مصر تنوّع الحلفاء طالما لا يمكن الاعتماد على الحليف الأميركي

  • 2/22/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

لا يريد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أن يظل مرتهنا للمساعدات الأميركية ولمزاج الرئيس جو بايدن الذي يلوّح في كل مرة بورقة حقوق الإنسان في وجه المصريين، ولأجل هذا بحث عن تنويع الحلفاء الخارجيين لبلاده بالأسلوب الذي يتلاءم مع قدراتها ومع مصالحهم، سواء بالاتجاه إلى الخليجيين أو إلى أوروبا. وتعد إدارة العلاقة مع واشنطن نموذجا للدهاء؛ فقد استثمر السيسي التناغم الحاصل بينه وبين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بشأن الكثير من القضايا في عدم التعرض للمزيد من الضغوط الخارجية في ملفيْ الحريات وحقوق الإنسان. ونجح أيضا في تجاوز بعض الفخاخ السياسية التي نصبت له تزامنا مع قدوم الإدارة الديمقراطية بقيادة بايدن، وحافظت العلاقة بين واشنطن والقاهرة على قدر ظاهر من حرارتها في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في مايو الماضي، على الرغم من فتح ملف حقوق الإنسان من حين إلى آخر. وفي يناير الماضي وافقت إدارة بايدن على صفقة أسلحة ضخمة لمصر قيمتها 2.5 مليار دولار، تبعها إعلان عن إلغاء 130 مليون دولار من المساعدات العسكرية المقدمة للقاهرة -من إجمالي سنوي قدره 1.3 مليار دولار- بسبب مخاوف تتعلق بحقوق الإنسان، في إشارة إلى أن بايدن حريص على التعاون العسكري مع القاهرة، وأنه لن يهمل ملف الحريات. وكشفت زيارة قام بها رئيس القيادة المركزية الأميركية الجنرال فرانك ماكنزي إلى القاهرة مؤخرا عن متانة العلاقات بين الجيشين المصري والأميركي، مؤكدا خلالها على المساعدة العسكرية “القوية للغاية” التي يتم تقديمها لمصر. وفسر المحلل السياسي ماجد مندور -كاتب عمود “سجلات الثورة العربية” في موقع “أوبن ديموكراسي”- التناقض في سياسة بايدن تجاه السيسي بأنه “انعكاس لنقص الاهتمام الأميركي بمواجهة سجل مصر في مجال حقوق الإنسان”. واعتبر مندور أن هذه الحالة “مظهر من مظاهر السياسة الخارجية الذكية للنظام المصري جنبا إلى جنب مع العوامل الأيديولوجية المحلية التي أضعفت النفوذ الأميركي بشكل كبير، مما حدّ من قدرة بايدن على ممارسة ضغوط ذات مغزى”. ويقول مراقبون إن توجه السيسي نحو الحلفاء الإقليميين الذين يدعمونه سياسيا واقتصاديا هو العامل الأبرز الذي أدى إلى إضعاف النفوذ الأميركي في مصر. ولا تقتصر سياسة تنويع التحالفات المصرية على دول الخليج (السعودية والإمارات تحديدا)، بل تمتد إلى دول متباينة في أوروبا، واستخدمت القاهرة مزيجا من دبلوماسية صفقات الأسلحة والحوافز المالية للإفلات من الضغوط الدولية المحتملة. وقال عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية السفير رخا أحمد حسن إن “التجارب الدبلوماسية لدى القاهرة أثبتت أن الانحياز إلى طرف على حساب آخر لا يأتي بنتائج إيجابية”، وأضاف أن ثمة وعيا سياسيا بأن الأزمات بين القوى الكبرى تنتهي عاجلاً أو آجلاً وتبقى آثارها على الآخرين ومن أعلنوا انحيازاتهم بوضوح. وتابع في تصريح لـ”العرب” أن “طبيعة العلاقات الدولية تقوم على المصالح الاقتصادية ونقل التكنولوجيا والاستثمارات المشتركة وصفقات الأسلحة، وأضحت هذه قواعد طاغية على الأيديولوجيات السياسية، وهو أمر يخدم النهج المصري الساعي دوما لتعزيز مصالحه على قواسم مشتركة”. رخا أحمد حسن: التجارب الدبلوماسية المصرية أثبتت أن الانحياز لا يأتي بنتائج إيجابية وذكر رخا أن ابتعاد القاهرة عن المشكلات الكبرى التي قد تسبب لها إزعاجا وتُوتِّر العلاقة بينها وبين الولايات المتحدة أو الصين أو روسيا أو بعض الدول الأوروبية يجعلها أكثر قدرة على تحديد طبيعة علاقاتها وهندستها بشكل متوازن يعزز مصالحها ذات العلاقة بالجميع. وأدت هذه السياسة إلى إبعاد المخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان في مصر وجعلتها ذات أهمية ثانوية في محادثاتها مع الغرب، وتتردد على استحياء في بعض المناسبات والمؤتمرات الصحافية. وتتمثل السياسة الأكثر وضوحا في استخدام صفقات الأسلحة لبناء علاقات أوثق مع أوروبا، خاصة مع دول مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا، ما يقود إلى الضغط على الولايات المتحدة للمشاركة في الاستفادة من فورة إنفاق النظام خوفا من خسارة المليارات في صفقات الأسلحة وبعض المشاريع التنموية. ومع دبلوماسية التسليح استخدم النظام المصري سياسته في الإنفاق الجماعي على البنية التحتية لبناء تحالفات أوثق مع أوروبا، ووقعت شركة “سيمينس” الألمانية مذكرة تفاهم لبناء خط سكة حديد عالي السرعة بقيمة 23 مليار دولار. وفي قطاع النفط والغاز استثمرت شركة “إيني” الإيطالية في مصر ما مجموعه 13 مليار دولار خلال الفترة بين 2015 و2019، وجرى الإعلان أخيرا عن مساهمات جديدة، تشارك فيها أيضا بعض الشركات الأميركية. وترسخ الاستثمارات الاقتصادية الضخمة وضع مصر في النظام المالي العالمي وتربطها بعلاقات وثيقة مع أوروبا، والتي تسمح لها بموازنة الضغوط المحتملة من الولايات المتحدة إذا كان بايدن يرغب في وضع حقوق الإنسان في قلب السياسة الخارجية لواشنطن. ولا يعني ذلك أن دول أوروبا أكثر نشاطا من الولايات المتحدة في الضغط على الرئيس السيسي في مجال الحريات، لكن قدرة أي منهما على تغيير المسار أصبحت محدودة بسبب تنوع التحالفات التي تمكنت القاهرة من ترسيخها.

مشاركة :