باشرت دول غربية، أمس، فرض عقوبات على روسيا بعد اعترافها باستقلال المنطقتين الانفصاليتين في شرق أوكرانيا، فيما أعلنت برلين تعليق المصادقة على تشغيل خط أنابيب الغاز «نورد ستريم 2» مع روسيا. ومن الولايات المتحدة إلى الاتحاد الأوروبي، مروراً بحلف شمال الأطلسي «الناتو»، أدان المعسكر الغربي القرار الروسي على نطاق واسع. وأعلن المستشار الألماني أولاف شولتس «تعليق» المصادقة على تشغيل خط أنابيب الغاز، مضيفاً: إن إجراءات أخرى قد يتم اتخاذها أيضاً. وسيخضع المشروع لـ«إعادة تقييم» سياسي تجريه وزارة الاقتصاد، بسبب «الوضع الجيوسياسي» الجديد بعد اعتراف موسكو بالمنطقتين الانفصاليتين المواليتين لروسيا في شرق أوكرانيا. ولم يكن خط أنابيب الغاز، الذي اكتمل إنشاؤه في الخريف الماضي، قيد الخدمة بعد بسبب عرقلة قانونية من الهيئة الناظمة الألمانية للطاقة، إذ أنه لا يمتثل بعد للتشريعات الأوروبية والألمانية في هذا القطاع. وقال الرئيس الأميركي جو بايدن، أمس: «إن هذه بداية الغزو الروسي لأوكرانيا»، معلناً أن الولايات المتحدة ستواصل تزويد أوكرانيا بأسلحة «دفاعية». وأضاف بايدن، في خطاب إلى الأمة من البيت الأبيض: «أعطيت الضوء الأخضر لإعادة انتشار القوات الأميركية الموجودة أصلاً في أوروبا في دول البلطيق، إستونيا ولاتفيا وليتوانيا لتعزيزها». وأعلن بايدن «دفعة أولى» من العقوبات من شأنها أن تعزل روسيا عن المنظومة المالية الغربية، وتستهدف «النخب الروسية» وكذلك مؤسسات مالية. وقال بايدن: «سنفرض عقوبات واسعة النطاق على الديون السيادية الروسية، وهذا يعني أنّنا نقطع الحكومة الروسية عن التمويل الغربي». وقالت مصادر مطلعة في القطاع المالي: إن البنوك الأميركية لا تتوقع تأثيراً مالياً كبيراً على أنشطتها، أو انتشاراً للمخاطر كنتيجة للعقوبات التي تفرضها أميركا ودول أخرى على روسيا بسبب أزمة أوكرانيا.وقال وزير الخارجية الفرنسي جان-إيف لودريان: إنّ وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي وافقوا بالإجماع، أمس، على حزمة عقوبات ضد روسيا. وقال لودريان للصحافيين، بعد اجتماع في باريس لكبار الدبلوماسيين الأوروبيين: «اتفقنا بالإجماع على حزمة عقوبات أولية تستهدف النواب الروس لدعمهم الاعتراف» باستقلال المنطقتين، متهماً روسيا «بانتهاك القانون الدولي» و«خرق التزاماتها». بدوره، قال وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل: إنّ العقوبات الأوروبية ضدّ روسيا ستستهدف النواب الروس في «الدوما»، الذين أيّدوا الاعتراف باستقلال المنطقتين الانفصاليتين في شرق أوكرانيا، وستكون «موجعة جداً». وأضاف للصحافيين: «العقوبات ستكون موجعة جداً لروسيا»، موضحاً أنّ عملية تجميد أصول وحظر تأشيرات ستطال 351 عضواً في مجلس الدوما الروسي لأنهم ناشدوا الرئيس فلاديمير بوتين اتخاذ تلك الخطوة. وأقرّ بوريل بأنّ «العقوبات ليست لها تأثيرات خارقة، لكنّها تسبّب أضراراً اقتصادية وتوجع المتضرّرين منها»، لافتاً إلى أن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي قررت الاحتفاظ بـ«ذخائر أخرى للرد على تحركات جديدة لروسيا»، لأن «الأمر لم ينته». وشدّد لودريان على أنه رغم «هذا الحزم فإن الباب سيبقى مفتوحاً أمام الدبلوماسية»، مضيفاً: «إن كلّ الجهود الدبلوماسية واجهت طريقاً مسدوداً»، في الأسابيع الأخيرة. كما أعلن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، أمس، أن بلاده ستفرض عقوبات على 5 مصارف روسية و3 «أفراد أثرياء»، محذراً من «أزمة طويلة الأمد» في أوكرانيا. وقال جونسون للبرلمان إن لندن ستستخدم صلاحيات جديدة أقرها المجلس لفرض عقوبات معدّة مسبقاً على «أفراد روس وكيانات تحمل أهمية استراتيجية بالنسبة للكرملين». وقال «هذه الدفعة الأولى وأول سيل مما نحن على استعداد للقيام به، وسنحتفظ بعقوبات إضافية جاهزة للاستخدام، إلى جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي». واعتبر جونسون قرار بوتين «انتهاكاً صارخاً لسيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها»، فيما توعدت وزيرة الخارجية البريطانية بفرض عقوبات جديدة على روسيا. وأعلن مكتب رئيس الوزراء البريطاني أن جونسون والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اتفقا، في اتصال هاتفي، على ضرورة مواصلة العمل على استهداف أفراد