تركز الحكومة المصرية على النجاحات التي حققتها في مجال بناء منظومة جيدة لشبكات الحماية الاجتماعية وتحرص على إصدار تقارير منتظمة تعرض من خلالها جهودها في التعامل مع فئات شعبية لا تستطيع توفير احتياجاتها اللازمة. وتبرز خطواتها في قطاعات صحية وتعليمية بعيداً عن الدعم العيني المباشر للمحتاجين وترسل إشارات إيجابية لتأكيد اتساع دائرة اهتمامها بحل مشكلات الفقر وتبرهن أن حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية تتصدر أولوياتها على حقوقه السياسية. ويعد الاهتمام بجدار الأمان الاجتماعي مدخلاً مهمًا لتفسير وجهة النظر المصرية بشأن مفهوم حقوق الإنسان بمعناه الشامل، حيث يراهن النظام الحاكم على تحسين جودة الحياة لأكثر من 60 مليون مواطن ويقنع الداخل والخارج بأن إجراءات الحماية الاجتماعية تحقق تطلعات المواطنين لتخفيف الضغوط التي تمارسها العديد من الجهات التي تدفع نحو القيام بإصلاحات سياسية وتحسين مستوى الحريات. ويشدد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في أحاديثه المتفرقة على ضرورة التناول الشامل للأوضاع في مصر ووضعها في الحسبان عند تناول قضية حقوق الإنسان، وأهمية الالتفات إلى ما تواجهه البلاد من تحديات ووضع قضايا مثل توفير فرص العمل والرعاية الصحية والتعليم المناسب كحقوق أصيلة من حقوق الإنسان وتمثل تحديات رئيسية للدولة المصرية. زيادات مطّردة فئات شعبية لا تستطيع توفير احتياجاتها فئات شعبية لا تستطيع توفير احتياجاتها حسب تقرير صدر عن المركز الإعلامي للحكومة المصرية بلغ عدد الأسر المستحقة لبرامج الحماية 9.3 مليون أسرة بإجمالي 31 مليون مواطن خلال العام الماضي، بينهم 15 مليون مواطن يستفيدون من دعم نقدي لبرامج الحماية الاجتماعية. وذكر التقرير أن برنامج “تكافل وكرامة” الذي بدأ كمنظومة للحماية الاجتماعية، ساهم في نمو حجم الدعم للأسر الأكثر احتياجًا بما يقرب من 120 في المئة على مدار ما يقرب من خمس سنوات. وتشير الحكومية إلى زيادة مطّردة في مخصصات الموازنة للدعم النقدي بمعدل خمسة أضعاف بين عامي 2014 و2021 ليصل إلى 20 مليار جنيه سنوياً (حوالي مليار و200 مليون دولار)، وبلغ عدد الأطفال المستفيدين من برنامج “تكافل وكرامة” 5.3 مليون طفل بنسبة 44 في المئة من إجمالي عدد الأسر. وتمت زيادة قيم المعاشات المنصرفة في مصر بنسبة 50 في المئة من عام 2018 وحتى العام 2021 إلى 10.5 مليون مستفيد، بتكلفة سنوية تبلغ نحو 31 مليار جنيه (2 مليار دولار تقريبًا). واستطاعت الحكومة المصرية أن تحمي طبقة من الفقراء لم يكن لديهم سوى الدعم العيني المقدم عبر دعم الخبز والسلع والخدمات، وتمكنت من الوصول إلى قطاعات انتظرت دعمها وتساعدها على مواجهة موجات الغلاء المتلاحقة، وقدمت حوافز منح عديدة للتعامل مع مشكلات التسرب من التعليم وغياب الغطاء الصحي للملايين من المواطنين بفعل المبادرات التي دشنتها طيلة السنوات الماضية. الحكومة لم تستطع أن تصل إلى كافة الفئات المستحقة للدعم، في حين أن خطواتها جرى تبديدها بفعل ارتفاع أسعار السلع لكن لم تستطع أن تصل إلى كافة الفئات المستحقة لهذا الدعم، في حين أن خطواتها التي أقدمت عليها جرى تبديدها بفعل ارتفاع أسعار السلع والخدمات ورفع الدعم التدريجي عن بعض السلع والخدمات المهمة لمن تعتبرهم فقراء، ويشكل هؤلاء حوالي 30 في المئة من إجمالي المواطنين البالغ عددهم نحو 110 مليون نسمة. وأدت الزيادات المستمرة في الأسعار إلى تذمر شريحة من المواطنين جراء عدم القدرة على تحمل فاتورة الإصلاح الاقتصادي ما أسهم في انحدار فئة من الطبقة المتوسطة لتدخل ضمن فقراء أضحوا في حاجة إلى شبكات أمان اجتماعية لم تصل لهم بعد. وأكدت أمينة النقاش القيادية بحزب التجمع اليساري، والتي تدعم سياسات الحكومة في مجال الحماية الاجتماعية، أن هذه المقررات تعالج أخطاء تراكمت على مدار أكثر من خمسة عقود عانت فيها البلاد من تدهور الخدمات العامة والتعليم والصحة. وأضافت لـ”العرب” أن الإجراءات الحالية علاج جزئي مهم لأنها تتطرق لمشكلات حقيقية، لكن بلا تنمية تقوم على مفهوم التنمية المستدامة، بحيث تعتمد على