للمرة الثانية تفشل أوكرانيا ومن ورائها الدول الغربية بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية في معالجة المسألة الأوكرانية التي تصاعدت حدتها تباعا خلال السنوات الماضية حيث أدى الصراع الداخلي المحتدم بين القوميين الأوكرانيين المتطرفين «الذين يسمون أحيانا بالنازيين الجدد» وبين الأوكرانيين من أصول روسية في الأقاليم الشرقية وتحديدا في مقاطعتي دانيسك ولوغانس من إقليم الدنباس ما أدى لاحقا إلى استرجاع روسيا لشبه جزيرة القرم في إطار تصحيح الوضع الذي قام أثناء الاتحاد السوفيتي السابق وأدت لاحقا أيضا إلى قيام إعلان استقلال مقاطعتي دانيسك ولوغانس بعد استحالة التعايش مع النظام الخاضع للمتطرفين الأوكرانيين وانتهى هذا الموضوع مؤخرا بإعلان روسيا الاعتراف بهاتين الجمهوريتين وتوقيع اتفاق تعاون وصداقة مع روسيا شاملة التعاون العسكري أيضا. وبذلك فشلت الحكومة الأوكرانية وأتباعها من الغرب فشلا ذريعا في معالجة هذه الأزمة لأنها استجابت لضغطين داخلي وخارجي: أولا: الضغط الداخلي والصادر عن القوميين الأوكرانيين الذين ناصبوا روسيا العداء ليس من الآن فقط بل منذ الحقبة السوفيتية والدليل على ذلك أن الجزء الأكبر منهم وصلت بهم الكراهية والحقد إلى التحالف مع الجيش النازي الألماني خلال الحرب الوطنية العظمى أيام الحرب العالمية الثانية عندما حاول هتلر احتلال الاتحاد السوفيتي. هذه الكتلة «النازية» مازالت إلى اليوم مؤثرة وقوية وفاعلة وتفرض إرادتها على حكومة كييف بشكل واضح في استعداء روسيا وتهديد أمنها واستقرارها ومن مظاهر هذه الاستجابة للقوى المتطرفة ما حدث في الإقليم الشرقي من تنكيل غير مسبوق للناطقين بالروسية فيه بالرغم من أنهم مواطنون أوكرانيون. هذه التصرفات والضغوط هي التي عززت المواقف السلبية تجاه روسيا وحكومتها الاتحادية إلى درجة العمل على التحالف مع حلف الأطلسي في مسعى حثيث لضم أوكرانيا لهذا الحلف ليس للدفاع عن أمن أوكرانيا واستقرارها لأنها ليست مهددة أصلا من روسيا وإنما لتهديد وتخويف روسيا الاتحادية وتكديس الأسلحة الاستراتيجية على حدودها. الثاني: الضغط الخارجي الذي يتمثل في السعي الأمريكي خاصة والغربي عامة إلى الضغط على روسيا وابتزازها وخلط الأوراق بحيث تعجز روسيا عن استكمال علاقاتها الاقتصادية مع الدول الغربية خاصة في مجال تزويد الاتحاد الأوروبي بالغاز الروسي وذلك بهدف تعطيل تحول روسيا إلى قوة دولية عظمى على شاكلة الاتحاد السوفيتي السابق ولذلك فإن هذا التكتل الأطلسي الغربي بدأ ينظر إلى روسيا منذ سنوات وتحديدا منذ وصول فلاديمير بوتين إلى الحكم الذي تمكن خلال سنوات قليلة من إحياء القوة الروسية وتطوير إمكانياتها الاقتصادية والعسكرية والعلمية على نحو سريع ولافت بحيث تحولت روسيا الاتحادية خلال العقدين الماضيين من حكم بوتين إلى قوة اقتصادية وعسكرية وعلمية ضاربة لا تقل أهمية وقوة عن الولايات المتحدة الأمريكية والصين. كما استطاعت روسيا خلال سنوات قليلة أن تعود إلى الساحة الدولية بقوة وأن تصبح مؤثرة وفاعلة خاصة بعد الضربات التي تلقتها منذ سقوط العراق وليبيا والتوجه إلى إسقاط روسيا إذ تنبهت روسيا إلى المؤامرة الكبرى التي تجرى بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها لمحاصرة روسيا ومنع تطورها واستعادتها لقوتها ولفاعليتها في التأثير في السياسة الدولية سواء في مجال الطاقة التي أصبحت فيها روسيا مؤثرة وفعالة خاصة بعد التنسيق مع دول أوبك أو من خلال تطوير السلاح الروسي بشكل قوي ليتحول خلال السنوات الأخيرة إلى سلاح منافس للأسلحة الأمريكية والأوروبية في سوق السلاح العالمي والدليل على ذلك أن العديد من دول العالم أصبحت تتجه نحو سوق السلاح الروسي. وإذا جمعنا النقطتين السابقتين والأهداف المعلنة وغير المعلنة من ورائها أدركنا طبيعة الموقف الروسي وراء الأفعال الروسية السياسية والعسكرية حيث من الواضح أن روسيا الاتحادية في موقف دفاع شرعي عن أمنها واستقرارها وأمن مواطنيها وإنها ليست دولة عدوان أو استعمار أو تحاول استعادة الأمبرطورية السوفيتية مثلما تشيع الصحافة الأمريكية والغربية بل هي في حالة دفاع شرعي لأن كل ما تطلبه روسيا من أوكرانيا والغرب عدم توسيع نطاق حلف الناتو بضم أوكرانيا خاصة بعد أن ضم هذا الحلف العديد من دول المعسكر الاشتراكي والجمهوريات السوفيتية السابقة حيث شكلت هذه الدول توسعا يحاصر روسيا من كل الاتجاهات ولكي يكتمل هذا القوس تريد الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي أن تنضم أوكرانيا إلى هذا القوس لوضع الأسلحة والصواريخ الاستيراتيجية وحتى النووية على الحدود الروسية لتهديد أمنها واستقرارها. ماذا استفادت أوكرانيا من كل هذه الضوضاء؟ إن أوكرانيا خسرت المعركة سياسيا ودبلوماسيًا إضافة إلى أنها سوف تخسر المعركة عسكريا خاصة مع الجمهوريتين الجديدتين بعد أن جاء الرد الروسي ساحقا وسريعا ولن يكون حلف الناتو قادرا على مواجهة هذه العاصفة.
مشاركة :