هل نغض الطرف عن الأخطاء حتى لا نظلم؟

  • 2/20/2022
  • 01:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

خلال‭ ‬حفل‭ ‬أقيم‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬معينة،‭ ‬حضره‭ ‬حشد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الناس،‭ ‬شاهد‭ ‬أحد‭ ‬الحضور‭ ‬معلمه‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يدرّسه‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الابتدائية‭ ‬قبل‭ ‬نحو‭ ‬35‭ ‬سنة،‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭.‬ ذهب‭ ‬الطالب‭ ‬بلهفة‭ ‬واشتياق‭ ‬إلى‭ ‬المعلم،‭ ‬فصافحه‭ ‬وقبل‭ ‬يديه،‭ ‬والمعلم‭ ‬مستغرب‭ ‬من‭ ‬تصرف‭ ‬هذا‭ ‬الإنسان،‭ ‬وعندما‭ ‬سأل‭ ‬المعلم‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬التصرف،‭ ‬قال‭ ‬الطالب‭ ‬بشيء‭ ‬من‭ ‬الخجل‭ ‬والخزي‭: ‬هل‭ ‬تتذكرني‭ ‬يا‭ ‬أستاذي؟ فقال‭ ‬المعلم‭ ‬العجوز‭: ‬لا‭ ‬يا‭ ‬بني،‭ ‬من‭ ‬أنت؟ فقال‭ ‬الطالب‭ ‬بصوت‭ ‬خافت‭: ‬كيف‭ ‬لا؟‭ ‬فأنا‭ ‬يا‭ ‬أستاذي‭ ‬ذلك‭ ‬التلميذ‭ ‬الذي‭ ‬سرق‭ ‬ساعة‭ ‬زميله‭ ‬في‭ ‬الصف،‭ ‬ألا‭ ‬تذكر؟ قال‭ ‬المعلم‭: ‬لم‭ ‬أعد‭ ‬أذكر‭ ‬شيئا‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الأحداث،‭ ‬يا‭ ‬بني‭.‬ استغرب‭ ‬الطالب،‭ ‬فراح‭ ‬يحاول‭ ‬أن‭ ‬يعيد‭ ‬ذاكرة‭ ‬المعلم،‭ ‬فقال‭: ‬الا‭ ‬تذكر‭ ‬أنه‭ ‬عندما‭ ‬اختفت‭ ‬ساعة‭ ‬زميلانا‭ ‬في‭ ‬الصف،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬بدأ‭ ‬الطفل‭ ‬صاحب‭ ‬الساعة‭ ‬يبكي‭ ‬طلبتَ‭ ‬منا‭ ‬أن‭ ‬نقف‭ ‬جميعًا‭ ‬ليتم‭ ‬تفتيش‭ ‬جيوبنا‭. ‬أيقنتُ‭ ‬حينها‭ ‬–‭ ‬يا‭ ‬أستاذي‭ ‬–‭ ‬أن‭ ‬أمري‭ ‬سينفضح‭ ‬أمام‭ ‬التلاميذ‭ ‬والمعلمين‭ ‬وسأبقى‭ ‬موضع‭ ‬سخرية‭ ‬وستتحطم‭ ‬شخصيتي‭ ‬إلى‭ ‬الأبد،‭ ‬ولكنك‭ ‬أمرتنا‭ ‬أن‭ ‬نقف‭ ‬صفًا‭ ‬واحدًا‭ ‬وأن‭ ‬نوجه‭ ‬وجوهنا‭ ‬للحائط‭ ‬وأن‭ ‬نغمض‭ ‬أعيننا‭ ‬تمامًا‭. ‬فأخذت‭ ‬تفتش‭ ‬جيوبنا،‭ ‬وعندما‭ ‬جاء‭ ‬دوري‭ ‬في‭ ‬التفتيش‭ ‬وسحبت‭ ‬الساعة‭ ‬من‭ ‬جيبي‭ ‬واصلت‭ ‬التفتيش‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬طالب‭. ‬وبعد‭ ‬ان‭ ‬انتهيت‭ ‬منا‭ ‬جميعًا‭ ‬طلبت‭ ‬منا‭ ‬الرجوع‭ ‬إلى‭ ‬مقاعدنا‭ ‬وأنا‭ ‬كنتُ‭ ‬مرتعبًا‭ ‬من‭ ‬أنك‭ ‬ستفضحني‭ ‬أمام‭ ‬الجميع‭. ‬ولكنك‭ ‬بكل‭ ‬هدوء‭ ‬أظهرت‭ ‬الساعة‭ ‬وأعطيتها‭ ‬للتلميذ،‭ ‬وعندما‭ ‬سألك‭ ‬الطالب‭ ‬صاحب‭ ‬الساعة‭ ‬عن‭ ‬السارق،‭ ‬لم‭ ‬تَذْكر‭ ‬اسم‭ ‬الذي‭ ‬أخرجتها‭ ‬من‭ ‬جيبه،‭ ‬وسكت‭ ‬وابتسمت‭.