يتجاهل رئيس الحكومة الليبية المكلف فتحي باشاغا مساعي رئيس الحكومة المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة للبقاء في السلطة، ويتحرك وفقا لخطته التي وضعها رغم الاستفزازات التي يتعرض لها، لاسيما تغيير مجلس الدولة لموقفه من تغيير الحكومة لصالح الدبيبة. وأعلن المكتب الإعلامي لباشاغا الانتهاء من وضع التشكيلة الحكومية وإحالتها إلى مجلس النواب، وذلك عقب ساعات على تصويت مجلس الدولة ضد تغيير الحكومة، ما يعني موافقة ضمنية على استمرار الدبيبة. وأشار مكتب باشاغا في بيان إلى أن الأمر جاء بعد مشاورات موسعة مع جميع الأطراف السياسية، والتواصل مع مجلسي النواب والأعلى للدولة، والاطلاع على العديد من المقترحات بشأن تشكيل الحكومة وفق معايير الكفاءة والقدرة وتوسيع دائرة المشاركة الوطنية. وقال البرلمان الليبي الخميس إنه سيعقد جلسة الأسبوع المقبل من المرجح أن يصوت خلالها على تأكيد حكومة مؤقتة جديدة. ويقول مراقبون إن باشاغا يتعامل مع تحركات الدبيبة على أنها مجرد تشويش سيتخلص منه في الوقت المناسب، غير مستبعدين اللجوء إلى القوة عند الضرورة. ولا يستبعد هؤلاء تكرار سيناريو عملية دخول حكومة الوفاق في 2016 إلى طرابلس، حيث رفضت حكومة الإنقاذ حينئذ برئاسة خليفة الغويل تسليم السلطة، وهو ما أدى إلى اندلاع بعض المناوشات التي استمرت أياما، قبل أن تسيطر الحكومة الجديدة على زمام الأمور. هدوء باشاغا يعود لثقته في قوته سياسيا وعسكريا، حيث تسانده مجموعات مسلحة مهمة غرب البلاد بالإضافة إلى دعم الجيش ويستند المراقبون في قراءتهم على معطى مهم، يتمثل في أن نفس الجهات التي كانت حينئذ تدعم حكومة الغويل تدعم اليوم حكومة الدبيبة، والمتمثلة في التيار الإسلامي المتطرف الذي يقدم نفسه كمدافع أول على “الثورة”، والذي ينتمي أغلب أعضائه إلى ما كان يسمى سابقا بالجماعة الليبية المقاتلة. ويرفض هذا التيار أي تقارب مع الشرق، في حين دعم الإخوان “حزب العدالة والبناء” الذي تفكك الآن وتشكل بدلا منه “الحزب الديمقراطي” برائاسة محمد صوان الذي يدعم تغيير حكومة الدبيبة. ويرى هؤلاء أن هدوء باشاغا يعود بالأساس لثقته في قوته سواء سياسيا أو عسكريا، حيث تسانده مجموعات مسلحة مهمة غرب البلاد سواء من مصراتة أو طرابلس، بالإضافة إلى دعم الجيش بقيادة المشير خليفة حفتر له. كما تحظى مساعي البرلمان لتشكيل حكومة جديدة بدعم إقليمي ودولي واضح من روسيا ومصر، في حين ينظر إلى الحياد التركي والأميركي على أنه دعم غير مباشر، لاسيما بعد موقف المستشارة الأممية ستيفاني ويليامز التي اتهمها الدبيبة بالانحياز. وقوبل قرار مجلس الدولة رفض تغيير الحكومة ببرود من قبل البرلمان وأعضائه، الذين أكدوا أن القرار لن يكون له أي تأثير على مسار تشكيل الحكومة الجديدة. وقال عضو مجلس النواب عزالدين قويرب إن مواقف مجلس الدولة الاستشاري المنزوعة بالقوة والإكراه والتهديد في طرابلس مثلها مثل سوابق حكم المحكمة المنتزع بالقوة والتهديد؛ لا حجية ولا قيمة قانونية ولا سياسية لها، ولن تؤثر على مسار التوافق الوطني. وأضاف قويرب في منشور له عبر صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك أن “تشاور لجان مجلس الدولة ورئاسته حاصل ومثبت بكل الوسائل وليس مطلوبا منه كجسم غير ذلك، ولا معنى للتصويت فيه إلا كونه مجرد عمل تنظيمي داخلي لايعنينا”. اقرأ أيضاً: الدبيبة يقدّم خارطة طريق نحو فوضى سياسية أكبر ورأى عضو مجلس النواب عيسى العريبي أن رفض مجلس الدولة الاستشاري للتعديل الدستوري ستكون له آثار سلبية على عملية التوافق التي حصلت مؤخرا بين مجلسي النواب والأعلى للدولة، لكنه استبعد أن يؤثر على مسار تشكيل الحكومة. وقال العريبي لوكالة سبوتنيك الروسية الجمعة “إن ما قام به مجلس الدولة في جلسته المنعقدة الخميس برفضه ما توافقت عليه لجنتا البرلمان والدولة، في ما يتعلق بالتعديل الدستوري أو اختيار رئيس حكومة جديد بناء على تزكيات أكثر من 50 عضوا من مجلس دولة، نقض لما تم الاتفاق عليه بين اللجنتين”. وأضاف العريبي “لن يؤثر من الناحية القانونية على منح الثقة للحكومة في الجلسة المحددة لذلك، وإنه ستكون له آثار سلبية على عملية التوافق التي حصلت مؤخرا بين المجلسين، وكنا نأمل في توسيع دائرة التوافق بعد منح الثقة للحكومة ليشمل استحقاقات أخرى”. ووصلت الانشقاقات بشأن تغيير الحكومة إلى حكومة الدبيبة نفسها، حيث أعلن وزير النفط والغاز محمد عون تأييده لقرار البرلمان. وقال عون إن مجلس النواب الشرعي أصدر قرارا باختيار رئيس حكومة جديد، و”علينا احترامه بأي شكل”. وأضاف عون، في حديث لوكالة “بلومبيرغ”، أن رئيس الوزراء الجديد سيعرض توصية بالحقائب الوزارية الأسبوع المقبل، مرجحا في الوقت نفسه أنه “لن يتصاعد الوضع إلى القتال”، في إشارة إلى الخلاف حول تغيير حكومة الوحدة، مع رفض رئيسها عبدالحميد الدبيبة تسليم السلطة إلا لحكومة منتخبة. وردا على سؤال بشأن مخاوف من اندلاع العنف وتأثيره على تصدير النفط أو إنتاجه، أجاب عون “لا ينبغي، أعتقد أننا تعلمنا تجربة مفادها أن ثروة ليبيا تأتي من النفط والغاز بشكل أساسي، لذلك يجب على كل طرف احترامها وإبعادها عن الصراع”.
مشاركة :