بسام الحجلي وربا مروان يزهران الروح معا

  • 2/19/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يمثّل الفنانان التشكيليان بسام الحجلي وربا مروان ثنائيا فنيا مختلفا لكنه متناغم، إذ تعكس لوحات كل واحد منهما الانسجام الفني وكذلك الحب المشتعل بينهما، مما يجعل معارضهما المشتركة تكسر السائد وتقدم الإضافة إلى المتلقي وإلى مسيرتهما الفنية. تجربة المعارض المشتركة ليست جديدة، بل كانت وما زالت دارجة إلى حدّ كبير، إلى حدّ لم تعد تجدي كثيرا، دارجة وإن كانت لا تثمر بالشكل المرجو منها، لكن أن تكون هذه التجربة لفنانين حبيبين وعاشقين وأقصد هنا بسام الحجلي (1974 – ريف دمشق)، وربا مروان (1981 – ريف دمشق) فالأمر مختلف، فكما أنهما شكلا منذ البدء لوحة مشتركة من ذاتيهما حين مزجا روحيهما في عمل واحد وجميل، كانا أنموذجا لخلق لوحة أبهرت وأسعدت كل من يحيط بهما، وكل من تأمل في تلك اللوحة، وكان الحلم والحب والحياة حاضرة في حركيّة الصعود والارتقاء نحو السموات وهي تطهر الوجود من البلاء والتفسخ، ملخصة مدركات إلهامهما برموز شخصية تتراءى من خلالها لحظة تشكلهما بين مجموعة أعمال هي التي سيشار إليها لبدء حياة جديدة بزمن جديد. ورسم الحركة الصاعدة هنا وبهما هي حركة صعود من التراب إلى السماء، من المرئي إلى المتخيل، ومن الواقع إلى اللاواقع، وهي استدعاءات التضاد بين الميت والحي، بين الساكن والمتحرك، بين ما كان وما سيكون، فبسام وربا استطاعا أن يمتلكا تاريخا لمدى يمكن الإمعان فيه مطولا، فالزمن يبدأ توّا من تشكيل لوحتهما الخاصة، وهي خطوة من صميم الوجود بحركة نحو الأرقى، ونحو الضوء حتى تخرج الألوان أبهى وأنقى وهي تنتقل من الأسفل نحو الأعلى، راسمة لوحة ستتمثل في حضرة الحياة وهي تبدو وكأن الأساطير كرستها وألحت على تشكلها وفق طريقتهما الجميلة الخاصة لتشرع في الرحاب ذاتها وكأنها سفر تكوين بمعيار جديد، يتبنى لغة التمركز العاطفي ذاتها، طارحا إستراتيجية الارتداد نحو الأعلى بأبعادها المختلفة. ☚ بسام الحجلي يشتغل على الورد وكأنه يصرّ على تحريض المكان ليستنهض العطر ويلفت الانتباه إليه هنا سيتشكل الكلام الذي لا يقال، والذي سيعصف بغبار اللوحة تاركا شعريتها تختال وتحتفي بما يجبرها على الاندفاع وكأنها أمارة على ما تنتج من علامات الاختلاف والتجديد، من علامات التقارب والتجريب حتى تضعنا في حضرة ما يتطلبه من لمح وإشارة وإيماء، فتضمن عدم الإبانة وعدم الوضوح ليقيها من الانشغال بما يبرز مميزاتها، وبما يقيها من التلاشي. لوحة بسام وربا، اللوحة الأجمل في هذا المعرض وهي اللوحة الوحيدة التي لا تحتاج منا تفسيرا أو قراءة، فهي تستحوذ على الحقيقة بدلالاتها كلها، وتستدعي جذور الحياة بماهيتها وبأن الحب ليس مخاطرة بل اختزال للجمال والحياة والحضور في حالتها النقية، وبأن قيمة اللحظات لا تكمن في المتاح فحسب بل في حركة استئناف للإنسان في جل انعطافاتها، فقد أبرزا معا إلى الجانب الشكلي للوحتهما تعبيرا واعيا بالوظيفة الدلالية لها إلى حدّ توسيع الإمكانيات في ترجمة رسالتهما بلغة جعلت تؤدي وظيفتها في غياب الذات المتكلمة، كاشفة بوضوح أهمية العلاقات العذبة المنبثقة منها ككنوز لا تصدأ وكأرواح لا تذبل في مجتمع مهما مزقته التناقضات. والحالات الحياتية وما تفرعت عنها من مسائل ومصائر بشرية تبقى صور العشاق والمحبين هي الملحمة التي تضمن في ذاتها ما يمكن أن نسميه إنسانية تجري بهدوء غير ملحوظ، وما هو غريب عنها من مظاهر ملموسة كانت أو محسوسة والتي تحمل سمات عصرها ليست إلا تأثيرات لسلبيات مجتمع موبوء باليباس وإن كانت مادته الإنسان. “عندما تزهر الروح” هو العنوان الذي اختاره بسام وربا معا لمعرضهما المشترك الذي أقيم قبل فترة ليست ببعيدة في صالة المعارض بالمركز الثقافي العربي أبورمانة، والعنوان مأخوذ من قول للشاعر المتصوّف والدرويش المتنقل شمس التبريزي (1185-1248) المعلم الروحي لجلال الدين الرومي (1207-1273)، فهو القائل “عندما تزهر الروح.. لا يهمها تعاقب الفصول”، فاختيار هذا العنوان ليس اعتباطيا ولا مصادفة ولم يأت من عبث، بل فيه تتبدى وتتكشف السمات الشخصية لكل منهما، إن كانت من خلال النظام الواسع المتكامل