شهدت أوروبا خلال الأيام الماضية عقد مؤتمرين مهمين: الأول يتعلق بالعلاقات بين القارتين الأوروبية والأفريقية، والثاني حول مستقبل الأمن في العالم. الأول هو القمة الأوروبية الأفريقية التي انعقدت في بروكسل على مدى يومين بحضور رؤساء دول وممثلي القارتين، والثاني هو مؤتمر ميونيخ للأمن والذي حضره كبار مسؤولي الدول في العالم. وفي القمة الأوروبية الأفريقية غابت دول مثل مالي وبوركينا فاسو وغينيا والسودان، بسبب تعليق الاتحاد الأفريقي عضويتها إثر انقلابات عسكرية شهدتها، وفي مؤتمر ميونيخ للأمن غابت روسيا. خلال القمة الأوروبية الأفريقية، وضع الجانبان أسسَ «شراكة متجددة» مع مساعدة لإنتاج لقاحات ضد «كوفيد-19» في أفريقيا، وأطلقت الدول الأعضاء الـ27 في الاتحاد الأوروبي «استراتيجيتَها العالميةَ للاستثمارات» والتي لا تقل عن 150 مليار يورو على سبع سنوات «للمساعدة في المشاريع التي يريدها الأفارقة». ويعلم الخبراء أن استراتيجية الاستثمارات الأوروبية تهدف إلى التصدي للنفوذ الروسي والصيني في أفريقيا، لكن يقيني أن استراتيجيتي الصين وروسيا في المنطقة أكثر رسوخاً من أن تُزال ببعض أشكال الدعم المالي الأوروبية التي قد تصل هنا وهناك أو قد لا تصل، خلافاً للصين التي تعمل دون ضجيج في أنحاء أفريقيا، وهي لا تبني طرقاً فقط، ولكنها أيضاً تُكوِّن صداقات وتحالفات عسكرية، وتعتمد هناك على الاستثمار في بناء رأس المال الاجتماعي والبشري. وتشير دراسة أجرتها «وكالة ماكنزي الأميركية» إلى أن أكثر من 1000 شركة صينية تعمل حالياً في أفريقيا، لكن مصادر أخرى تتحدث عن 2500 شركة صينية عاملة في القارة. أما بالنسبة لمؤتمر ميونيخ للأمن، فالتخوف الكبير لدى الأوروبيين والأميركيين هو من نشوب حرب جديدة في أوروبا، أحد الأطراف الكبار فيها هو روسيا مدعومةً بقوة عسكرية عظمى هي الصين.. فلأول مرة انضمت بكين إلى موسكو في مطالبة حلف شمال الأطلسي (الناتو) بعدم قبول أي أعضاء جدد، في إشارة إلى أوكرانيا التي تدور حولها الأزمة الحالية بين موسكو والغرب. وذلك التخوف هو ما لخّصته رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بقولها إن روسيا شرَعت في «تقويض» الهيكل الأمني الأوروبي، وهي تقوم «بمحاولة صارخة لإعادة كتابة قواعد النظام العالمي». وقالت لاين خلال مؤتمر ميونيخ للأمن: «لا يمكننا السماح بحدوث ذلك». كما ندّدت بما قالت إنه تحالف روسي صيني يسعى لفرض «قانون الأقوى». وحاصل القول هو أن أوروبا بدأت تشعر بفقدان هيبتها التاريخية، كما بدأت تقلق على مصير وجودها الاستراتيجي في أفريقيا، خاصة بعد اضطرار القوات العسكرية الفرنسية (ثم الأوروبية) إلى الخروج من مالي، لاسيما وأنه لدى روسيا والصين في الوقت الحالي أهداف مشتركة، ليس فقط في أفريقيا وإنما أيضاً في العالم ككل، لإنهاء الهيمنة الأميركية على النظام العالمي، ولممارسة دورهما فيه كفاعلَين أساسيين يُحسَب لهما ألف حساب، وبناء نظام دولي جديد يقوم على أساس رؤيتهما الخاصة للعلاقات الدولية.
مشاركة :