ساحات معرض «إكسبو 2020 دبي» غنية بالإرث الإنساني والثقافي، وتزخر أبواب أجنحته بالمعرفة ونوادر مصادر العلوم، كما هو حال جناح اليمن الذي يحمل شعار «المعرفة اللامتناهية»، ويقدم نماذج متعددة من مصادر وعيون المعرفة والحكمة المستمدة من عبق الثقافة والحضارة اليمنية العريقة. ومن هذه النماذج النادرة يحتضن جناح اليمن بين جنباته المخطوط الذي يصفه كثيرون بأنه كتاب فريد من نوعه، أو حتى إعجازي، وعنوانه: «الإعلان بنعم الله الواهب المنان في الفقه والعروض والنحو والتصريف والمنطق وتجويد القرآن»، وهذا الكتاب يُعرف أيضاً اختصاراً باسم «كتاب الوصابي الإعجازي»، للعلاّمَة صفي الدين أحمد بن عبدالله السلمي الوصابي، الشهير بـ«السّانة»، والمتوفى عام 1710 ميلادية، وهذا الأثر التراثي النادر مخطوطة يمنية أصلية مكتوبة بخط اليد. طريقة فريدة يقول صابر الرقيمي، مدير جناح اليمن في «إكسبو 2020 دبي»: إن كتاب الوصابي من أهم المقتنيات المعرفية النادرة المعروضة في الجناح، وقد كتب قبل 380 سنة، وإن «الإعجاز» هو أقل ما يمكن أن يقال عن هذا الكتاب؛ لأن الناسخ استخدم طريقة فريدة في موازنة الكلمات -أو ما يمكن أن نسميه بلغة اليوم خوارزميات- جعلتنا قادرين على قراءتها من مختلف الاتجاهات. وليس هذا فقط، بل يمكن أن نقرأ في الكتاب حقولاً معرفية عدة، وعلوماً متقاطعة، بحيث تشتمل الصفحات على ستة أو سبعة علوم بشكل منظم وواضح، وأن هذا الإعجاز في طريقة موازنة الكلمات بالرسم والترتيب «الخوارزميات» قد وجد قبل ما نسميه اليوم خوارزميات الكمبيوتر، وحتى قبل ظهور جهاز الكمبيوتر نفسه. كتاب عابر للتخصصات والحال أن كتاب الوصابي الذي يعرض للعموم للمرة الأولى في جناح اليمن بـ«إكسبو 2020 دبي»، يعتبر «معجزة معرفية»، كونه من أندر الكتب في العالم وأكثرها إثارة للدهشة، لأنه مؤلَّف موسوعي عابر للتخصصات، حيث جمع، بين دفتيه، وكما يظهر حتى من عنوانه التراثي الجامع المانع، علوماً مختلفة في حقول معرفية متعددة هي: عروض الشعر والنحو والبلاغة والمنطق والتجويد، بالإضافة إلى الفقه والتفسير، ويستطيع المُطالع قراءة الكتاب من مختلف الاتجاهات بحيث يمكن قراءة «كل صفحة من اليمين إلى اليسار، ومن اليسار إلى اليمين، ومن أعلى إلى أسفل، ومن أسفل إلى أعلى، وكل قراءة تنقل عِلماً مختلفاً من المعرفة، إذ كان يتم كل ذلك بحساب ذهني»، وفي كل مرة يكون للمتن معنى، وهذا هو الجانب الأكثر إثارة للدهشة والتشويق في الكتاب، الذي نجح مؤلِّفه في التوظيف غير العادي لفضاء الكتابة، عمودياً وأفقياً، بحيث تصير الصفحة الواحدة وكأنها، عملياً، من حيث المضمون عدة صفحات، وفي مجالات معرفية مختلفة. تراث مُبهر ويشير صابر الرقيمي إلى أن اليمن يشارك في المعرض مركّزاً على الجانب المعرفي، والثقافي التراثي خاصة، لأن لدى اليمن الكثير مما يستحق الإظهار، ويستطيع الإبهار في مثل هذه المعارض الدولية الكبرى. فالإرث اليمني في مجال الثقافة والتراث كثير جداً وممتد إلى أيام الحضارة القديمة «مملكة سبأ»، التي تركت الكثير من الشواهد التاريخية والآثار والمنجزات المبهرة في مجال العمارة مثلاً كالمباني متعددة الطوابق، أو ما اصطلح البعض على وصفه بأنه أول «ناطحات سحاب في العالم». الحكمة اليمانية ويدعو الرقيمي الجميع لزيارة جناح اليمن للاطلاع على ما فيه من مصادر جذب وإبهار وإنجاز معرفي يكاد يلامس حدود الإعجاز. ويؤكد الجناح من خلال عرض ذخائر ونوادر نفيسة ككتاب الوصابي الإعجازي أن لدى اليمن من التراث المعرفي ومصادر الحكمة اليمانية الكثير مما يستطيع تقديمه للعالم، وهو ما يسعى الجناح عملياً لتقديمه على أفضل وجه في معرض «إكسبو 2020 دبي».
مشاركة :