القاهرة- تؤكد الجولة التي يقوم بها الدرديري محمد أحمد، وزير خارجية السودان لكل من القاهرة والرياض، أن الخرطوم تريد استعادة عافية علاقاتها مع كل من مصر والسعودية، وأن السُحب التي تراكمت مؤخرا في سبيلها إلى الاختفاء. ويبدى السودان رغبة ظاهرة في تجاوز خلافاته الخارجية، وعدم منح الفرصة لتكرار التوتر مع مصر، وهو ما أكدت عليه زيارة وزير خارجيته للقاهرة، الثلاثاء، وقيام نظيره المصري سامح شكري باستقباله في مطار القاهرة، كدليل على الحفاوة الزائدة. والتقى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الدرديري بمقر رئاسة الجمهورية، الثلاثاء، وناقشا عددا من القضايا ذات الاهتمام المشترك وسبل تعزيزها مستقبلا، قبل أن يعقد الأخير اجتماعا مغلقا مع شكري بمقر الخارجية المصرية. وأعرب السيسي عن ثقته في أن الفترة المقبلة سوف تشهد استمرارا للزخم والبناء على ما تحقق على مستوى علاقات الدولتين في كافة المجالات، مشددا على قناعة بلاده الراسخة بمحورية العلاقات المشتركة، والروابط الأخوية ووحدة المسار والمصير. زيارة الدرديري للقاهرة تدفع لجهود إعادة العلاقات بين البلدين إلى طبيعتها، لأن ضمن أولوياته بحث الوصول إلى نقاط اتفاق أمنية وسياسية بشأن تأمين الحدود وملف سد النهضة وعلمت “العرب” أن مبالغة القاهرة في الاهتمام بالدرديري، ترمي إلى فتح صفحة جديدة مع الخرطوم، واستثمار الزيارة الأولى للرجل للقاهرة، بما يوحي بوجود تغيرات حقيقية في الاقتراب من الملفات الشائكة. وتمضي العلاقات بين البلدين منذ عودة السفير السوداني إلى القاهرة، ثم زيارة الرئيس السوداني عمر البشير للقاهرة في مارس الماضي على وتيرة هادئة، بعد أن عُقدت سلسلة من الاجتماعات الوزارية في كل من القاهرة والخرطوم. ولم يتعمد أحد الطرفين تفجير أي مشكلة في وجه الآخر، كما كان يحدث من قبل. و قال البشير عند زيارته الأخيرة للقاهرة إن “السودان ليس حريصا على تدهور علاقته مرة أخرى مع مصر وهو مستعد للتعاون إلى أقصى الحدود”. وتتفاءل بعض الدوائر السياسية في البلدين بالتوجه السلمي الذي أعلنه الدرديري، عقب تعيينه وزيرا للخارجية، خلفا للدكتور إبراهيم الغندور. ويعتبر المنهج السياسي والدبلوماسي الناعم الذي يتبناه بداية يمكن البناء عليه من ناحية الرغبة في عدم التصعيد واستيعاب الخلافات التي تنشب بسبب أزمة مثلث حلايب الحدودي، أو جراء التباين بشأن معالجة سد النهضة الإثيوبي وانحياز الخرطوم إلى موقف أديس أبابا، أو غير ذلك من الملفات الطارئة. وتجاوبت القاهرة مؤخرا مع انزعاج الخرطوم من إشارة أحد الأعمال الدرامية (أبوعمر المصري)، الذي يعرض حاليا على بعض المحطات المصرية والعربية، إلى مشاهد توحي بأن الأراضي السودانية كانت مركزا لاستقبال وعبور متطرفين إسلاميين. زيارة الدرديري تدفع لفتح صفحة جديدة مع القاهرة وإعادة العلاقات بين البلدين إلى طبيعتها بالوصول إلى اتفاقات سياسية وأعلن المجلس الأعلى للإعلام (وزارة الإعلام) في مصر، قيامه بحذف المشاهد التي تشير إلى السودان صراحة في المسلسل، وتثمين العلاقات بين البلدين. وكشفت تصريحات الدرديري خلال جلسة برلمانية، الأسبوع الماضي، قال فيها إن الخرطوم ترغب في “تصفير” مشكلاتها الحدودية، عن رغبة في عدم الانجراف وراء تصعيد أزمات بلا أسباب واضحة أو الجري خلف مشاحنات إعلامية. ويصف مقربون من وزير الخارجية السوداني الجديد، أنه “رجل يتعامل مع القضايا بحكمة ورويّة، وهو مستمع جيد ومتحدث لَبِق”. ويخشى هؤلاء أن تقوده رغبته في تطبيق منهج “تصفير المشكلات الحدودية” إلى مصير أحمد داود أوغلو وزير خارجية تركيا، ثم رئيس حكومتها لاحقا، والذي ازدادت أزمات بلاده عقب تبنيه فكرة تصفير أزمات تركيا الخارجية، وقد أطيح به تماما من حزب “العدالة والتنمية” الحاكم. وقال عطية عيسوي، الخبير في الشؤون الأفريقية، إن زيارة الدرديري للقاهرة، “تدفع لجهود إعادة العلاقات بين البلدين إلى طبيعتها، لأن ضمن أولوياته بحث الوصول إلى نقاط اتفاق أمنية وسياسية بشأن تأمين الحدود وملف سد النهضة”. وأضاف لـ”العرب”، أن الزيارة جاءت استكمالا للمباحثات التي أجراها وزير الخارجية المصري مع إبراهيم آدم وزير الزراعة السوداني في أديس أبابا، مطلع الأسبوع الجاري، وكشفت عن محاولات جادة لإزالة الاحتقانات بين البلدين. وأكد عيسوي أن أزمة مثلث حلايب لن تكون محل نقاش في المدى المنظور، لأن الرؤى فيها متباعدة بشكل كبير، والأمر سوف يقتصر على محاولات تقريب الموقفين تجاه جملة من الملفات ذات الاهتمام المشترك، لأن الدخول في ملفات شائكة لن يكون مجديا. وناقش الدرديري مع شكري، ما آل إليه الاجتماع الأخير، الذي جمع وزراء الخارجية والري ورؤساء أجهزة المخابرات من مصر والسودان وإثيوبيا، لبحث المعايير الفنية لسد النهضة والوصول إلى آلية لتنفيذ التوصيات الفنية الدولية في بناء السد. ومن بين ما تم الاتفاق عليه إقامة صندوق تمويل ثلاثي للبنية الأساسية يصنع شكلا تعاونيا أفضل.
مشاركة :