القمة العربية الأوروبية التي تنهي أعمالها في شرم الشيخ اليوم لها ابعاد استراتيجية مهمة بالنسبة إلينا في الدول العربية يجب أن نعي بها. هذه الأبعاد الاستراتيجية تأتي على ضوء الأوضاع التي تشهدها منطقتنا العربية، وما يجري بها من تحولات وصراعات بين مختلف القوى العالمية والإقليمية. نقطة البدء هنا أن من يتابع أوضاع المنطقة حاليا وما يجري الترتيب له بالنسبة إلى مختلف القضايا والأزمات المتفجرة، يدرك أن المنطقة في طريقها إلى تحولات استراتيجية كبرى. هناك اليوم صراع بين القوى العالمية والإقليمية حول كيفية تسوية أزمات متفجرة مثل سوريا واليمن وليبيا وغيرها. هذا الصراع سوف يسفر حتما عن تغيير في موازين القوى في المنطقة. هناك ميزان جديد للقوى يتشكل في المنطقة. الصورة ليست واضحة بالنسبة إلى المحللين فيما يتعلق بما يمكن أن يسفر عنه هذا الصراع وطبيعة موازين القوى في المنطقة في الفترة القادمة. الأمر سيتوقف على أمور كثيرة منها مثلا الطريقة التي سيتم بها تسوية الأزمات الحالية ومن سيخرج فائزا ومن سيخرج خاسرا. وسيتوقف بالطبع على موقف الدول العربية وماذا ستفعل بالضبط دفاعا عن المصالح العربية. لكن أحد الملامح المهمة في الصراع الحالي التي بدأت تتضح، تراجع الاهتمام الاستراتيجي الأمريكي بالمنطقة. اتضح هذا مثلا مع قرار الرئيس ترامب بالانسحاب من سوريا وما ارتبط به من تصريحات أدلى بها بدا منها عدم اكتراث بما يمكن أن يتطور إليه الوضع. والرئيس الأمريكي صريح على أي حال في أن إدارته لا ترغب في الدخول في مواجهات أو صراعات مباشرة في المنطقة. بالطبع لا يعني هذا أن أمريكا يمكن أن تنسحب من المنطقة أو تهمل قضاياها، فهذا لا يمكن أن يحدث. ولكن لا شك أن هناك تراجعا في الحرص على الوجود المكثف في المنطقة أو دخول مواجهات مباشرة. هذا التوجه الأمريكي، بالإضافة إلى الأوضاع في المنطقة بشكل عام، أشعل الصراع بين القوى العالمية الكبرى في المنطقة. كل القوى العالمية تتصارع اليوم من أجل ضمان وجودها ونفوذها ومصالحها في المنطقة في مواجهة القوى الأخرى. بالطبع، يدور الصراع أساسا بين القوى العالمية الثلاث الكبرى، أي روسيا، والصين، والدول الأوروبية. بالإضافة إلى صراع القوى الإقليمية. هذا البعد الاستراتيجي المتعلق بصراع النفوذ بين القوى العالمية الكبرى في المنطقة، يعطي للقمة العربية الأوروبية أهميتها الاستراتيجية. نعني تحديدا أن كل القوى العالمية اليوم تسعى إلى محاولة ترسيخ علاقاتها مع الدول العربية وبناء تحالفات جديدة مع العرب وذلك لضمان مكانها ونفوذها في ظل هذا الصراع العالمي. نريد أن نقول إن الدول الأوروبية لديها مصلحة استراتيجية كبرى اليوم لتطوير وتوثيق علاقاتها مع الدول العربية كي تضمن لنفسها مكانا ونفوذا في ظل هذا الصراع. أحد المسؤولين في الاتحاد الأوروبي أعرب عن هذا بوضوح حين قال إن «القمة الأولى من نوعها بين الجامعة العربية والاتحاد الأوروبي تزداد أهميتها مع خروج الولايات المتحدة من منطقة الشرق الأوسط فيما تقوم روسيا والصين بتوغلات فيها «ليست بالضرورة في صالحنا». مسؤول أوروبي آخر قال: «لا نريد أن تملأ روسيا والصين هذا الفراغ (الذي ستتركه الولايات المتحدة)»، مشيرًا إلى أن الأوروبيين يرون في هذه القمة فرصة للمحافظة على مصالحهم الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية. الحكومة الألمانية من جانبها أعلنت أن «قوى دولية أخرى نشطة في المنطقة» مثل روسيا والصين على سبيل المثال، موضحة أنه «لذلك فمن المهم أن يكون الاتحاد الأوروبي موجودا هناك فهم جيراننا الجنوبيون». الذي نريد أن نصل إليه أن هذا الحرص الأوروبي على العلاقات مع العرب، وهذا الصراع بين القوى العالمية في المنطقة، يتيح فرصا كبرى أمام الدول العربية يمكن أن تستغلها لتعزيز المصالح العربية ولفرض الإرادة العربية في حسم قضايا المنطقة. لكن المهم بطبيعة الحال هو أن تعرف الدول العربية ماذا تريد بالضبط، وأن تتفق ولو على حدود معينة من المواقف المشتركة، وأن يكون لديها قبل هذا وذاك الإرادة لفرض مصالحنا.
مشاركة :