سلاح العقوبات والمواجهة بين روسيا والغرب

  • 3/20/2022
  • 09:41
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

  كانت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬قد‭ ‬وعدت‭ ‬بموجة‭ ‬من‭ ‬العقوبات‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬غزو‭ ‬روسيا‭ ‬لأوكرانيا‭ ‬فإذا‭ ‬بها‭ ‬تعلن‭ ‬عن‭ ‬‮«‬تسونامي‮»‬‭ ‬حيث‭ ‬قررت‭ ‬يوم‭ ‬8‭ ‬مارس‭ ‬2022‭ ‬إضافة‭ ‬حظر‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬الروسي‭ ‬2770‭ ‬إجراء‭ ‬تقييديا‭ ‬تم‭ ‬تبنيها‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭. ‬كانت‭ ‬روسيا‭ ‬مستعدة‭ ‬لبعض‭ ‬هذه‭ ‬العقوبات‭ ‬لكنها‭ ‬فوجئت‭ ‬ببعض‭ ‬العقوبات‭ ‬الأخرى‭ ‬مثل‭ ‬تجميد‭ ‬نصف‭ ‬احتياطيات‭ ‬النقد‭ ‬الأجنبي‭ ‬للبنك‭ ‬المركزي‭.‬ إدراكا‭ ‬منه‭ ‬أن‭ ‬العقوبات‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬دائمًا‭ ‬فعالة‭ ‬في‭ ‬التاريخ،‭ ‬فقد‭ ‬استنتج‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬الآن‭ ‬شنّ‭ ‬‮«‬حرب‭ ‬اقتصادية‭ ‬ومالية‭ ‬شاملة‮»‬‭ ‬و«التسبب‭ ‬في‭ ‬انهيار‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الروسي‮»‬،‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬تعبير‭ ‬وزير‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الفرنسي‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الإجراءات‭ ‬نادراً‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬فعالة،‭ ‬فإن‭ ‬واشنطن‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬يلجآن‭ ‬إليها‭ ‬بشكل‭ ‬متزايد‭.‬ قال‭ ‬النائب‭ ‬الديمقراطي‭ ‬المنتخب‭ ‬سيث‭ ‬مولتون‭ ‬للصحفيين‭ ‬أثناء‭ ‬الزيارة‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬للعاصمة‭ ‬الأوكرانية‭ ‬كييف‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬ديسمبر‭ ‬2021‭: ‬‮«‬إذا‭ ‬غزا‭ ‬بوتين‭ ‬أوكرانيا‭ ‬فإني‭ ‬أريده‭ ‬أن‭ ‬يعرف‭ ‬أنه‭ ‬سيجد‭ ‬صعوبة‭ ‬في‭ ‬شراء‭ ‬الصودا‭ ‬من‭ ‬آلة‭ ‬البيع‭ ‬في‭ ‬غضون‭ ‬خمس‭ ‬دقائق‮»‬‭. ‬في‭ ‬بداية‭ ‬شهر‭ ‬يناير،‭ ‬تقدم‭ ‬نواب‭ ‬من‭ ‬نفس‭ ‬الحزب‭ ‬الديمقراطي‭ ‬بمشروع‭ ‬قانون‭ ‬ينص‭ ‬على‭ ‬‮«‬عقوبات‭ ‬وقائية‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬مفهوم‭ ‬غير‭ ‬معتاد‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية،‭ ‬لأنه‭ ‬يرقى‭ ‬إلى‭ ‬الرد‭ ‬على‭ ‬شيء‭ ‬افتراضي‭.‬ تضمن‭ ‬مشروع‭ ‬القانون‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬في‭ ‬حالة‭ ‬حدوث‭ ‬تصعيد‮»‬‭ ‬تمنع‭ ‬البنوك‭ ‬الروسية‭ ‬الرئيسية‭ ‬من‭ ‬استخدام‭ ‬الرسائل‭ ‬المالية‭ ‬بالدولار‭ ‬والسويفت‭ (‬جمعية‭ ‬الاتصالات‭ ‬المالية‭ ‬العالمية‭ ‬بين‭ ‬البنوك‭)‬،‭ ‬والتي‭ ‬تمر‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬غالبية‭ ‬المعاملات‭ ‬بين‭ ‬البنوك‭ ‬عبر‭ ‬العالم‭.‬ من‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لم‭ ‬تخترع‭ ‬مسألة‭ ‬استخدام‭ ‬الضغط‭ ‬الاقتصادي‭ ‬للتأثير‭ ‬على‭ ‬الخصوم،‭ ‬فتاريخ‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬مليء‭ ‬بها،‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬الحصار‭ ‬القاري‭ ‬الذي‭ ‬فرضه‭ ‬نابليون‭ ‬على‭ ‬أنجلترا‭ ‬عام‭ ‬1806‭ ‬أو‭ ‬ذلك‭ ‬الذي‭ ‬فرضه‭ ‬الرئيس‭ ‬أبراهام‭ ‬لنكولن‭ ‬ضد‭ ‬الولايات‭ ‬الجنوبية‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية‭ (‬1861-1865‭). ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬أدرك‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬وودرو‭ ‬ويلسون‭ ‬بالفعل‭ ‬القوة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬لبلاده،‭ ‬ورأى‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يحل‭ ‬محلّ‭ ‬الحرب‭.‬ من‭ ‬يختار‭ ‬هذا‭ ‬الإجراء‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والسلمي‭ ‬والهادئ‭ ‬والقاتل‭ ‬فلن‭ ‬يضطر‭ ‬إلى‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬القوة‭. ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يضحّي‭ ‬بحياة‭ ‬أي‭ ‬فرد‭ ‬واحد‭ ‬خارج‭ ‬البلاد،‭ ‬لكنه‭ ‬يفرض‭ ‬على‭ ‬البلد‭ ‬المستهدف‭ ‬ضغوطًا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لأمة‭ ‬حديثة‭ ‬أن‭ ‬تقاومها،‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬تلك‭ ‬الإجراءات‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬اتخاذها‭ ‬خلال‭ ‬مفاوضات‭ ‬معاهدة‭ ‬فرساي‭ ‬عام‭ ‬1919‭ ‬والتي‭ ‬كرست‭ ‬سلام‭ ‬الغالب‭ ‬على‭ ‬المغلوب‭. ‬ في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬وسعيا‭ ‬لمراقبة‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية،‭ ‬تم‭ ‬إنشاء‭ ‬عصبة‭ ‬الأمم‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تملك‭ ‬سلطة‭ ‬فرض‭ ‬عقوبات‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬منع‭ ‬تحول‭ ‬النزاعات‭ ‬التي‭ ‬تنشب‭ ‬بين‭ ‬البلدان‭ ‬إلى‭ ‬حروب‭ ‬مدمرة‭ ‬في‭ ‬العالم‭.‬ أدت‭ ‬اعتداءات‭ ‬ألمانيا‭ ‬واليابان‭ ‬وإيطاليا‭ ‬إلى‭ ‬دفن‭ ‬عصبة‭ ‬الأمم‭ ‬في‭ ‬مهدها‭. ‬في‭ ‬عام‭ ‬1945،‭ ‬عادت‭ ‬الفكرة‭ ‬إلى‭ ‬ميثاق‭ ‬منظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬الذي‭ ‬أرسى‭ ‬مبدأ‭ ‬التسوية‭ ‬السلمية‭ ‬للنزاعات‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬وحظر‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬القوة‭. ‬في‭ ‬حالة‭ ‬تهديد‭ ‬السلم‭ ‬أو‭ ‬الإخلال‭ ‬به،‭ ‬فإنه‭ ‬يعهد‭ ‬إلى‭ ‬هيئة‭ ‬خاصة،‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ -‬له‭ ‬وحده‭- ‬سلطة‭ ‬اتخاذ‭ ‬عقوبات‭ ‬لوضع‭ ‬حد‭ ‬للاضطرابات‭.‬ وهكذا،‭ ‬فإن‭ ‬المادة‭ ‬41‭ ‬من‭ ‬الميثاق‭ ‬تضع‭ ‬قائمة‭ ‬غير‭ ‬حصرية‭ ‬بالقيود‭ ‬المحتملة‭: ‬‮«‬الانقطاع‭ ‬الكامل‭ ‬أو‭ ‬الجزئي‭ ‬للعلاقات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والسكك‭ ‬الحديدية،‭ ‬والبحرية،‭ ‬والجوية،‭ ‬والبريدية،‭ ‬والبرقية،‭ ‬والكهربائية‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬الاتصال،‭ ‬وكذلك‭ ‬قطع‭ ‬العلاقات‭ ‬الدبلوماسية‮»‬‭.‬ اتسع‭ ‬نطاق‭ ‬سلاح‭ ‬العقوبات‭ ‬بمرور‭ ‬الوقت‭ ‬لتشمل‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية‭ (‬التجارية‭ ‬أو‭ ‬المالية‭)‬،‭ ‬والعسكرية‭ (‬حظر‭ ‬الأسلحة‭)‬،‭ ‬والعقوبات‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬والثقافية‭ ‬والرياضية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعكس‭ ‬حرص‭ ‬منظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬تنظيم‭ ‬هذه‭ ‬الممارسة‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬أكثر‭ ‬انتشارًا‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬العظمى‭ ‬منها‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‭.‬ يجب‭ ‬ألا‭ ‬ننسى‭ ‬أن‭ ‬التنافس‭ ‬بين‭ ‬التحالفات‭ ‬والتكتلات‭ ‬يتم‭ ‬خارج‭ ‬قواعد‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭. ‬ففي‭ ‬سنة‭ ‬1950،‭ ‬عمدت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬إلى‭ ‬إنشاء‭ ‬‮«‬لجنة‭ ‬تنسيق‭ ‬لمراقبة‭ ‬الصادرات‭ ‬المتعددة‭ ‬الأطراف‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬منظمة‭ ‬غير‭ ‬رسمية‭ ‬مقرها‭ ‬السفارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬باريس‭ ‬كان‭ ‬هدفها‭ ‬إعاقة‭ ‬تصدير‭ ‬المنتجات‭ ‬والتكنولوجيات‭ ‬إلى‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬الشيوعي‭.‬ لا‭ ‬يزال‭ ‬تضييق‭ ‬الخناق‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬المنافسة‭ ‬والمعادية‭ ‬يمثل‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬الترسانة‭ ‬الأمريكية‭ ‬ضد‭ ‬كوبا‭ (‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1962‭)‬،‭ ‬وفيتنام‭ (‬1975-1994‭)‬،‭ ‬باستثناء‭ ‬حظر‭ ‬الأسلحة،‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬تعليقه‭ ‬فقط‭ (‬في‭ ‬عام‭ ‬2016‭) ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬كوريا‭ ‬الشمالية‭ (‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1950‭).‬ اتخذت‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬المنتجة‭ ‬والمصدرة‭ ‬قرارا‭ ‬يتعلق‭ ‬بصادراتها‭ ‬البترولية‭ ‬إلى‭ ‬الدول‭ ‬الحليفة‭ ‬لإسرائيل‭. ‬اقتصر‭ ‬اعتماد‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬للعقوبات‭ ‬المتعددة‭ ‬الأطراف‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬القضايا‭ ‬مثل‭ ‬فرض‭ ‬حظر‭ ‬الأسلحة‭ ‬ضد‭ ‬النظام‭ ‬العنصري‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1963‭ (‬تم‭ ‬التأكيد‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1977‭)‬،‭ ‬ثم‭ ‬ضد‭ ‬إعلان‭ ‬الاستقلال‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬البيض‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬روديسيا‭ (‬زمبابوي‭ ‬اليوم‭) ‬في‭ ‬عام‭ ‬1965‭.