذ لم يكن الانخفاض في صادرات النفط الإيرانية على مدى السنوات الماضية سببه العقوبات فقط، ولكنه نتيجة لتقادم حقول النفط، التي تضرَّرت على مدى عقود، ولم تستطِع إيران إعادة تأهيلها، أو تعويضها بحقول جديدة. ووفقاً لوكالة الطاقة الدولية؛ فإن إيران تحتاج إلى نحو ثلاث إلى خمس سنوات، وتلزمها استثمارات بأكثر من 200 مليار دولار، لوقف تدهور صناعة النفط المتعثرة لديها. ونظراً إلى ظروف السوق الحالية، فمن المرجَّح أن يكون الاستثمار الدولي المتاح محدوداً للمساعدة على زيادة إنتاج النفط الإيراني. وما تستطيعه إيران فقط هو إضافة ما لا يزيد على 300 ألف إلى 500 ألف برميل يومياً إلى معدلات الإنتاج الحالية، وقد لا تُترجَم هذه الزيادة إلى زيادة في الصادرات، بسبب زيادة الاستهلاك المحلي. أما العراق، الذي يتجاوز مستوى إنتاجه حالياً ال 4.18 مليون برميل يومياً، ويبلغ حجم صادراته أكثر من 3.3 مليون برميل يومياً، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية، يعد قادراً، مع الاستقرار السياسي وتوافر الاستثمارات، على إنتاج يتراوح بين سبعة وثمانية ملايين برميل يومياً في نهاية السنوات الخمس المقبلة، نظراً إلى احتياطيه الضخم غير المستغل؛ وسيكون له أكبر تأثير في سوق النفط العالمية. دور حاسم تحدث أنطوان هالف في نهاية الجلسة، وهو زميل أول ومدير برنامج أبحاث أسواق النفط العالمية في مركز سياسة الطاقة العالمية التابع لجامعة كولومبيا الأمريكية، متناولاً ورقته البحثية التي حملت عنوان آليات عمل أسواق النفط العالمية ودور نفط مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وقال إن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية تلعب دوراً محوريّاً في أسواق النفط العالمية، وهو دور معروف على نطاق واسع، لكنه يُساء فهمه على نطاق واسع أيضاً، فقد ظل نفط دول المجلس يمثل العرض الموازِن على مدى أغلب نصف القرن الأخير، إذ تحتفظ هذه الدول بمعظم القدرة الإنتاجية الفائضة، أما المنتجون الآخرون، فقد ارتضوا ترك مهمة موازنة السوق لها. وعلى ما يبدو، فإن طفرة النفط والغاز الصخري الأمريكي عقَّدت هذا المشهد، مع انهيار أسعار النفط تحت وطأة المعروض المتزايد من النفط الصخري، إضافة إلى سياسة التصدير، وكذلك استراتيجية الاستثمار، لكن تظل دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ذات الدور الحاسم لأهميتها في أسواق النفط العالمية.
مشاركة :