ذلك هو السؤال المحظور والذي يتجنبه جميع الأعضاء والكوادر القديمة في أحاديثهم وكتاباتهم ومروياتهم عن تاريخ «حزبهم» حزب الدعوة وعن مؤسسة السيد محمد باقر الصدر الذي يشيدون به إلى درجة «التقديس». لماذا تجنّبوا الخوض في هذه المسألة أو هذه القضية إلى درجة بلغت عندهم العوف وتجنب الرد على باحثين عراقيين طرحا هذا السؤال علناً وفي كتاباتٍ لهم عديدة وفي لقاءاتٍ وحوارات كثيرة بالصوت والصورة وهي موثقة ومسجلة. حتى الرد أو حتى «التوضيح» في ملابسات السؤال أو الواقعة تجنبوا الخوض وهم الذين يتحدثون بإسهابٍ عن تاريخ حزبهم «حزب الدعوة»، وقد تابعنا حواراتهم المتلفزة وكتاباتهم وحتى كتبهم؟؟ والواقعة كما ذكرها الباحثون العراقيون «المحايدون» في بحوثهم عن حركات الاسلام السياسي وعن تاريخ حزب الدعوة تحديدًا، ان من أسس حزب الدعوة ثم ظل مرجعيةً له بعد ان تخلى عن القيادة، قد اصطدم بقوة بالنظام العراقي في عهد صدام حسين وبلغت حدة الصراع مبلغًا شديدًا صارت معه حياة باقر الصدر معرضةً للإعدام. وهو ما بلغ مسامع الصدر فعقد العزم على الرحيل إلى ايران في زمن الخميني، وكتب له رسالةً سرية تسلمها شخصياً من رسوله حامل الرسالة الذي حمل ردّ الخميني عليها مطالبًا محمد باقر الصدر بالبقاء في العراق، رغم علمه بالتفاصيل الدقيقة عن نوايا النظام العراقي وقتها إعدامه وأن النظام يخطط لذلك. لكن الخميني رفض مغادرة الصدر التي كان ينوي القيام بها وأخبره عنها، وأصرّ على بقائه عرضةً لخطر الاعدام بحجة «ان بقاءك في العراق يخدم الدعوة الاسلامية والعراقيين من انصارك وأنصار الحكومة الإسلامية». وبالفعل صعد النظام العراقي يومها من مواجهة باقر الصدر وحزبه فحكم عليه بالاعدام وتم تنفيذ الحكم به. يفسر بعض الباحثين رفض الخميني لطلب الصدر بالقدوم إلى ايران من انه كان يخشى من شعبية محمد باقر الصدر على مكانته وشعبيته عند الايرانيين الذين كانوا يعتبرونه زعيماً دينياً وسياسياً ومرجعاً ربما فاق بعلمه وبخبرته السياسية والعلمائية خميني نفسه، فرفض ان يفتح باباً لمناقشته على الزعامة الدينية والسياسية فأوصد الباب بحجة «المصلحة الاسلامية». فلماذا لم يبحث «الدعاة» كما يسمون انفسهم في هذه القضية ولماذا اتجنبوا تماماً فتحها سلباً وايجاباً وحتى من باب الدفاع عن الخميني أمام ما يطرحه الباحثون العراقيون ولاشك انه وصلهم وهم اليوم في السلطة داخل بغداد وتتوفر لهم امكانيات فتح الملف امام العراقيين بالشكل الذي يناسبهم. وهو ما يذكرنا بالصمت المريب والغامض حيال قضية تصفية واغتيال موسى الصدر في عهد خميني الذي لم يولِ القضية ما تستحقه من متابعة فعلية وعملية وحتى من طرح اعلامي يتناسب مع حجم ومكانة موسى الصدر عند شيعة لبنان وشيعة ايران علمًا بأن موسى الصدر «ايراني الاصول والجذور». لقد قبل ان صمت الخميني واغلاقه لملف اغتيال موسى الصدر جاء على حساب صفقة اسلحة يزوده بها نظام القذافي ويزود بها الجيش الايراني في حربه مع العراق. وهو تفسير محتمل ووارد ويفتح اقواس الاسئلة الصعبة وابواب الدروب الغامضة في نظرية السلطة باسم الله وخلف يافطات الدين، وهي نظرية لم نقرأ وجهها الآخر بعد بكل تفاصيله المرعبة في القبض على السلطة وتمكين السطوة.
مشاركة :