‬ أدى‭ ‬انهيار‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬عام‭ ‬1991‭ ‬إلى‭ ‬ظهور‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬‮«‬عقد‭ ‬العقوبات‮»‬،‭ ‬والذي‭ ‬تبنى‭ ‬خلاله‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬ثلاثة‭ ‬عشر‭ ‬نظامًا‭ ‬مقيِّدًا،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الحظر‭ ‬على‭ ‬العراق‭ ‬عقب‭ ‬اجتياح‭ ‬الكويت‭ ‬سنة‭ ‬1990،‭ ‬كما‭ ‬فرض‭ ‬الحظر‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1993‭ ‬ضد‭ ‬ليبيا‭ ‬بعد‭ ‬اتهامها‭ ‬بالضلوع‭ ‬في‭ ‬تفجير‭ ‬طائرتين‭ (‬فوق‭ ‬لوكربي،‭ ‬اسكتلندا،‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1988،‭ ‬وفي‭ ‬النيجر‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1989‭).‬ نتج‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الإجراء‭ ‬الآثار‭ ‬المتوقعة‭ ‬حيث‭ ‬اعترفت‭ ‬طرابلس‭ ‬بمسؤوليتها‭ (‬1999‭)‬،‭ ‬وتخلت‭ ‬عن‭ ‬برنامج‭ ‬أسلحة‭ ‬الدمار‭ ‬الشامل‭ (‬2003‭) ‬ووافقت‭ ‬على‭ ‬التعاون‭ ‬في‭ ‬التحقيقات‭ ‬الدولية‭. ‬ مارست‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬نفوذاً‭ ‬مهيمناً‭ ‬على‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭. ‬فمنذ‭ ‬التسعينيات‭ ‬أطلقت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬العنان‭ ‬لهذه‭ ‬الآلة‭ ‬القسرية‭. ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬1918‭ ‬و1998،‭ ‬فرضت‭ ‬الحكومة‭ ‬الأمريكية‭ ‬قيودًا‭ ‬على‭ ‬التجارة‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬الخاضعة‭ ‬للعقوبات‭ ‬115‭ ‬مرة،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬64‭ ‬مرة‭ ‬خلال‭ ‬التسعينيات،‭ ‬معظمها‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬واحد‭. ‬في‭ ‬عام‭ ‬1997،‭ ‬كان‭ ‬ما‭ ‬يعادل‭ ‬نصف‭ ‬سكان‭ ‬العالم‭ ‬يعيشون‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬العقوبات‭ ‬الأمريكية‭.‬ شكّل‭ ‬الحظر‭ ‬التجاري‭ ‬والمالي‭ ‬والعسكري‭ ‬القاسي‭ ‬المفروض‭ ‬على‭ ‬العراق‭ ‬في‭ ‬6‭ ‬أغسطس‭ ‬1990‭ ‬نقطة‭ ‬تحول‭ ‬إذ‭ ‬امتدت‭ ‬لعشر‭ ‬سنوات‭ ‬بعد‭ ‬حرب‭ ‬الخليج‭ ‬الأولى،‭ ‬بتفويض‭ ‬من‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن،‭ ‬وقد‭ ‬أدى‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬تدمير‭ ‬اقتصاد‭ ‬البلاد‭ ‬وتسبب‭ ‬في‭ ‬نقص‭ ‬الغذاء‭ ‬والدواء‭: ‬500‭ ‬ألف‭ ‬طفل‭ ‬فقدوا‭ ‬حياتهم‭ ‬بحسب‭ ‬صندوق‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬للطفولة‭.‬ ‮«‬الثمن‭ ‬يستحق‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬العناء‮»‬‭.. ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬قالته‭ ‬مادلين‭ ‬أولبرايت‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1996،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬آنذاك‭ ‬سفيرة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لدى‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭. ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬اتخذ‭ ‬مساعد‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬ومنسق‭ ‬العمليات‭ ‬الإنسانية‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬دينيس‭ ‬هاليداي‭ ‬قرارا‭ ‬بالاستقالة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1998‭ ‬للتنديد‭ ‬بـ«تدمير‭ ‬مجتمع‭ ‬بأكمله‮»‬‭.‬ بينما‭ ‬رحب‭ ‬نيلسون‭ ‬مانديلا‭ ‬نفسه‭ ‬بالحظر‭ ‬المفروض‭ ‬على‭ ‬نظام‭ ‬الفصل‭ ‬العنصري‭ ‬باعتباره‭ ‬شرًّا‭ ‬ضروريًا‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬منه،‭ ‬ارتفعت‭ ‬الأصوات‭ ‬للانتقاد،‭ ‬بدءًا‭ ‬من‭ ‬الحالة‭ ‬العراقية،‭ ‬لأن‭ ‬الحظر‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬أصاب‭ ‬شعوبا‭ ‬بأكملها‭ ‬بشكل‭ ‬أعمى،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬يقوض‭ ‬تلك‭ ‬الفكرة‭ ‬التي‭ ‬يزعم‭ ‬المدافع‭ ‬عنها‭ ‬أن‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬هي‭ ‬بالضرورة‭ ‬أقل‭ ‬فتكًا‭ ‬من‭ ‬إرسال‭ ‬القوات‭ ‬العسكرية‭ ‬والدخول‭ ‬في‭ ‬الحروب‭ ‬والنزاعات‭.