‬ سكت‭ ‬الطالب،‭ ‬وأخذ‭ ‬نفسًا،‭ ‬ثم‭ ‬واصل‭: ‬وطوال‭ ‬سنوات‭ ‬الدراسة‭ ‬الابتدائية‭ ‬لم‭ ‬تحدثني‭ ‬أو‭ ‬تعاتبني‭ ‬ولم‭ ‬تُحدث‭ ‬أحدًا‭ ‬عني‭ ‬وعن‭ ‬سرقتي‭ ‬للساعة،‭ ‬ولذلك‭ ‬يا‭ ‬معلمي‭ ‬قررت‭ ‬منذ‭ ‬ذك‭ ‬الحين‭ ‬ألا‭ ‬أسرق‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬صغيرًا،‭ ‬فكيف‭ ‬لا‭ ‬تذكرني‭ ‬يا‭ ‬أستاذي‭ ‬وأنا‭ ‬تلميذك‭ ‬وقصتي‭ ‬مؤلمة‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تنساها‭ ‬أو‭ ‬تنساني؟ ابتسم‭ ‬المعلم‭ ‬العجوز،‭ ‬وطبطب‭ ‬على‭ ‬ظهر‭ ‬تلميذه‭ ‬وقال‭: ‬بالطبع‭ ‬أتذكر‭ ‬تلك‭ ‬الواقعة‭ ‬يا‭ ‬بني،‭ ‬صحيح‭ ‬أنني‭ ‬تعمدت‭ ‬وقتها‭ ‬أن‭ ‬أفتشكم‭ ‬وأنتم‭ ‬مغمضي‭ ‬العيون‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬ينفضح‭ ‬أمر‭ ‬السارق‭ ‬أمام‭ ‬زملائه،‭ ‬لكن‭ ‬–‭ ‬يا‭ ‬بني‭ ‬–‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬تعلمونه‭ ‬هو‭ ‬أنني‭ ‬أنا‭ ‬أيضًا‭ ‬فتشتكم‭ ‬وأنا‭ ‬مغمض‭ ‬العينين،‭ ‬ليكتمل‭ ‬الستر‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬أخذ‭ ‬الساعة‭ ‬ولا‭ ‬يترسب‭ ‬في‭ ‬قلبي‭ ‬شيء‭ ‬ضده‭.‬ هذه‭ ‬القصة‭ ‬على‭ ‬بساطتها،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬عميقة‭ ‬الفكر،‭ ‬فهذا‭ ‬السلوك‭ ‬وهذا‭ ‬الخطأ‭ ‬الذي‭ ‬حدث‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نواجه‭ ‬كلنا‭ ‬سواء‭ ‬مع‭ ‬أطفالنا‭ ‬أو‭ ‬موظفينا‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬البشر،‭ ‬فنحن‭ ‬نتعامل‭ ‬مع‭ ‬البشر،‭ ‬والأساس‭ ‬في‭ ‬البشر‭ ‬أنهم‭ ‬يخطئون،‭ ‬وعلى‭ ‬هذا‭ ‬الأساس‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نتعامل‭ ‬معهم،‭ ‬فكيف‭ ‬عندما‭ ‬يكونون‭ ‬صغارا‭ ‬وأطفالا؟‭ ‬ليس‭ ‬ذلك‭ ‬فحسب‭ ‬وإنما‭ ‬من‭ ‬حق‭ ‬الإنسان‭ ‬أن‭ ‬يخطئ،‭ ‬ولكن‭ ‬العبرة‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الخطأ‭ ‬ومن‭ ‬يقوّم‭ ‬هذا‭ ‬الخطأ‭ ‬وكيف؟‭ ‬وربما‭ ‬هنا‭ ‬تأتي‭ ‬المشكلة‭.‬ يجد‭ ‬علماء‭ ‬التربية‭ ‬وكذلك‭ ‬علماء‭ ‬الإدارة‭ ‬أن‭ ‬الإنسان‭ ‬الذي‭ ‬يتصدى‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬المواقف‭ ‬في‭ ‬معالجة‭ ‬أخطاء‭ ‬البشر‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يتحلى‭ ‬بسعة‭ ‬صبر‭ ‬كبيرة‭ ‬جدًا،‭ ‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نعامل‭ ‬البشر‭ ‬كوحدة‭ ‬واحدة،‭ ‬فما‭ ‬ينفع‭ ‬مع‭ (‬عبدالله‭) ‬ربما‭ ‬لا‭ ‬ينفع‭ ‬مع‭ (‬عبدالرحمن‭)‬،‭ ‬وهكذا‭ ‬فهناك‭ ‬فروق‭ ‬فردية‭ ‬وظروف‭ ‬حياتية‭ ‬وبيئية‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تؤخذ‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬عندما‭ ‬نتصدى‭ ‬لمعالجة‭ ‬المشاكل‭ ‬والأخطاء‭.