استهلت أسعار النفط الخام تعاملات الأسبوع على تراجع، بسبب تزايد الإصابات بفيروس كورونا على المستوى العالمي واتساع نطاق الإغلاقات العامة في عديد من الدول ما أدى إلى تنامي المخاوف على الطلب العالمي على النفط الخام والوقود وتزايد حالة عدم اليقين بشأن أداء الاقتصاد العالمي وقدرته على تجاوز الركود الراهن. في المقابل، يكبح الانخفاضات السعرية تأثيرات اللقاحات الجديدة لفيروس كورونا التي تتجه إلى الإنتاج على نطاق واسع خلال الشهور المقبلة وتبدأ من بريطانيا خلال أيام، كما تتلقى الأسعار دعما من اتفاق مجموعة "أوبك +" في اجتماعها الأخير على إجراءات إضافة إنتاجية محدودة للمعروض العالمي مطلع العام المقبل وقدرها 500 ألف برميل يوميا بدلا من 1.9 مليون برميل يوميا التي كان مخططا لها مسبقا. وقال لـ"الاقتصادية"، مختصون ومحللون نفطيون إن المنتجين يتنافسون حاليا بقوة في الحصص السوقية في الأسواق الآسيوية التي تتمتع بطلب قوي وأفضل كثيرا من وضع الطلب في الولايات المتحدة وأوروبا، لافتين إلى أن الطلب القوي من آسيا يعد إحدى النقاط المضيئة القليلة لعام 2020. وذكر المختصون أن استهلاك النفط يواجه ضغوطا انكماشية هائلة حيث تفرض الحكومات في جميع أنحاء العالم قيودا صارمة للغاية للحد من انتشار فيروس كورونا وذلك قبل إطلاق اللقاحات الجديدة المعتمدة على نطاق واسع، متوقعين حدوث مزيد من التنافس في الأسواق بين المنتجين في تحالف "أوبك +" والمنتجين الأمريكيين. وتوقع المختصون أن تشهد سوق النفط أياما أفضل في العام الجديد 2021، لافتين إلى تقديرات لشركة "ريستاد إنرجي" البحثية الدولية ترجح أن يتعافى الطلب على نحو جيد خلال بضعة أشهر، معتبرين أن ضعف الطلب هو العقبة الرئيسة أمام انتعاش الأسواق في المرحلة الراهنة وهي أيضا التي تكبح استمرار تحقيق المكاسب السعرية المتوالية وبالتالي تحد من إنعاش الاستثمارات المستقبلية في الصناعة. وذكر روبرت شتيهرير مدير معهد فيينا الدولي للدراسات الاقتصادية، أن استمرار إصابات الجائحة دفع الأسعار إلى التراجع في بداية الأسبوع وطغى في تأثيره على اللقاحات الجديدة المعتمدة وعلى نجاح اجتماع "أوبك +" في التوافق على زيادة محدودة في الإمدادات لا تسهم في عودة تخمة المعروض العالمي من النفط الخام. وأشار إلى أن الطلب الصيني لا يزال محور اهتمام وتركيز من قبل المنتجين نظرا لكون مستوى أدائه أفضل كثيرا من بقية مستويات الطلب في العالم خاصة في الولايات المتحدة وأوروبا اللتين تعانيان تداعيات الإغلاق العام وضعفا حادا في الاستهلاك، معتبرا أن وضع الاقتصاد العالمي ما زال قاتما. من جانبه، قال ألكسندر بوجل المستشار في شركة "جي بي سي إنرجي" الدولية إن أزمة الوباء غيرت الكثير في نظم المعيشة والعمل في جميع أنحاء العالم خاصة "العمل والاجتماعات عن بعد" وهو ما جعل كثيرين يتخوفون من احتمال أن تكون هذه التغيرات دائمة ونظما معيشية مستقرة وهو ما يهدد بالتالي استهلاك الوقود حتى إن بعض شركات الطاقة الدولية تعكف على دراسة هذه المتغيرات في ظل قلق من احتمال أن استهلاك النفط قد لا ينتعش أبدا إلى المستويات التي شهدها قبل أزمة فيروس كورونا. ولفت إلى أن المنافسة بين المنتجين للنفط الخام في الأسواق الآسيوية تأتي في إطار طبيعي للغاية حيث إنها المنطقة الوحيدة التي