‬ أدت‭ ‬تلك‭ ‬الانتقادات‭ ‬إلى‭ ‬ظهور‭ ‬فئة‭ ‬جديدة‭ ‬تسمى‭ ‬العقوبات‭ ‬‮«‬المستهدفة‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬الذكية‮»‬،‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬عمليات‭ ‬الحظر‭ ‬العامة‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬أسلوبا‭ ‬‮«‬غير‭ ‬عادل‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬أعمى‮»‬‭.. ‬فهي‭ ‬تستهدف،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬فئات‭ ‬معينة‭ ‬من‭ ‬المنتجات،‭ ‬مثل‭ ‬النفط‭ ‬والماس‭ ‬والأخشاب‭ ‬والأسلحة،‭ ‬مع‭ ‬استثناء‭ ‬الضروريات‭ ‬الأساسية‭ (‬الغذاء‭ ‬والصحة‭).‬ بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬التابع‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬علاقاتها‭ ‬الثنائية،‭ ‬يحدد‭ ‬المنظمات‭ ‬والأفراد‭ ‬بصفتهم‭ ‬مسؤولين‭ ‬عن‭ ‬الاضطرابات‭ ‬أو‭ ‬الجرائم‭ ‬الدولية‭.‬ في‭ ‬عام‭ ‬1998،‭ ‬شهد‭ ‬المجلس‭ ‬العسكري‭ ‬السيراليوني‭ ‬وزعماء‭ ‬الاتحاد‭ ‬الوطني‭ ‬للاستقلال‭ ‬التام‭ ‬لأنغولا‭ (‬يونيتا‭)‬،‭ ‬وكذلك‭ ‬أقاربهم،‭ ‬تجميد‭ ‬ممتلكاتهم‭ ‬في‭ ‬الخارج‭ ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬دخول‭ ‬بلدان‭ ‬معينة‭ ‬محظورًا‭ ‬عليهم‭.‬ في‭ ‬البداية‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الإجراءات‭ ‬الفردية‭ ‬استثنائية‭ ‬لكنها‭ ‬ما‭ ‬لبثت‭ ‬أن‭ ‬انتشرت‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭ ‬بعد‭ ‬11‭ ‬سبتمبر‭ ‬2001‭ ‬،‭ ‬مع‭ ‬محاكمة‭ ‬قادة‭ ‬القاعدة‭ ‬ومحاربة‭ ‬تمويل‭ ‬الإرهاب‭.‬ ونظرًا‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬الأسهل‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬توافق‭ ‬في‭ ‬الآراء‭ ‬بين‭ ‬الأعضاء‭ ‬الخمسة‭ ‬الدائمين‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬فإن‭ ‬إفريقيا‭ ‬هي‭ ‬القارة‭ ‬الأكثر‭ ‬تضررًا‭ (‬السودان،‭ ‬كينيا،‭ ‬الصومال،‭ ‬جمهورية‭ ‬الكونغو‭ ‬الديمقراطية‭ ‬إلخ‭...) ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬التدابير‭ ‬الفردية‭ ‬المتعددة‭ ‬الأطراف‭ ‬التي‭ ‬تستهدف‭ ‬رؤساء‭ ‬الدول‭ ‬والوزراء‭ ‬والجنود‭ ‬ورؤساء‭ ‬المخابرات‭ ‬أو‭ ‬أجهزة‭ ‬الشرطة‭ ‬وأمراء‭ ‬الحرب‭ ‬والمتاجرين‭ ‬بالبشر‭. ‬يظل‭ ‬الإطار‭ ‬القانوني‭ ‬غامضًا‭: ‬يُعاقب‭ ‬الأفراد‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬محاكمة‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬إمكانية‭ ‬حقيقية‭ ‬للطعن‭. ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تجد‭ ‬دائرة‭ ‬الأسرة‭ ‬أو‭ ‬المقربين‭ ‬منهم‭ ‬أنفسهم‭ ‬أيضًا‭ ‬مدرجين‭ ‬في‭ ‬القائمة‭ ‬السوداء‭.‬ لاحظت‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬التابعة‭ ‬للاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬مدى‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬ضمانات‭ ‬قانونية،‭ ‬علما‭ ‬بأن‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬التابعة‭ ‬للاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬تمثل‭ ‬إحدى‭ ‬الولايات‭ ‬القضائية‭ ‬القليلة‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬الرجوع‭ ‬إليها‭ ‬للتصدي‭ ‬لأي‭ ‬تعسف،‭ ‬مثلما‭ ‬حدث‭ ‬عندما‭ ‬عاقبت‭ ‬واشنطن‭ ‬ودول‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬الأثرياء‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أقدمت‭ ‬سلطات‭ ‬الكرملين‭ ‬على‭ ‬ضم‭ ‬شبه‭ ‬جزيرة‭ ‬القرم‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2014‭ ‬،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأثرياء‭ ‬لم‭ ‬يلعبوا‭ ‬أي‭ ‬دور‭.‬ حدث‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬تطور‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬استخدام‭ ‬الغرب‭ ‬لسلاح‭ ‬العقوبات،‭ ‬ويتمثل‭ ‬في‭ ‬اعتماد‭ ‬الاعتبارات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بانتهاك‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬وطبيعة‭ ‬بعض‭ ‬الأنظمة‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬شمولية‭.‬ وبينما‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬المخاوف‭ ‬المرتبطة‭ ‬بمسألة‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والأنظمة‭ ‬الشمولية‭ ‬تبرر‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬20‭%‬‭ ‬من‭ ‬العقوبات‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الستينيات،‭ ‬فقد‭ ‬اتخذت‭ ‬كمبرر‭ ‬عام‭ ‬2019‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬42‭%‬‭ ‬منها‭.