بسام الحجلي وربا مروان 'يزهران الروح' معا

  • 2/15/2022
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

تجربة المعارض المشتركة ليست جديدة، بل كانت ومازالت دارجة إلى حد كبير، إلى حد لم تعد تجدي كثيراً، دارجة وإن كانت لا تثمر بالشكل المرجو منها، لكن أن تكون هذه التجربة لفنانين حبيبين وعاشقين وأقصد هنا بسام الحجلي (1974 - ريف دمشق)، وربا مروان (1981 - ريف دمشق) فالأمر مختلف، فكما أنهما شكلا منذ البدء لوحة مشتركة من ذاتيهما حين مزجا روحيهما في عمل واحد وجميل، كان أنموذجاً لخلق لوحة أبهرت وأسعدت كل من يحيط بهما، وكل من تأمل في تلك اللوحة، فكان الحلم والحب والحياة حاضرة في حركيّة الصعود والإرتقاء بها نحوالسموات وهي تطهر الوجود من البلى والتفسخ، ملخصة مدركات إلهامهما برموز شخصية تتراءى من خلالها تجمع لحظة تشكلهما بين مجموعة أعمال هي التي سيشار إليها لبدء حياة جديدة بزمن جديد، فرسم الحركة الصاعدة هنا وبهما هي حركة صعود من التراب إلى السماء، من المرئي إلى المتخيل، من الواقع إلى اللاواقع، وهي إستدعاءات التضاد بين الميت والحي، بين الساكن والمتحرك، بين ما كان وما سيكون، فبسام وربا إستطاعا أن يمتلكا تاريخاً لمدى يمكن الإمعان فيه مطولاً، فالزمن يبدأ توّاً من تشكيل لوحتهما الخاصة، وهي خطوة من صميم الوجود بحركة نحوالأرقى، نحو الضوء حتى تخرج الألوان بأبهى وأنقى وهي تنتقل من الأسفل نحوالأعلى، راسمة لوحة ستتمثل في حضرة الحياة وهي تبدووكأن الأساطير كرستها وألحت على تشكلها وفق طريقتهم الجميلة الخاصة لتشرع في الرحاب ذاتها وكأنها سفر تكوين بمعيار جديد، يتبنى لغة التمركز العاطفي ذاتها، طارحاً إستراتيجية الإرتداد نحو الأعلى بأبعادها المختلفة، وهنا سيتشكل الكلام الذي لا يقال، الكلام الذي سيعصف بغبار اللوحة، تاركاً شعريتها تختال وتحتفي بما يجبرها على الإندفاع وكأنها أمارة على ما تنتج من علامات الإختلاف والتجديد، من علامات التقارب والتجريب حتى تضعنا في حضرة ما يتطلبه من لمح وإشارة وإيماء، فتضمن عدم الإبانة وعدم الوضوح ليقيها من الإنشغال بما يبرز مميزاتها، وبما يقيها من التلاشي. لوحة بسام وربا، اللوحة الأجمل في هذا المعرض، واللوحة الوحيدة التي لا تحتاج منا تفسيراً، أو قراءة، فهي تستحوذ على الحقيقة بدلالاتها كلها، وتستدعي جذور الحياة بماهيتها، وبأن الحب ليست مخاطرة بل إختزال للجمال والحياة والحضور في حالتها النقية، وبأن قيمة اللحظات لا تكمن في المتاح فحسب بل في حركة إستئناف للإنسان في جل منعطفاته، فقد أبرزا معاً إلى الجانب الشكلي للوحتهما تعبيراً واعياً بالوظيفة الدلالية لها إلى حد توسيع الإمكانيات في ترجمة رسالتهما بلغة جعلت تؤدي وظيفتها في غياب الذات المتكلمة، كاشفة بوضوح أهمية العلاقات العذبة المنبثقة منها ككنوز لا تصدأ، وكأرواح لا تذبل في مجتمع مهما مزقته التناقضات، فالحالات الحياتية، وما تفرعت عنها من مسائل ومصائر بشرية تبقى صور العشاق والمحبين هي الملحمة التي تضمن في ذاتها ما يمكن أن نسميه انسانية تجري بهدوء غير ملحوظ، وما هوغريب عنها من مظاهر ملموسة كانت أومحسوسة والتي تحمل سمات عصرها ليست إلا تأثيرات لسلبيات مجتمع موبوء باليباس وإن كانت مادته الإنسان. "عندما تزهر الروح" هوالعنوان الذي إختاراه بسام وربا معاً لمعرضهما المشترك الذي أقيم قبل فترة ليست ببعيدة في صالة المعارض بالمركز الثقافي في أبي رمانة، والعنوان مأخوذ من قول للشاعر المتصوف والدرويش المتنقل شمس التبريزي (1185-1248 ) المعلم الروحي لجلال الدين الرومي (1207-1273 )، فهوالقائل "عندما تزهر الروح.. لا يهمها تعاقب الفصول"، فإختيار هذا العنوان ليس إعتباطاً، ولا مصادفة، ولم يأت من عبث، بل فيه تتبدى وتتكشف السمات الشخصية لكل منهما، إن كانت من خلال النظام الواسع المتكامل المتفق مع خصائص عالمهما الداخلي، حيث يمكن القول أن التطور الذاتي لدواخلهما سيمضي في بوتقة واحدة، في حزمة واحدة، في حالة واحدة ستتجلى فيما بعد في