تظهر أحدث بيانات وكالة الطاقة الدولية أن العالم يفيض بنحو ثلاثة مليارات برميل من النفط، ما يضع مزيدًا من الضغط على أسعار النفط الخام. وربما تكون السعودية قد أعلنتْ الحرب على النفط الصخري الأمريكي، بيد أن المملكة تواجه تحديات أكبر بكثير من منافسيها، وتحديدًا روسيا وإيران والعراق للاستحواذ على حصص سوقية لإنتاجها النفطي في القارتين آسيا وأوروبا. وبحسب دراسة أوردها موقع زاوية فقد شهدتْ أسعار النفط انخفاضًا ملحوظًا بنسبة 50% منذ يونيو / حزيران 2014 إثر قرار منظمة أوبك بقيادة السعودية، أكبر الدول المُصدِّرة، بعدم خفض إنتاجها النفطي لرفع الأسعار، بل للتركيز بدلاً من ذلك على استبقاء حصتها السوقية. وبحسب مُحلل والاس ويلسون لدراسات الطاقة جيم كرين فقد حققت أسعار النفط المرتفعة الكثير من المستجدات على الساحة، حتى أصبح خفض الإنتاج النفطي السعودي أشبه بعملية انتحار، لكن معركة الاستئثار بالحصص السوقية باتت أكثر احتدامًا بعد الانتعاشة التي شهدها النفط الصخري في الولايات المتحدة ما جعلها تُقلِّل من اعتمادها على وارداتها من النفط. وقد لاحظتْ المملكة انخفاض صادراتها إلى الولايات المتحدة، الأكثر استهلاكًا للنفط عالميًا، إلى نحو مليون برميل يوميًا في أغسطس 2015 بعد أن سجَّلت المعدلات الإنتاجية 1.5 مليون برميل يوميًا عام 2008. وعلى نحوٍ عام، فقد انخفضتْ صادرات مجموعة الدول المُصدِّرة للنفط (أوبك) إلى السوق الأمريكي من 5.4 مليون برميل يوميًا عام 2008 لتهبط إلى 3 ملايين برميل يوميًا فقط في أغسطس من العالم الحالي. الأسواق الآسيوية وفي كلٍ من الصين وكوريا الجنوبية واليابان وتايوان، فقدتْ المملكة حصتها السوقية لصالح روسيا والعراق، بحسب تقرير حديث صادر عن سيتي بنك. ففي عام 2011، كان نصيب كل من روسيا والعراق 5% فقط من قيمة واردات النفط الآسيوية، في حين كانت اليد الُعليا للسعودية إذ هيمنت المملكة على نسبة 27% من الواردات النفطية، بيد أن الحصة السوقية للمملكة انخفضت إلى 23% في حين ارتفع نصيب كل من روسيا والعراق من الحصة السوقية لنسبة 9% لكلٍ منهما. وكتب المُحلل لدى سيتي بنك سيث إم كلاينمان أنّ المملكة شهدت كذلك بعض العراقيل في عمليات تسويق إنتاجها النفطي، ففي الصين، إضافة إلى عامل المنافسة التجارية الشرسة، تظهر ميزة جديدة أمام الدب الروسي بفضل الحجم الهائل لوفرة تمويلات ما قبل التصدير من محافظة تشيبا والمبادلة ثلاثية المحاور والتي تشمل كل من روسيا وكازاخستان والصين، بما يُضيق حلبة التنافس والمساهمة في صعود روسيا لتكون هي المُورِّد الأول. وتتمثل الصعوبات في بيع حصة سوقية إلى السوق الهندي، حيث يسود الاعتماد على شراء الحصص السوقية، ما دفع السعودية لفقد مرتبتها كأكبر مورِّد للنفط إلى الهند، وحتى جهود بيع عقود النفط على أساس التسليم لم تُسهِم في تذييل عقبة الحصص السوقية التي تعترض المملكة. ونظرًا لكونها السوق الإقليمي الأكبر، فقد انخفض السعر الرسمي لبيع النفط السعودي بسبب عملائها، ما دفع منافسيها لخفض أسعار النفط. ويرى سيتي بنك أن موردي الشرق الأوسط يقدمون خصومات تصل إلى 50 سنتًا أمريكيًا للبرميل مقارنةً بالأسعار السعودية. إضافةً لذلك، فإن الشروط الائتمانية القياسية التي تطبقها السعودية والتي تصل لمنح العملاء 30 يومًا كمهلة ائتمانية لا تقارن بتلك الفترة التي تمنحها غيرها من الدول المنافسة، بل وحتى حلفائها من دول التعاون الخليجي والتي تصل من 60 إلى 90 يوما. ماذا عن أوروبا؟ ظهرت المنافسة الشديدة على الحصة السوقية من النفط في أوروبا كذلك، فقد دفع تعدي روسيا على أسواقها التقليدية السعودية وغيرها من الدول الأعضاء في منظمة أوبك إلى اقتحام السوق الأوروبي حيث تسود الهيمنة الروسية على إمدادات النفط في أوروبا. وتظهر بيانات الوكالة الدولية للطاقة أن الواردات النفطية لدول منظمة أوبك في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) قد ارتفعتْ بمقدار مليون برميل يوميًا مقارنة بالعام الماضي في الفترة من يناير إلى يوليو، مع نحو 800 ألف برميل تُمثِّل نصيب العراق من هذه الزيادة. في عقر دار الدب الروسي ويبدو أنّ الدول الأعضاء في منظمة أوبك تعتزم التوغل لما وراء الأراضي الروسية مع وصول الرحلات البحرية السعودية الأخيرة إلى بولندا. وقد ذكرتْ استخبارات الطاقة أن شركة بي. كي. إن- أورلين (أكبر شركة لتكرير النفط في بولندا) أنها في طور عقد محادثات مع شركة أرامكو لإبرام عقد لتوريد النفط هو الأول من نوعه، ما سيُمثِّل صفعةً للدب الروسي المُسيطر على إمدادات النفط لشرق أوروبا. وتعتزم أرامكو تسليم شحنة لشركة تكرير النفط السويدية بريم وهي صفقة البيع الأولى منذ عقدين في واحدة من الأسواق الرئيسية التي تطأها أقدام الدب الروسي. وذكرتْ الوكالة الدولية للطاقة أن اثنتين من أكبر الدول في منظمة أوبك، وهما السعودية والعراق تعتزمان زيادة إمداداتهما النفطية إلى السوق الأوروبي قبل تخفيف العقوبات المفروضة على إيران. يُذكر أنه سبق وأن تم توقيع عقوبة حظر إيران من توريد النفط إلى أوروبا، والتي كانت توِّرد نحو مليون برميل يوميًا من النفط غير النقي المحتوي على نسب مرتفعة من الكبريت، والذي كان يذهب معظمه لمعامل التكرير في منطقة دول حوض البحر المتوسط. وفي الوقت الحالي، تبلغ الإمدادات الإيرانية نحو 100 ألف برميل يوميًا فقط للسوق التركي، بحسب الوكالة الدولية للطاقة. وزعمتْ إيران أنها ليست بحاجة للحصول على تصريح من منظمة أوبك لزيادة إنتاجها النفطي في السوق العالمي بمجرد رفع العقوبات الدولية المفروضة في ظل الاتفاق النووري الذي تم التوصل إليه بين طهران والقوى الدولية. وفي تصريح لوزير الطاقة الروسي أوائل الشهر الحالي أن خير سبيل لتناول حالة عدم التوازن في سوق النفط العالمي هو ترك حالة العرض والطلب لتتعادل على المدى الطويل.
مشاركة :