لا يتعلق هذا السؤال بالشركاء في الحياة الزوجية وحدهم، إنه يشمل الأصدقاء والزملاء أيضا. فجمل مثل: نحن بمثابة عائلة، إنه يجعلني سعيدا، إنه يفهمني، يدعمني، إنه لطيف، إنه ذكي، الكيمياء الفيزيائية رائعة بيننا، نتشارك نفس القيم، ولدينا أهداف مماثلة في الحياة… لا يمكن أن تكون مستمرة في العلاقة بين الأفراد، فسرعان ما يجد أحدهم مقابل كل هذا الإطراء المتبادل جملة نحن لسنا مثاليين. ذلك عادة ما يعرّف العلاقة بين الأزواج بشكلها الأعم، لكنْ سؤال عن كسر رسوخ أنه الشخص المناسب سرعان ما يصل إلى الأصدقاء والزملاء في العمل والجيران. لنعُدْ إلى السؤال الأول بنبرة تساؤلية أكثر، عما إذا كان حقا هو الشخص المناسب، لأننا بدأنا نعد إجابات الرفض. فما كان توأم الروح ليس سوى ناكر للجميل ومحطم لقيم الأسرة والصداقة والزمالة والجوار. لحظتها تبدأ معضلة التغلب على المشاعر السابقة حيال الآخر الذي كان إلى وقت قريب بمثابة رفيق الحياة. ويبدأ سؤال لماذا يضايقني هذا الإنسان. على أي حال، لا توجد إجابة نهائية على سؤال المقال، لكن بمجرد العثور عليها يمكن أن نتعرف على وعينا الشخصي وقدرتنا على إلهام أنفسنا في معرفة الآخر بوقت مبكر، أو تأخرنا عما كان يفترض أن نلهم أنفسنا به. بعض الناس يسقطون في الأمور ببطء، ولكن بثبات ويكتشف عدد كبير منهم لاحقا أنهم كانوا مخطئين. حيال ذلك يضع علماء النفس أمامنا نصيحة تاريخية مرتبطة بالزمن بوصفه كفيلا بكشف معادن الناس. ويطالبوننا بأن نثق بالوقت الذي سيخبرنا بطريقة أو بأخرى إلى درجة نصبح فيها متأكدين من تعريف علاقاتنا مع من كانوا شركاء أو أصدقاء. وهذا لا يعني أن الزمن كفيل فقط بفقدان الاهتمام إلى أن يصل إلى القطيعة مع الآخر، وإنما هو أيضا يكفل الاستمرارية في طبيعة تلك العلاقات. قبل أن نصل وبمساعدة الزمن إلى التعرف النهائي على نوع علاقاتنا، يعيش أغلبنا مرحلة إرهاق ملبدة بالتساؤلات، ذلك ما وضحه لنا الكاتب جوناثان ماليسيك في كتابه المفيد “نهاية الإرهاق: كيف نبني حياة أفضل” وهو يتحدث عن الكيفية التي يتحدد فيها مستقبل ما يربطنا من أشخاص وأعمال. من بين التعريفات النفسية الناتجة عن طبيعة علاقاتنا، يجمع علماء النفس فيها متلازمة ثلاثية الأبعاد تبدأ بالإرهاق نفسه ثم السخرية والشعور بعدم الفاعلية. فالسخرية هنا تفسر علاقتنا مع أنفسنا عندما نعكسها على علاقتنا بالآخر، وهي ما يسميه الباحثون أيضا “تبدد الشخصية” وهو “تباعد عاطفي” بمعنى آخر، عندما ننظر إلى الشركاء والأصدقاء والزملاء على أنهم مشاكل أكثر من كونهم أفرادا. ولإنهاء هذا الشعور يستعير ماليسيك جملة مدرب فريق كرة قدم صارم رفع شعار “قم بعملك” فهو طريق الاطمئنان، لأننا في نهاية المطاف لا نحتاج إلى مُثل جديدة، فالإنسان منذ القدم وضع في داخله مساحة للشر رغم كل الدعوات الصالحة التي مرت على مسامعه.
مشاركة :