‬ نادرًا‭ ‬ما‭ ‬يتدخل‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن،‭ ‬الذي‭ ‬تتمثل‭ ‬مهمته‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬ضمان‭ ‬السلم‭ ‬والأمن‭ ‬الدوليين‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الاعتبارات‭ ‬وحدها‭. ‬ففي‭ ‬يوم‭ ‬17‭ ‬مايو‭ ‬1994،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬برر‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي‭ ‬فرض‭ ‬حظر‭ ‬الأسلحة‭ ‬في‭ ‬رواندا‭ ‬بالوضع‭ ‬الخطر‭ (‬المجازر‭ ‬والعنف‭ ‬العرقي‭ ‬وأعداد‭ ‬اللاجئين‭) ‬الذي‭ ‬يمثل‭ ‬‮«‬تهديدًا‭ ‬للسلام‭ ‬والأمن‭ ‬في‭ ‬المنطقة‮»‬‭.‬ في‭ ‬عام‭ ‬2011،‭ ‬اعتبر‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي‭ ‬أن‭ ‬السكان‭ ‬المدنيين‭ ‬يتعرضون‭ ‬لخطر‭ ‬داهم‭ ‬يهدد‭ ‬حياتهم،‭ ‬واستند‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إصدار‭ ‬قرار‭ ‬بحظر‭ ‬الأسلحة‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬والسماح‭ ‬بتدخل‭ ‬عسكري‭ ‬دولي‭ ‬مثير‭ ‬للجدل،‭ ‬بمشاركة‭ ‬طائرات‭ ‬وسفن‭ ‬الحلف‭ ‬الأطلنطي‭.‬ لكن‭ ‬الدول‭ ‬قبل‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬في‭ ‬مقدمتها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وأعضاء‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تتذرع‭ ‬بهذه‭ ‬الأسباب‭. ‬فتحت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الباب‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬عام‭ ‬1974‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تبني‭ ‬تعديل‭ ‬جاكسون‭ - ‬فانيك‭ ‬لقانون‭ ‬التجارة،‭ ‬والذي‭ ‬جعل‭ ‬منح‭ ‬الاعتمادات‭ ‬وإسناد‭ ‬وضع‭ ‬الدولة‭ ‬الأكثر‭ ‬تفضيلاً‭ ‬إلى‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬مشروطاً‭ ‬بتحرير‭ ‬سياسة‭ ‬الهجرة‭ ‬الخاصة‭ ‬به‭.‬ هكذا‭ ‬ولأول‭ ‬مرة،‭ ‬أُنشئت‭ ‬‮«‬صلة‭ ‬مشروطة‭ ‬للربط‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والتجارة،‭ ‬علما‭ ‬بأن‭ ‬الهدف‭ ‬الأصلي‭ ‬والأساسي‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬ربط‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬بالسياسة‭ ‬الداخلية‮»‬‭. ‬لم‭ ‬تقم‭ ‬سلطات‭ ‬واشنطن‭ ‬بتطبيع‭ ‬علاقاتها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭ ‬حتى‭ ‬عام‭ ‬2012،‭ ‬عندما‭ ‬تم‭ ‬تمرير‭ ‬قانون‭ ‬ماغنتسكي‭.‬ قبل‭ ‬الكونجرس‭ ‬بتمرير‭ ‬ذلك‭ ‬القانون‭ ‬بشرط‭ ‬واحد‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬فتح‭ ‬الباب‭ ‬أمام‭ ‬إمكانية‭ ‬استهداف‭ ‬المواطنين‭ ‬الروس‭ ‬المسؤولين‭ ‬عن‭ ‬انتهاكات‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬روسيا‭ ‬كدولة‭.‬ تم‭ ‬اعتماد‭ ‬قانون‭ ‬ماغنتسكي‭ ‬العالمي‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2017‭ ‬تحت‭ ‬رئاسة‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬وأبقى‭ ‬عليه‭ ‬خليفته‭ ‬جوزيف‭ ‬بايدن،‭ ‬ليمتد‭ ‬نطاق‭ ‬تطبيقه‭ ‬ليشمل‭ ‬بقية‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬وإلى‭ ‬أعمال‭ ‬الفساد،‭ ‬حيث‭ ‬تحتوي‭ ‬قائمة‭ ‬الأشخاص‭ ‬والكيانات‭ ‬المستهدفة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬1623‭ ‬صفحة‭ ‬وما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬37000‭ ‬إدخال‭...‬ منذ‭ ‬معاهدتي‭ ‬ماستريخت‭ (‬1992‭) ‬ولشبونة‭ (‬2007‭) ‬اللتين‭ ‬أرسيتا‭ ‬السياسة‭ ‬الأمنية‭ ‬الأوروبية‭ ‬المشتركة،‭ ‬أصبح‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬بعد‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬المصدر‭ ‬الثاني‭ ‬للعقوبات‭ ‬في‭ ‬العالم‭. ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فإن‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬يعتزم‭ ‬‮«‬فرض‭ ‬احترام‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والديمقراطية‭ ‬وسيادة‭ ‬القانون‭ ‬والحكم‭ ‬الرشيد‮»‬‭.‬ على‭ ‬غرار‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬أعدّ‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬بدوره‭ ‬أداة‭ ‬جديدة‭ ‬لمساءلة‭ ‬الأفراد‭ ‬الذين‭ ‬ينتهكون‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬وهو‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬‮«‬قانون‭ ‬ماغنتسكي‭ ‬الأوروبي‮»‬‭. ‬في‭ ‬22‭ ‬مارس‭ ‬2021،‭ ‬تبنى‭ ‬المجلس‭ ‬الأوروبي‭ ‬إجراءات‭ ‬تقييدية‭ ‬ضد‭ ‬28‭ ‬شخصًا‭ ‬وأربع‭ ‬منظمات‭ ‬من‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭ ‬وكوريا‭ ‬الشمالية‭ ‬وليبيا‭ ‬وإريتريا‭ ‬وجنوب‭ ‬السودان‭.