المتفق مع خصائص عالمهما الداخلي، حيث يمكن القول إن التطور الذاتي لدواخلهما سيمضي في بوتقة واحدة وفي حزمة واحدة، وفي حالة واحدة ستتجلى في ما بعد في الحياة، أو كانت من خلال الجمهرة الكبيرة لدوافعهما إن كانت في صورة تأملات، أو في وصف وسرد معلومات وأوصاف ستشكل مجمل التصوير الفني لعلاقتهما معا وبالمجتمع أيضا. كان اختيار العنوان موفقا إلى أبعد ما يكون، فثمة اعتراف بعظمة إيحاءاته التي تلهمهما ونحن معهما بعمق النضج الذي يعكس سقوط الأوهام وبناء وقائع مرتبطة بالشطر الثاني غير المدون للعنوان، فالروح حين تزهر تبقى مزهرة على مدار العام وفي كل الفصول، مهما كان جميلا أو مكفهرا، لا تأثير فيه، لا عواصف الشتاء ولا تساقط أوراق الشجر في الخريف ولا جفاف الصيف، فالربيع مستديم فيها، وهذه إشارة عذبة بأن الحب بين عاشقين يتجاوز كل ذلك ولا يأبه إلا للمنتوج الجميل والثمار الطيبة، فهو ليس ظاهرة حياتية بل الحياة بعينها. إن بسام وربا بهذا التكامل أعادا للذات أصالتها وقوتها وغناها وعمقها، واكتسبا بذلك مغزى عاما شاملا، بل باتا بخصائص إنسانية عامة فيها تتجلى السمات الثابتة لشخصيتيهما. واحد وأربعون عملا فنيا كانت تزين صالة العرض أولها العمل المتنقل أو اللوحة المتنقلة التي كانت تجول الصالة وتبث عطرها في الموجودات والمكان كله، وأقصد هنا بسام وربا، فهما يسردان معا تفاصيل الصور لحظة تشابكها، كلوحة حب ترسل عبقها في الجهات كلها، تنخرط في الحركة حتى تحقق شعريتها، تطرح قيما جمالية تسهم في تلوين الفضاء والوجدان والمتخيل، وتلمس الدروب المؤدية إلى السعادة، وتلتقي برحابة كل من يبحث عنها. ألوان الحجلي تضيف جمالا للورود ألوان الحجلي تضيف جمالا للورود والأربعون عملا الأخرى التي تطهر الأدران جميعها تتوزع على الشكل التالي: سبعة عشر منها لبسام، وثلاثة وعشرون لربا، وكل منهما كان أمينا في نقل تفاصيل التجربة، والانشغال بها منذ لحظات تشكلها الأولى إلى حين إحيائها وإحياء ما تجلى في تلويناتها من تصورات مأخوذة بالوصال مع الحرص على عدم الإفلات من دائرته، فاللهفة على التعبير برؤية رومانسية كانت تأتي من اللحظات كلها، وفق نسق بموجبه كانا غير مطموسي الملامح، بل كانا يبدوان كصوتين ضائعين التقيا هنا، أو كأنهما رجع صدى لأصوات أخرى كانت تجاذبهما حتى يأتيا معا ليحتوي أحدهما الآخر ضمن الشروع في التحول إلى العمل الأجمل في الصالة. وليكتمل العمل عذوبة يشتغل بسام على الورد وكأنه يصر على تحريض المكان ليستنهض العطر ويحفزه ويلفت الانتباه إليه كي يكون جزءا فاعلا ومؤثرا في المكان ومنعشا للعمل الأول، فما يعيشه بين جوانحه لا بد أن يلمسه هنا. وينشغل بسام بورده إلى حدّ الهوس مأخوذا به إلى حدّ الافتتان، يكرس مقولته في فتح مجرى متميز أمام بلاغة لونية تتحول بين فرشاته وأصابعه إلى استلهام تشاركي لا أشجان فيه ولا قسوة. فهو فطن ومأهول بالرغبة في تهريب اللوحة وجعلها في منجاة من فظاعة التاريخ، وهو حريص على تهريبها إلى حدّ الجزم بأن بتلات وروده ما هي إلا أجنحة تداعياته ليستدرج لوحته إلى الوقوع في الحياة، وهو هنا ملتزم بالحالة أكثر من كشفها، وخارطة طريقه ترسم برشقات عطرها، فلا سبيل أمامه إلا جمعها جميعا في حزمة أشبه بالتي أهداها إلى جميلته، ويعلقها في يسارها لا بين أصابعها. وسبعة عشر عملا كافية أن ينوب عن قلبه ليعلن عن ولادته التي سيعجز حينها الطوفان بكل مائه أن يتلفها. أما ربا صنو الحياة فهي تصعد الوقت كأشد العناصر إحياء للكائنات، وما الوجوه التي بعثرتها على دروب مخاطرتها العذبة إلا عطفا عن عملية الاقتران وهي تنفتح على بعدها الرمزي، معوّلة على مكوناتها الخاصة لتضطلع بأشد أدوارها أهمية إن كانت تأتي في شكل إيماءة غير عابرة، أو استدعاء حشد من المرايا تمضي في الاتجاهات جميعها، محيلة إياها إلى حشد من الملفوظات التي تحمل من الدلالات الغزيرة ما لا تنتهي. هي قراءة لتجربة مشتركة أردنا من خلالها أن نبرز التشاركية في العمل المنتج والحياة، ودور هذه التشاركية في التجريب والكشف، وانعكاسها على شخصيتهما الخاصة وما بينهما من حب وعشق ولون، قد نعود إلى الوقوف عند تجربة كل منهما على حِدَة في القادمات من الأيام.

مشاركة :