الإنتاج وبناء المشروعات العملاقة لاستيعاب قوى عاملة كثيفة وبشكل منتظم. وأوضحت أن التوجهات الحالية تسير دون تعليم وبحث علمي جيدين وتفتقر إلى المؤسسات الصحية الحكومية التي تملك الحد الأدنى من التطور والقدرة على استيعاب المرضى، وتظل مبادرات مثل “100 مليون صحة” و”الحملة القومية للقضاء على فيروس سي” من الخطوات الجيدة، غير أنها تحتاج إلى استكمالها بالتوسع في تطبيق منظومة التأمين الصحي ذات الكفاءة المرتفعة لوقف اللجوء إلى القطاع الطبي الخاص. التحول الطبقي مصر تراهن على تحسين جودة الحياة لأكثر من 60 مليون مواطن مصر تراهن على تحسين جودة الحياة لأكثر من 60 مليون مواطن يشير متابعون إلى أن السياسات العامة للدولة والمشروعات الاقتصادية التي تشهدها لا تضع في اعتبارها أن غالبية الشعب المصري من الطبقة المتوسطة الدنيا والعليا والفقراء، وتوجهات الحماية الاجتماعية لا تستطيع الوقوف أمام عمليات التحول الطبقي الحاصلة في المجتمع حاليا في ظل وجود طبقة من الأغنياء لديها قدرة على الاعتراض والتذمر وأخرى لا تملك سوى الشكوى من صعوبة أوضاعها. ويقول المتابعون إن إجراءات الحماية الاجتماعية في حاجة إلى جهود سياسية للحفاظ على ما تحققه من مكاسب للمواطنين، وإن قناعة الحكومة المصرية بإمكانية السير في تلك المسارات تواليًا وليس توازيا قد يبدد جانبا من الإيجابيات التي حققتها. ويضرب هؤلاء أمثلة على إقدام الحكومة بتوفير مسكن ملائم لسكان المناطق العشوائية في مناطق جديدة أشرفت على بنائها وقدمتها بلا مقابل مادي ضمن سياساتها للتعامل مع المناطق الخطرة، غير أن بعضهم عاد إلى مناطقه القديمة لأنها لم توفر لهم فرص عمل مناسبة في أماكن السكن الجديدة، وتجاهلت توعيتهم بالشكل الكافي وتعاملت مع المشكلة بحلها شكليًا بعيدا عن الغوص في تفاصيلها الثقافية والاجتماعية. الزيادات المستمرة في الأسعار تؤدي إلى تذمر شريحة من المواطنين جراء عدم القدرة على تحمل فاتورة الإصلاح الاقتصادي وذهبت أمينة النقاش، وهي أيضا رئيس تحرير صحيفة الأهالي الناطقة بلسان حزب التجمع، للتأكيد على أن تحقيق نتائج إيجابية على مستوى الأمان الاجتماعي لا يمكن أن يتحقق بالدعاية، حيث يتطلب فتح المجال العام وإتاحة الفرصة أمام وسائل الإعلام للقيام بأدوارها واستعادة ثقة الجمهور الذي لفظها نتيجة تقديم لون واحد، وعلى الحكومة التعلم من أخطاء نظام الرئيس الراحل جمال عبدالناصر الذي أقام مشروعات وطنية وتنموية لكن كل ذلك توقف بعد وفاته لأنه لم يقم بتأسيسها على قواعد سليمة. وثمة اعتقاد بين العديد من الدوائر السياسية بأن الفجوة بين الحكومة والمواطنين تجعل جهودها نحو تعزيز شبكات الحماية الاجتماعية المختلفة غير كافية ولا يجري التعامل معها بالمزيد من الإيجابية، لأن إقدامها على تخصيص ما يقرب من 1.7 في المئة من قيمة الموازنة العامة لشبكة الأمان الاجتماعي، منذ انتشار جائحة كورونا، يأتي بالتزامن مع توجهاتها نحو رفع الدعم العيني وتحويله إلى نقدي، وهو ما تجري ترجمته بشكل مباشر على أنه اتجاه نحو تقليص الدعم الموجه إلى الطبقات الفقيرة. وأكد رئيس الحزب الاشتراكي المصري أحمد بهاءالدين شعبان أن اعتماد الحكومة على الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني التي تملأ وسائل الإعلام بخطابات تطالب المواطنين بالتبرع لمساعدة الفقراء في الوقت الذي تتجه فيه لرفع الدعم تدريجياً عن رغيف الخبز يبرهن على أن خطواتها الجادة نحو بناء شبكات الأمان الاجتماعي لن تلقى تقديراً كبيرا من المواطنين الذين يعتقدون أن توجهات الحكومة وراءها قرارات أخرى قد لا تكون في صالحهم مستقبلاً. وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن المشكلة الأكبر تتمثل في الأجيال المقبلة التي ستكون أشد معارضة لسياسات الدولة بعد أن اتجهت الحكومة نحو وقف الدعم للمقبلين على الزواج والمواليد الجدد من دون أن تتبنى استراتيجية قومية تدعم تحول الاقتصاد إلى الإنتاج بدلاً من استيراد غالبية حاجات البلاد الأساسية، ولذلك فمعدلات الفقر والبطالة من المتوقع أن تتزايد لاحقا، ما يشكل خطراً على استقرار الدولة.
مشاركة :