‬ فنأخذ‭ ‬هذا‭ ‬المثال؛‭ ‬طفل‭ ‬يكذب‭ ‬باستمرار،‭ ‬فهل‭ ‬سألنا‭ ‬أنفسنا‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬جعله‭ ‬يسلك‭ ‬هذا‭ ‬السلوك؟ ربما‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬ضرب‭ ‬شقيقه‭ ‬أو‭ ‬شقيقته،‭ ‬أو‭ ‬فعل‭ ‬أمرا‭ ‬مستهجنا،‭ ‬وعندما‭ ‬سألناه‭ ‬هل‭ ‬فعل‭ ‬ذلك،‭ ‬قال‭ ‬بصدق‭: ‬نعم‭ ‬فعلته،‭ ‬فكان‭ ‬رد‭ ‬فعلنا‭ ‬أنه‭ ‬قمنا‭ ‬بضربه‭ ‬لأنه‭ ‬فعل‭ ‬ذلك‭ ‬الخطأ،‭ ‬ولكن‭ ‬الطفل‭ ‬يعتقد‭ ‬أن‭ ‬ضُرب‭ ‬لأنه‭ ‬قال‭ ‬الصدق،‭ ‬وربما‭ ‬عندما‭ ‬قام‭ ‬بنفس‭ ‬الفعل‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬وعندما‭ ‬تم‭ ‬سؤاله‭ ‬كذب‭ ‬عندها‭ ‬لم‭ ‬نعنفه‭ ‬لأننا‭ ‬وجدنا‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬هو‭ ‬المذنب،‭ ‬لذلك‭ ‬سيجد‭ ‬أن‭ ‬الملجأ‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يختبئ‭ ‬خلفه‭ ‬دائمًا‭ ‬هو‭ ‬الكذب‭ ‬لأنه‭ ‬سينجيه‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬العقوبات،‭ ‬هذا‭ ‬السلوك‭ ‬والعديد‭ ‬من‭ ‬السلوكيات‭ ‬التي‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭ ‬الطفل‭ ‬عادة‭ ‬يكون‭ ‬وراءه‭ ‬سبب‭ ‬ما‭. ‬لذلك‭ ‬على‭ ‬الوالدين‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬التمسك‭ ‬بمثل‭ ‬هذه‭ ‬السلوكيات‭ ‬التي‭ ‬نعتقدها‭ ‬أنها‭ ‬سيئة‭.‬ ولكن‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬دعوتنا‭ ‬أن‭ ‬نغض‭ ‬الطرف‭ ‬عن‭ ‬الأخطاء‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أبدًا‭ ‬أن‭ ‬نترك‭ ‬الأخطاء‭ ‬تتنامى‭ ‬ونعجز‭ ‬بعدها‭ ‬عن‭ ‬التصدي‭ ‬لها،‭ ‬وإنما‭ ‬كلما‭ ‬كان‭ ‬التصدي‭ ‬للأخطاء‭ ‬في‭ ‬أوقات‭ ‬مبكرة‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬أفضل‭.‬ فتربية‭ ‬الأطفال‭ ‬عملية‭ ‬مستمرة‭ ‬ومتكررة،‭ ‬وليس‭ ‬وليدة‭ ‬لحظة‭ ‬أو‭ ‬لحظات،‭ ‬فهي‭ ‬عملية‭ ‬مجهدة‭ ‬للآباء‭ ‬والأمهات،‭ ‬ولكن‭ ‬إن‭ ‬سارت‭ ‬بطريقة‭ ‬علمية‭ ‬سليمة‭ ‬فإن‭ ‬النواتج‭ ‬التي‭ ‬ستظهر‭ ‬مستقبلاً‭ ‬ستكون‭ ‬رائعة‭.