‬ يمنح‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬نفسه‭ ‬هنا‭ ‬دور‭ ‬‮«‬الفارس‭ ‬الأبيض‮»‬‭ ‬مثل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يخلو‭ ‬من‭ ‬التناقضات‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تفلت‭ ‬من‭ ‬‮«‬غضب‮»‬‭ ‬الأوروبيين‭ ‬وحرصهم‭ ‬على‭ ‬إعلاء‭ ‬مبادئ‭ ‬وقيم‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬قرار‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬لعام‭ ‬2016‭ ‬الذي‭ ‬أدان‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭ ‬احتلال‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المحتلة‭ ‬بعد‭ ‬عام‭ ‬1967‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬القدس‭ ‬الشرقية‭.‬ أدت‭ ‬المناقشات‭ ‬الحالية‭ ‬داخل‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬يجب‭ ‬فعله‭ ‬ضد‭ ‬روسيا‭ ‬إلى‭ ‬ظهور‭ ‬البراعة‭ ‬الخطابية‭. ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬رئيسة‭ ‬المفوضية‭ ‬أورسولا‭ ‬فون‭ ‬دير‭ ‬لاين‭ ‬تدعم‭ ‬موقف‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بأن‭ ‬‮«‬نورد‭ ‬ستريم‭ ‬2‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬استبعاده‭ ‬مسبقًا‭ ‬من‭ ‬قائمة‭ ‬العقوبات‭ ‬الوقائية‮»‬‭.‬ تقول‭ ‬أورسولا‭ ‬فون‭ ‬دير‭ ‬لاين‭: ‬‮«‬نريد‭ ‬أن‭ ‬نبني‭ ‬عالم‭ ‬الغد‭ ‬كديمقراطيات‭ ‬مع‭ ‬شركاء‭ ‬متشابهين‭ ‬في‭ ‬التفكير‮»‬‭. ‬من‭ ‬بين‭ ‬شركاء‭ ‬الطاقة‭ ‬الذين‭ ‬يحتمل‭ ‬أن‭ ‬يحلوا‭ ‬محل‭ ‬روسيا‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬شركاء‭ ‬الطاقة‭ ‬الجدد‭ ‬الذين‭ ‬سيحلون‭ ‬محل‭ ‬روسيا‭ ‬وتنطبق‭ ‬عليه‭ ‬قيم‭ ‬ومبادئ‭ ‬ومعايير‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭. ‬ إن‭ ‬دور‭ ‬‮«‬الفارس‭ ‬الأبيض‮»‬‭ ‬يفرض‭ ‬على‭ ‬المرء‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬أهلا‭ ‬للقيام‭ ‬بمثل‭ ‬هذا‭ ‬الدور‭ ‬ولا‭ ‬يكون‭ ‬بالتالي‭ ‬سجله‭ ‬ملطخا‭. ‬يمكن‭ ‬للمرء‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬أن‭ ‬يعتبر‭ ‬أن‭ ‬جوليان‭ ‬أسانج،‭ ‬الذي‭ ‬طاردته‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وسجن‭ ‬في‭ ‬لندن،‭ ‬سيكون‭ ‬مرشحًا‭ ‬للحصول‭ ‬بسهولة‭ ‬على‭ ‬اللجوء‭ ‬السياسي‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬مختلف‭ ‬دول‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬ترفض‭ ‬منحه‭ ‬ذلك‭.‬ في‭ ‬مواجهة‭ ‬أزمة‭ ‬الهجرة،‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬اتفاقية‭ ‬عام‭ ‬1951‭ ‬بشأن‭ ‬اللاجئين‭ ‬تحترمها‭ ‬الدول‭ ‬السبع‭ ‬والعشرون‭. ‬عشية‭ ‬الرئاسة‭ ‬الفرنسية،‭ ‬يساور‭ ‬منظمة‭ ‬العفو‭ ‬الدولية‭ ‬القلق‭ ‬أيضًا‭ ‬بشأن‭ ‬الهجمات‭ ‬على‭ ‬الحريات‭ ‬المدنية‭ ‬داخل‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭.‬ هل‭ ‬يمكن‭ ‬للاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬أن‭ ‬يظل‭ ‬يتذرع‭ ‬بورقة‭ ‬‮«‬غياب‭ ‬الديمقراطية‮»‬‭ ‬للضغط‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‭ ‬وخاصة‭ ‬منها‭ ‬بلدان‭ ‬العالم‭ ‬الثالث،‭ ‬وهل‭ ‬يمكن‭ ‬للاتحاد‭ ‬الأوربي‭ ‬أن‭ ‬يظل‭ ‬مستمرا‭ ‬فهل‭ ‬يعطي‭ ‬دروساً؟‭ ‬أخيرًا،‭ ‬صدقت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬خمس‭ ‬من‭ ‬المعاهدات‭ ‬الدولية‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬الثماني‭ ‬عشرة‭.‬ إذا‭ ‬كان‭ ‬الغرب‭ ‬عامة،‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬لا‭ ‬يتعامل‭ ‬مع‭ ‬‮«‬الدكتاتوريات‮»‬‭ ‬بنفس‭ ‬الشكل،‭ ‬فإن‭ ‬سلطات‭ ‬واشنطن‭ ‬بدورها‭ ‬تعدل‭ ‬بوصلة‭ ‬تطبيق‭ ‬أنظمة‭ ‬العقوبات‭ ‬الخاصة‭ ‬بها‭ ‬وفقًا‭ ‬للمصالح‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي‭.‬ وهكذا،‭ ‬فقد‭ ‬عمقت‭ ‬الهند‭ ‬تعاونها‭ ‬العسكري‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التوقيع،‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬2018‭ ‬و2020،‭ ‬على‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬العقود‭ ‬بقيمة‭ ‬13‭.‬5‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬ترى‭ ‬واشنطن‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬المفيد‭ ‬تفعيل‭ ‬قانونها‭ ‬الخاص‭ ‬ضد‭ ‬نيودلهي‭ ‬والذي‭ ‬يتعلق‭ ‬باستهداف‭ ‬الدول‭ ‬المنافسة‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬علما‭ ‬بأن‭ ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬قد‭ ‬شرع‭ ‬في‭ ‬واشنطن‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬2017‭ ‬وهو‭ ‬يقضي‭ ‬بمعاقبة‭ ‬أي‭ ‬دعم‭ ‬مباشر‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬مباشر‭ ‬لقطاع‭ ‬الدفاع‭ ‬الروسي‭.