تشهد تعافيا قويا وسريعا للطلب العالمي ما جعل منتجي "أوبك +" وأيضا المنتجين الأمريكيين - بعد تعافي الأسعار في الفترة الماضية – يركزون على الحفاظ على حصص كبيرة في الأسواق الآسيوية خاصة بعد تزايد حصة الولايات المتحدة في سوق الصين بعد اتفاقية التجارة المبرمة العام الماضي. من ناحيته، قال بيتر باخر المحلل الاقتصادي ومختص الشؤون القانونية للطاقة إن النفط الخام سيستمر في صدارة مزيج الطاقة على الرغم من التنامي السريع في الاعتماد على موارد الطاقة المتجددة والجديدة وذلك نظرا لارتباط النفط بقطاع النقل بشكل واسع وذلك على الرغم من توقعات بنك "أوف أمريكا" التي تشير إلى زيادة كبيرة في مبيعات السيارات الكهربائية خلال العقد المقبل. وأشار إلى أن أسعار النفط الخام استهلت الأسبوع - على غير المتوقع - على انخفاض جديد بعد سلسلة من المكاسب السابقة التي دفعت الأسعار إلى أعلى مستوى في تسعة أشهر، موضحا أن التراجع جاء بسبب ضعف معنويات المخاطرة في الأسواق العالمية نتيجة اشتداد أزمة الإصابات الجديدة بالجائحة وهو ما أدى أيضا إلى تراجع العقود الآجلة للنفط الخام وضعف الدولار أعلى وتراجع أسواق الأسهم الأوروبية. بدورها، قالت نايلا هنجستلر مدير إدارة الشرق الأوسط في الغرفة الفيدرالية النمساوية إن كبار المنتجين بقيادة السعودية وروسيا واثقون بأن الطلب قوي بما يكفي لامتصاص الزيادة الصغيرة الجديدة في العرض التي أقرها تحالف "أوبك +" أخيرا خاصة أن هناك مؤشرات إيجابية عن وضع وتنافسية الاقتصاد الصيني، مشيرة إلى أن مستقبل أسعار النفط الخام يعتمد بشكل كبير على مدى سرعة طرح لقاحات كورونا التي من المرجح أن تحقق انتشارا جيدا بحلول الربع الثاني من عام 2021. ولفتت إلى أنه على الرغم من أن الزيادة الإنتاجية التي أقرتها "أوبك +" محدودة إلا أن مخاوف تجدد تخمة المعروض النفطي ما زالت قائمة بقوة في ضوء استمرار ليبيا في زيادة الإنتاج بوتيرة سريعة وقياسية. وفيما يخص الأسعار، تراجع النفط أمس من أعلى مستوياتها في أشهر مع استمرار تزايد الإصابات بفيروس كورونا عالميا وتجدد إجراءات الإغلاق، التي شمل أحدثها فرض قيود صارمة في جنوب كاليفورنيا في الولايات المتحدة، أكبر دولة مستهلكة للخام في العالم. وبحسب "رويترز"، انخفضت العقود الآجلة لخام برنت 21 سنتا بما يعادل 0.4 في المائة إلى 49.04 للبرميل بحلول الساعة 7:47 بتوقيت جرينتش، في حين تراجعت عقود خام غرب تكساس الوسيط 25 سنتا أو 0.5 في المائة إلى 46.01 دولار للبرميل. وختم الخامان الأسبوع الماضي على مكاسب للأسبوع الخامس على التوالي. وقال أدوارد مويا، كبير محللي السوق في أواندا، "قلص الخام مكاسبه السابقة من نشر اللقاح بعد أن سجلت مقاطعة لوس أنجلوس ذروة قياسية جديدة لإصابات فيروس كورونا ورفعت كوريا الجنوبية مستوى توخي الحذر". من جانب آخر، ارتفعت سلة خام "أوبك" وسجل سعرها 48.35 دولار للبرميل الجمعة الماضي مقابل 47.46 دولار للبرميل في اليوم السابق. وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" أمس إن سعر السلة التي تضم متوسطات أسعار 13 خاما من إنتاج الدول الأعضاء في المنظمة حقق ثاني ارتفاع له على التوالي، كما أن السلة كسبت نحو دولارين مقارنة باليوم نفسه من الأسبوع الماضي الذي سجلت فيه 46.79 دولار للبرميل.
مشاركة :