‬ ولكن‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬فإنه‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬معلومًا،‭ ‬أننا‭ ‬لا‭ ‬ندعو‭ ‬إلى‭ ‬غض‭ ‬الطرف‭ ‬بصورة‭ ‬اعتباطية،‭ ‬وإنما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يعرف‭ ‬المربي‭ ‬متى‭ ‬يغض‭ ‬الطرف،‭ ‬ومتى‭ ‬يحاور،‭ ‬ومتى‭ ‬يعاقب،‭ ‬وهكذا‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تختلط‭ ‬الأمور‭.‬ وأما‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الأعمال،‭ ‬فإن‭ ‬الموضوع‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬غض‭ ‬الطرف‭ ‬بصورة‭ ‬كبيرة،‭ ‬فكلنا‭ ‬نقع‭ ‬في‭ ‬الخطأ،‭ ‬سواء‭ ‬الموظف‭ ‬أو‭ ‬المدير‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬الذين‭ ‬في‭ ‬المناصب‭ ‬العليا،‭ ‬ولكن‭ ‬العبرة‭ ‬في‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالخطأ،‭ ‬وكذلك‭ ‬معرفة‭ ‬نوعية‭ ‬الخطأ‭ ‬الذي‭ ‬وقع‭ ‬فيه‭ ‬الموظف‭ ‬–‭ ‬أيًا‭ ‬كان‭ ‬منصبه‭ ‬–‭ ‬فهناك‭ ‬موظف‭ ‬يختلس،‭ ‬وهناك‭ ‬موظف‭ ‬يقل‭ ‬أدبه،‭ ‬وهناك‭ ‬موظف‭ ‬يتحرش‭ ‬بزميلات‭ ‬العمل،‭ ‬وموظف‭ ‬لا‭ ‬يعمل،‭ ‬وموظف‭ ‬يتأخر‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬بصورة‭ ‬دائمة،‭ ‬وموظف‭ ‬يحب‭ ‬المال‭ ‬بصورة‭ ‬جنونية،‭ ‬وموظف‭ ‬قليل‭ ‬أدب‭ ‬مع‭ ‬زملائه،‭ ‬وموظف‭ ‬متسلق‭ ‬ومتملق،‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬النوعية‭ ‬من‭ ‬الموظفين‭ ‬والموظفات‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬العمل،‭ ‬فهل‭ ‬نعامل‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬النوعية‭ ‬من‭ ‬الأخطاء‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أنها‭ ‬نوعية‭ ‬واحدة؟ وهناك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المسؤولين‭ ‬يتعاملون‭ ‬بأسلوب‭ ‬فرق‭ ‬تسد،‭ ‬لذلك‭ ‬يحبون‭ ‬أن‭ ‬تقع‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المشاكل،‭ ‬لأنها‭ ‬تخلق‭ ‬نوعًا‭ ‬ما‭ ‬جوًا‭ ‬مشحونًا‭ ‬في‭ ‬أماكن‭ ‬العمل،‭ ‬فيصبح‭ ‬هو‭ ‬البطل‭ ‬المغوار‭ ‬الذي‭ ‬يمكنه‭ ‬أن‭ ‬يتصدى‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬المشاكل‭.‬ وقد‭ ‬يقول‭ ‬قائل‭: ‬نحن‭ ‬في‭ ‬العمل،‭ ‬ولسنا‭ ‬في‭ ‬روضة‭ ‬أطفال‭ ‬حتى‭ ‬نتغاضى‭ ‬عن‭ ‬الأخطاء،‭ ‬فالمخطئ‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يعاقب‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬نوعية‭ ‬الخطأ‭. ‬وهذا‭ ‬يحدث‭ ‬وكثيرًا‭ ‬ما‭ ‬نسمعه‭ ‬من‭ ‬المسؤولين،‭ ‬ولكنه‭ ‬ينسى‭ ‬أن‭ ‬يتناسى‭ ‬أن‭ ‬ابنه‭ ‬أو‭ ‬ابنته‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬آخر‭ ‬تخطئ‭ ‬أيضًا‭ ‬فإن‭ ‬عوقبت‭ ‬ابنته‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬نوعية‭ ‬من‭ ‬الأخطاء‭ ‬فإنه‭ ‬يغضب‭ ‬وربما‭ ‬يذهب‭ ‬للمسؤول‭ ‬الذي‭ ‬عاقب‭ ‬ابنته‭ ‬حتى‭ ‬يهدده‭ ‬وما‭ ‬شابه،‭ ‬فهل‭ ‬أبناء‭ ‬الآخرين‭ ‬أقل‭ ‬درجة‭ ‬من‭ ‬أبنائك؟‭ ‬ ربما‭ ‬هنا‭ ‬تقع‭ ‬مشكلتنا‭ ‬دائمًا،‭ ‬فنحن‭ ‬لا‭ ‬نقيس‭ ‬الأمور‭ ‬بمعيار‭ ‬واحد،‭ ‬وإنما‭ ‬نقيسها‭ ‬بعدة‭ ‬معايير،‭ ‬فأبناؤنا‭ ‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬يُمسوا‭ ‬أيًا‭ ‬كانت‭ ‬أخطاؤهم،‭ ‬وأبناء‭ ‬الآخرين‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يعاقبوا‭ ‬أشد‭ ‬العقاب‭ ‬إن‭ ‬أخطأوا‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬أخطاؤهم‭ ‬تافهة‭ ‬لا‭ ‬تأثير‭ ‬لها‭ ‬على‭ ‬العمل‭.‬ في‭ ‬دورة‭ ‬تدريبية‭ ‬في‭ ‬السماء‭ ‬الافتراضي‭ ‬مع‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المسؤولين‭ ‬أقمناها‭ ‬قبل‭ ‬أسبوعين،‭ ‬دار‭ ‬حديثنا‭ ‬حول‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الموظفين‭ ‬بأنواعهم‭ ‬المختلفة،‭ ‬وعندما‭ ‬ناقشنا‭ ‬ردود‭ ‬أفعال‭ ‬المسؤولين‭ ‬حول‭ ‬بعض‭ ‬الأخطاء‭ ‬والمشاكل‭ ‬التي‭ ‬يحدثها‭ ‬الموظفون‭ ‬كانت‭ ‬ردودهم‭ ‬تتراوح‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬قاسية‭ ‬وشبه‭ ‬قاسية،‭ ‬فكان‭ ‬الخطأ‭ ‬–‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬أحدهم‭ ‬–‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتحمله‭ ‬الموظف،‭ ‬وبعد‭ ‬حين‭ ‬سألتهم‭: ‬ماذا‭ ‬سيكون‭ ‬شعوركم‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬أبناؤك‭ ‬في‭ ‬مؤسسة‭ ‬أخرى‭ ‬ووقعوا‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الأخطاء،‭ ‬وتم‭ ‬معاقبتهم‭ ‬بنفس‭ ‬العقاب‭ ‬الذي‭ ‬خولتك‭ ‬نفسك‭ ‬بمعاقبة‭ ‬الموظف‭ ‬الذي‭ ‬لديك‭ ‬فما‭ ‬يكون‭ ‬شعورك؟‭ ‬ في‭ ‬الحقيقة‭ ‬هنا‭ ‬تغيرت‭ ‬المواقف،‭ ‬فسكت‭ ‬الجميع‭ ‬ولم‭ ‬أسمع‭ ‬أي‭ ‬رد‭ ‬واضح،‭ ‬وعندما‭ ‬طلبت‭ ‬منهم‭ ‬واحدًا‭ ‬واحدا‭ ‬الإجابة‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬السؤال،‭ ‬وجدت‭ ‬أن‭ ‬الإجابات‭ ‬كانت‭ ‬كلها‭ ‬مخبئة‭ ‬تحت‭ ‬غطاء‭ ‬العفو‭ ‬والصفح‭.