‬ يجب‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تتودد‭ ‬إلى‭ ‬نيودلهي‭ ‬على‭ ‬أمل‭ ‬جذبها‭ ‬إلى‭ ‬تحالفها‭ ‬المناهض‭ ‬للصين‭. ‬وفي‭ ‬المقابل،‭ ‬فقد‭ ‬أظهرت‭ ‬وزارة‭ ‬الخزانة‭ ‬الأمريكية‭ ‬قدرًا‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬التساهل‭ ‬تجاه‭ ‬الشركات‭ ‬الأوروبية‭. ‬في‭ ‬عام‭ ‬2019،‭ ‬فرضت‭ ‬الخزينة‭ ‬الأمريكية‭ ‬غرامة‭ ‬على‭ ‬25‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الشركات‭ ‬الأوروبية‭ ‬بمبلغ‭ ‬إجمالي‭ ‬قدره‭ ‬1‭.‬288‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭.‬ في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬سدد‭ ‬بنك‭ ‬ستاندرد‭ ‬تشارترد‭ ‬البريطاني‭ ‬غرامة‭ ‬قدرها‭ ‬657‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭ ‬لخرق‭ ‬الحظر‭ ‬المفروض‭ ‬على‭ ‬إيران‭ ‬كما‭ ‬كتب‭ ‬بنك‭ ‬UniCredit‭ ‬الإيطالي‭ ‬شيكًا‭ ‬بمبلغ‭ ‬611‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭ ‬لنفس‭ ‬الأسباب‭. ‬لعبت‭ ‬العقوبات،‭ ‬التي‭ ‬تستخدمها‭ ‬واشنطن‭ ‬بشكل‭ ‬بسيط‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬مصالحها،‭ ‬دورًا‭ ‬آخر‭ ‬للأوروبيين،‭ ‬داخليًا‭ ‬أكثر‭ ‬منه‭ ‬دوليًا‭.‬ وبالفعل،‭ ‬فإن‭ ‬العقوبات‭ ‬هي‭ ‬‮«‬الأداة‭ ‬القسرية‭ ‬الوحيدة‭ ‬للسياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬المتاحة‭ ‬للاتحاد‭ ‬الأوروبي‮»‬،‭ ‬فهي‭ ‬تحمل‭ ‬بالتالي‭ ‬تهمة‭ ‬رمزية‭ ‬قوية‭ ‬تسمح‭ ‬لدول‭ ‬الاتحاد‭ ‬بالظهور‭ ‬متحدة‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية،‭ ‬وبالتالي‭ ‬تأكيد‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬الوجود‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تدابير‭ ‬ذات‭ ‬محتوى‭ ‬أخلاقي‭ ‬قوي‭.‬ من‭ ‬منطلق‭ ‬الانحياز‭ ‬إلى‭ ‬واشنطن،‭ ‬في‭ ‬الصراع‭ ‬الداخلي‭ ‬بين‭ ‬الرئيس‭ ‬الفنزويلي‭ ‬نيكولاس‭ ‬مادورو‭ ‬ومنافسه‭ ‬المعلن‭ ‬خوان‭ ‬غوايدو‭ ‬استنكرت‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬بصوت‭ ‬واحد‭ ‬‮«‬فرصة‭ ‬ضائعة‭ ‬للديمقراطية‮»‬‭ ‬واعتبرت‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬يستوجب‭ ‬اتخاذ‭ ‬إجراءات‭ ‬تقييدية‭.‬ إلى‭ ‬جانب‭ ‬بعض‭ ‬المسائل‭ ‬المبدئية،‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬دول‭ ‬الاتحاد‭ ‬منقسمة‭ ‬بشأن‭ ‬القضايا‭ ‬الأساسية‭ ‬للأمن‭ ‬والسلام‭. ‬تضغط‭ ‬دول‭ ‬البلطيق‭ ‬وبولندا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬المواجهة‭ ‬السياسية‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭ ‬لأسباب‭ ‬جغرافية‭ ‬وتاريخية،‭ ‬بينما‭ ‬يفكر‭ ‬الألمان،‭ ‬الذين‭ ‬يعتبرون‭ ‬الأكثر‭ ‬براغماتية،‭ ‬في‭ ‬إمدادات‭ ‬الغاز‭ ‬الخاصة‭ ‬بهم‭.‬ في‭ ‬كلمة‭ ‬أمام‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬في‭ ‬15‭ ‬سبتمبر‭ ‬1997،‭ ‬أشارت‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬العقوبات‭ ‬تشكل‭ ‬تدبيرا‭ ‬أخيرًا‭ ‬عندما‭ ‬تفشل‭ ‬مختلف‭ ‬التدابير‭ ‬الأخرى‭.‬ تقول‭ ‬كلير‭ ‬دالي،‭ ‬النائبة‭ ‬في‭ ‬البرلمان‭ ‬الإرلندي‭ ‬والعضو‭ ‬في‭ ‬البرلمان‭ ‬الأوروبي‭: ‬‮«‬إن‭ ‬التدابير‭ ‬القسرية‭ ‬الأحادية‭ ‬الجانب‭ ‬لدبلوماسية‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬تضر‭ ‬بالدبلوماسية‭. ‬هذه‭ ‬أسلحة‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الهيمنة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬منطقية‭ ‬في‭ ‬السياق‭ ‬المتعدد‭ ‬الأقطاب‮»‬‭.‬ رداً‭ ‬على‭ ‬القيود‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالتدخل‭ ‬العسكري‭ ‬الروسي‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬اعتمدت‭ ‬موسكو‭ ‬حظراً‭ ‬على‭ ‬واردات‭ ‬المنتجات‭ ‬الزراعية‭ ‬من‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬وأمريكا‭ ‬الشمالية‭ ‬وأستراليا‭ ‬والنرويج‭.‬ أعطى‭ ‬الأثر‭ ‬الحمائي‭ ‬لهذه‭ ‬الإجراءات‭ ‬دفعة‭ ‬للإنتاج‭ ‬الوطني‭ ‬في‭ ‬روسيا‭. ‬سجلت‭ ‬مبيعات‭ ‬الأعمال‭ ‬الزراعية‭ ‬الأجنبية‭ ‬رقماً‭ ‬قياسياً‭ ‬بلغ‭ ‬30‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2020،‭ ‬أي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الغاز‭ ‬الطبيعي،‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬روسيا‭ ‬مُصدراً‭ ‬صافياً‭ ‬للمنتجات‭ ‬الزراعية‭ ‬،‭ ‬وهي‭ ‬الأولى‭ ‬منذ‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭.‬ في‭ ‬المجال‭ ‬المالي،‭ ‬تسعى‭ ‬روسيا‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬اعتمادها‭ ‬على‭ ‬الدولار‭ ‬وعلى‭ ‬النظام‭ ‬المالي‭ ‬الذي‭ ‬تهيمن‭ ‬عليه‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭. ‬لقد‭ ‬راكم‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭ ‬الروسي‭ ‬احتياطيات‭ ‬كبيرة‭ (‬تعادل‭ ‬ثلث‭ ‬ناتجها‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي‭) ‬لإجهاض‭ ‬أي‭ ‬هجوم‭ ‬على‭ ‬عملتها‭.‬ اعتبارًا‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2018،‭ ‬تخلصت‭ ‬روسيا‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬سندات‭ ‬الخزانة‭ ‬الأمريكية‭ -‬وهي‭ ‬الأولى‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬الناشئة‭- ‬والتي‭ ‬استبدلت‭ ‬جزئيًا‭ ‬بالديون‭ ‬السيادية‭ ‬الصينية‭ (‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬روسيا‭ ‬المشتري‭ ‬الأجنبي‭ ‬الرئيسي‭ ‬لها‭).‬ وبالمثل،‭ ‬تسعى‭ ‬روسيا‭ ‬إلى‭ ‬حماية‭ ‬نظامها‭ ‬المصرفي‭ ‬من‭ ‬زعزعة‭ ‬الاستقرار‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬الغرب‭. ‬أطلقت‭ ‬موسكو‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2015‭ ‬خدمة‭ ‬الرسائل‭ ‬المالية‭ ‬الخاصة‭ ‬بها‭ (‬SPFS‭) ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬بطاقة‭ ‬مصرفية‭ ‬وطنية‭ (‬Mir‭)‬،‭ ‬والتي‭ ‬ستضمن‭ ‬المعاملات‭ ‬داخل‭ ‬البلاد‭ ‬إذا‭ ‬استبعد‭ ‬الغربيون‭ ‬روسيا‭ ‬من‭ ‬Swift‭.‬ في‭ ‬عام‭ ‬2021‭ ‬،‭ ‬حصل‭ ‬87‭%‬‭ ‬من‭ ‬السكان‭ ‬الروس‭ ‬على‭ ‬بطاقة‭ (‬Mir‭) ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تكاد‭ ‬توفر‭ ‬ربع‭ ‬المعاملات،‭ ‬لأن‭ ‬الطبقات‭ ‬الوسطى‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تفضل‭ ‬البطاقات‭ ‬الغربية،‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬استخدامها‭ ‬في‭ ‬الخارج‭. ‬يمكن‭ ‬لموسكو‭ ‬أن‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬دعم‭ ‬بكين‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬‮«‬المجتمع‭ ‬الدولي‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬العقوبات‭ ‬التي‭ ‬شهدت‭ ‬انتشارا‭ ‬كبيرا‭ ‬منذ‭ ‬سقوط‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭.‬ قال‭ ‬نائب‭ ‬السفير‭ ‬الروسي‭ ‬لدى‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬السيد‭ ‬دميتري‭ ‬بوليانسكي،‭ ‬خلال‭ ‬الجلسة‭ ‬التي‭ ‬عقدت‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬6‭ ‬فبراير‭ ‬2022‭: ‬إن‭ ‬‮«‬عقوبات‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬فقط‭ ‬هي‭ ‬قانونية‮»‬‭ ‬وتمثل‭ ‬‮«‬أداة‭ ‬مهمة‭ ‬للرد‭ ‬على‭ ‬التهديدات‭ ‬في‭ ‬العالم‮»‬‭.‬ وعلى‭ ‬نفس‭ ‬المنوال،‭ ‬أعلن‭ ‬السفير‭ ‬الصيني‭ ‬السيد‭ ‬تشانغ‭ ‬جون‭ ‬أن‭ ‬‮«‬العقوبات‭ ‬القسرية‭ ‬الأحادية‭ ‬الجانب‭ (...) ‬تؤدي‭ ‬فقط‭ ‬إلى‭ ‬تفاقم‭ ‬ميزان‭ ‬القوى‮»‬‭.‬ تؤكد‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬موسكو‭ ‬وبكين‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المنابر‭ ‬الدولية‭ ‬مبدأ‭ ‬عدم‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية‭ (‬المادة‭ ‬2‭ ‬من‭ ‬ميثاق‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭). ‬حول‭ ‬هذه‭ ‬النقطة‭ ‬بالذات‭ ‬ظلت‭ ‬الصين‭ ‬ثابتة‭ ‬في‭ ‬التزامها‭ ‬بهذا‭ ‬المبدأ،‭ ‬وهي‭ ‬ترفض‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬الاعتراف‭ ‬بضمّ‭ ‬شبه‭ ‬جزيرة‭ ‬القرم‭.‬ لكن‭ ‬موسكو‭ ‬وبكين‭ ‬لا‭ ‬ترفضان‭ ‬مبدأ‭ ‬العقوبات‭. ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1971،‭ ‬قامت‭ ‬الصين‭ ‬بتقييد‭ ‬علاقاتها‭ ‬التجارية‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تعترف‭ ‬بتايوان‭. ‬من‭ ‬جانبها،‭ ‬علقت‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2015‭ ‬رحلات‭ ‬الطيران‭ ‬‮«‬شارتر‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬تركيا،‭ ‬وأعادت‭ ‬التأشيرات،‭ ‬وفرضت‭ ‬حظرًا‭ ‬على‭ ‬الفواكه‭ ‬والخضراوات‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أسقط‭ ‬الجيش‭ ‬التركي‭ ‬طائرة‭ ‬روسية‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬السورية‭.‬

مشاركة :