الحياة، أوكانت من خلال الجمهرة الكبيرة لدوافعهما إن كانت في صورة تأملات، أو في وصف وسرد معلومات وأوصاف ستشكل مجمل التصوير الفني لعلاقتهما معاً وبالمجتمع أيضاً، فحقاً إختيار العنوان كان موفقاً إلى أبعد ما يكون، فثمة إعتراف بعظمة إيحاءاتها التي تلهمهما ونحن معهما بعمق النضج الذي يعكس سقوط الأوهام وبناء وقائع مرتبطة بالشطر الثاني غير المدون للعنوان، فالروح حين تزهر تبقى مزهراً على مدار العام وفي كل الفصول، مهما كان جميلاً أومكفهراً، لا تأثير فيه، لا عواصف الشتاء ولا تساقط الإخضرار في الخريف ولا جفاف الصيف، فالربيع مستديم فيها، وهذه إشارة عذبة بأن الحب بين عاشقين يتجاوز كل ذلك، ولا يأبه إلا للمنتوج الجميل، والثمار الطيبة، والعسل الصافي، فهو ليس ظاهرة حياتية بل الحياة بعينها، فبسام وربا وبهذا التكامل أعادا للذات أصالتها وقوتها وغناها وعمقها، فهما اكتسبا بذلك مغزى عاماً شاملاً، بل باتا بخصائص إنسانية عامة فيها تتجلى السمات الثابتة لشخصيتيهما. واحد وأربعون عملاً فنياً، كانت تزين صالة العرض، الأول العمل المتنقل أواللوحة المتنقلة التي كانت تجول الصالة وتبث عطرها في الموجودات والمكان كله، وأقصد هنا بسام وربا، معاً يسردان تفاصيل الصور لحظة تشابكها، كلوحة حب ترسل عبقها في الجهات كلها، تنخرط في الحركة حتى تحقق شعريتها، تطرح قيم جمالية تسهم في تلوين الفضاء والوجدان والمتخيل، تلمس الدروب المؤدية إلى السعادة، وتلتقي برحابة كل من يبحث عنها، ووالأربعين عمل الأخرى التي تطهر الأدران جميعها تتوزع على الشكل التالي: سبعة عشر منها لبسام، وثلاثة وعشرون لربا، وكل منهما كان أميناً في نقل تفاصيل التجربة، والإنشغال بها منذ لحظات تشكلها الأولى إلى إحيائها وإحياء ما تتجلى في تلاوينها من تصورات مأخوذة بالوصال مع الحرص على عدم الإفلات من دائرته، فاللهفة على التعبير برؤية رومانسية كانت تأتي من اللحظات كلها، وفق نسق بموجبه كانا غير مطموسي الملامح، بل كانا يبدو ان كصوتين ضائعين إلتقيا هنا، أو كأنهما رجع صدى لأصوات أخرى كانت تتجاذبهما حتى يأتيا معاً ليحتوي أحدهما الآخر ضمن الشروع في التحول إلى العمل الأجمل في الصالة، في هذا المعرض، فبسام وليكتمل العمل عذوبة يشتغل على الورد وكأنه يصر على تحريض المكان ليستنهض العطر ويحفزه ويلفت الإنتباه إليه كي يكون جزءاً فاعلاً ومؤثراً في المكان، ومنعشاً للعمل الأول، فما يعيشه بين جوانحه لا بد أن يتلمسها هنا، ينشغل بورده إلى حد الهوس، مأخوذاً بها إلى حد الإفتتان، يكرس مقولته في فتح مجرى متميز أمام بلاغة لونية التي تتحول بين فرشاته وأصابعه إلى إستيهامات تشاركية لا أشجان فيها ولا قسوة، فهوفطن ومأهول بالرغبة في تهريب اللوحة وجعلها في منجاة من فظاعة التاريخ، حريص إلى تهريبها إلى حد الجزم بأن بتلات وروده ما هي إلا أجنحة تداعياته ليستدرج لوحته إلى الوقوع في الحياة، فهو هنا ملتزم بالحالة أكثر من كشفها، وخارطة طريقه ترسم برشقات عطرها، فلا سبيل أمامه إلا جمعها جميعاً في حزمة أشبه بالتي أهداها لجميلته، ويعلقها في يسارها لا بين أصابعها، فسبعة عشر عملاً كافية أن تنوب عن قلبه ليعلن عن ولادته التي سيعجز حينها الطوفان بكل مائه أن يتلفها، أما ربا صنوالحياة فهي تصعد الوقت كأشد العناصر إحياء للكائنات، وما الوجوه التي بعثرتها على دروب مخاطرتها العذبة إلاً عطفاً عن عملية الإقتران وهي تنفتح على بعدها الرمزي، معوّلاً على مكوناتها الخاصة لتضطلع بأشد أدوارها أهمية، إن كانت تأتي في شكل إيماءة غير عابرة، أوإستدعاء حشد من المرايا تمضي في الإتجاهات جميعها، محيلة إياها إلى حشد من الملفوظات التي تحمل من الدلالات الغزيرة ما لا تنتهي. هي قراءة لتجربة مشتركة أردنا من خلالها أن نبرز التشاركية في العمل المنتج والحياة، ودور هذه التشاركية في التجريب والكشف، وإنعكاسها على شخصيتهما الخاصة وما بينهما من حب وعشق ولون، قد نعود إلى الوقوف عند تجربة كل منهما على حِدَة في القادمات من الأيام.

مشاركة :