وكيانات روسية تمول نهج بوتين العدواني، وأكدا أن أفعال روسيا لا تهدد فقط سيادة أوكرانيا، وإنما هي هجوم صارخ على الحرية والديمقراطية. في واشنطن، أصدر جو بايدن مرسوماً، أمس، يحظر أي تعامل للأميركيين مع المناطق الانفصالية، في ما يمثل الحد الأدنى من العقوبات. وتعهد البيت الأبيض بفرض عقوبات جديدة. وقال مساعد مستشار البيت الأبيض للأمن القومي جوناثان فاينر، في تصريح لمحطة «سي إن إن» الإخبارية الأميركية: «نعتبر أنها بداية غزو روسي لأوكرانيا، وأنتم تشهدون بالفعل بداية ردنا الذي قلنا إنه سيكون سريعاً وشديداً». ورحّب البيت الأبيض أيضاً بقرار ألمانيا وقف «نورد ستريم 2» الرامي إلى نقل الغاز الطبيعي الروسي إلى أوروبا. وما إن انتشرت أنباء اعتراف موسكو بالمنطقتين في شوارع كييف، حتى سيطرت حالة من الذهول على كثيرين قالوا رغم ذلك: إنهم على استعداد للدفاع عن بلدهم إذا تطلّب الأمر ذلك. وقال أرتيم إيفاشينكو، الشاب البالغ 22 عاماً من دونيتسك، والذي يعمل طباخاً في كييف: «أنا في حالة من الصدمة الشديدة»، واصفاً الاعتراف بأنه «أكثر الأخبار إثارة للخوف» منذ فراره من المنطقة قبل 8 سنوات. وفي مواجهة هذه الأزمة الكبرى، اجتمع مجلس الأمن الدولي بشكل طارئ، مساء أمس الأول، حيث تواجه ممثلو الغرب والروس. وقالت مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية روزماري ديكارلو في الاجتماع: «إن الساعات والأيام القليلة المقبلة ستكون حاسمة، فخطر نشوب صراع كبير فعلي». وسخرت السفيرة الأميركية ليندا توماس-غرينفيلد من تأكيد بوتين أن مهمة القوات الروسية التي أعلن إرسالها إلى شرق أوكرانيا هي «حفظ السلام». وقالت: «نحن نعرف ما هي حقيقة هذه القوات». وعقد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي اجتماعاً لمجلس الأمن القومي، وأجرى مكالمات هاتفية مع العديد من قادة العالم في محاولة لحشد الدعم. وطالب في خطاب متلفز بث في وقت متأخر الغرب بتقديم «دعم واضح» لبلاده، مشدداً على أن كييف لا تخشى أحداً. وقال: «من المهم أن نرى من هو صديقنا الحقيقي وشريكنا، ومن سيواصل إخافة الاتحاد الروسي بالكلام»، مضيفاً: «نحن على أرضنا». وتعهّدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال بأن «يرد الاتحاد الأوروبي عبر فرض عقوبات على المتورطين في هذا التحرّك غير القانوني». وجاء إعلان بوتين بعد أسابيع من التوتر بين موسكو ودول الغرب حول أوكرانيا. ويحذّر القادة الغربيون منذ أسابيع من أن روسيا تخطط لغزو جارتها الموالية للغرب بعدما حشدت أكثر من 150 ألف جندي عند الحدود، وهو أمر نفته موسكو مراراً. ألمانيا «مستعدة» لتعزيز قواتها في ليتوانيا أعلنت وزيرة الدفاع الألمانية كريستين لامبريخت، أمس، أن برلين مستعدة لنشر مزيد من القوات في ليتوانيا، في ظل تزايد المخاوف من غزو روسي لأوكرانيا. وأفادت خلال زيارة إلى قاعدة روكلا العسكرية في ليتوانيا، حيث تقود ألمانيا كتيبة حلف شمال الأطلسي، بأن التكتل الدفاعي الغربي زاد بشكل إضافي إجراءاتنا المشتركة للاستجابة للأزمة عبر تعزيز «قوة استجابة الناتو». وأضافت: «إن ألمانيا مستعدة أيضاً لتقديم قوات برية وبحرية وجوية إضافية كتعزيزات». وتابعت: «نعوّل على حل دبلوماسي للأزمة الروسية، لكن من الضروري وجود ردع عسكري يمكن الوثوق به». وأشارت إلى أن «روسيا تتصرف كجهة معتدية، ولا نعرف إلى أي حد ستمضي قدماً بهذا العدوان». ونشر حلف شمال الأطلسي أربع كتائب في دول البلطيق، التي تضم إستونيا ولاتفيا وليتوانيا، وفي بولندا عام 2017، بعدما ضمّت موسكو شبه جزيرة القرم، وساعدت الانفصاليين في السيطرة على أجزاء من شرق أوكرانيا. وكانت تلك أكبر تعزيزات دفاعية جماعية للحلف منذ الحرب الباردة. وتسهم ألمانيا في الكتيبة المتواجدة في ليتوانيا بنحو 550 جندياً. وتعهّدت برلين الشهر الجاري بنشر ما يصل إلى 350 جندياً إضافياً لتعزيز القوة. وجاءت زيارة لامبريخت بعد يوم من اعتراف روسيا بمنطقتين انفصاليتين في أوكرانيا، وهو ما أثار انتقادات غربية وفاقم المخاوف من غزو روسي لأوكرانيا. وقال وزير الدفاع الليتواني أرفيداس أنوساوسكاس: «إن التهديدات الروسية ليست قصيرة الأمد، لذا على تعاوننا أن يكون طويل الأمد». وأضاف: «لا يمكن تحقيق الردع الفاعل والدفاع إلا عبر حضور عسكري دائم لألمانيا وحلفاء آخرين في ليتوانيا».
مشاركة :