‬ ومرة‭ ‬أخرى‭ ‬أقول‭ ‬إن‭ ‬كلامي‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أبدًا‭ ‬أن‭ ‬نغض‭ ‬الطرف‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬الأخطاء،‭ ‬وإنما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نتعامل‭ ‬مع‭ ‬الموظفين‭ ‬بطريقة‭ ‬أخرى،‭ ‬فالموظف‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يتعمد‭ ‬الخطأ‭ ‬يختلف‭ ‬عن‭ ‬الموظف‭ ‬الذي‭ ‬يخطئ‭ ‬ليغيظ‭ ‬المسؤول‭ ‬وأخطاؤه‭ ‬متكررة،‭ ‬والموظف‭ ‬الذي‭ ‬يخطئ‭ ‬خطأً‭ ‬بسيطًا‭ ‬ليس‭ ‬له‭ ‬تأثير‭ ‬على‭ ‬سير‭ ‬العمل‭ ‬يختلف‭ ‬عن‭ ‬موظف‭ ‬شتم‭ ‬عميلا‭ ‬أو‭ ‬مراجعا‭ ‬وأهانه‭ ‬ومسح‭ ‬به‭ ‬البلاط‭ ‬كما‭ ‬يقال،‭ ‬والموظف‭ ‬الذي‭ ‬سكب‭ ‬الشاي‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬لأنه‭ ‬تعثر‭ ‬يختلف‭ ‬عن‭ ‬الموظف‭ ‬الذي‭ ‬أخذ‭ ‬الحاسوب‭ ‬وضرب‭ ‬به‭ ‬الأرض‭ ‬لأنه‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬غضب‭.‬ كل‭ ‬هذه‭ ‬الأمور‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تؤخذ‭ ‬في‭ ‬الاعتبار،‭ ‬سواء‭ ‬نوعية‭ ‬الموظف‭ ‬أو‭ ‬نوعية‭ ‬الخطأ،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬قياس‭ ‬مهارات‭ ‬الموظف‭ ‬ومعارفه‭ ‬والمفاهيم‭ ‬التي‭ ‬يمتلكها،‭ ‬فالموظف‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬أن‭ ‬يشتغل‭ ‬على‭ ‬الحاسوب‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬الخطأ‭ ‬منه‭ ‬إن‭ ‬تلف‭ ‬الحاسوب،‭ ‬وذلك‭ ‬بسبب‭ ‬أن‭ ‬المؤسسة‭ ‬نفسها‭ ‬لم‭ ‬تُدخله‭ ‬في‭ ‬دورات‭ ‬تدريبية‭ ‬لتعمل‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬الحاسوب‭.‬ ذلك‭ ‬المعلم‭ ‬الذي‭ ‬أغمض‭ ‬عينيه‭ ‬هو‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬أيا‭ ‬من‭ ‬التلاميذ‭ ‬الذي‭ ‬سرق‭ ‬الساعة،‭ ‬يعطينا‭ ‬درسًا‭ ‬مهمًا‭ ‬في‭ ‬غض‭ ‬الطرف،‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬يفتح‭ ‬عينيه‭ ‬ليعرف‭ ‬من‭ ‬هو‭ ‬الطالب‭ ‬السارق،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬التربية‭ ‬تحتم‭ ‬علينا‭ ‬عادة‭ ‬أن‭ ‬نغمض‭ ‬أعيننا‭ ‬عن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأخطاء‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬نظلم‭ ‬من‭ ‬نحب،‭ ‬وكذلك‭ ‬من‭ ‬ربما‭ ‬نعيش‭ ‬معه‭ ‬في‭ ‬سويعات‭ ‬الدوام‭ ‬القليلة‭.‬   Zkhunji@hotmail‭.‬com

مشاركة :