لماذا فشلت أوروبا في حل الأزمة الأوكرانية؟

  • 4/4/2022
  • 01:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

مصلحة‭ ‬حلف‭ ‬الناتو،‭ ‬أي‭ ‬مصلحة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الحلف‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬الروسية‭. ‬إنه‭ ‬مشروع‭ ‬حرب‭ ‬من‭ ‬البداية‭ ‬يتناقض‭ ‬مع‭ ‬مصلحة‭ ‬أوروبا‭ ‬في‭ ‬السلام‭.‬ بغباء‭ ‬وبشعور‭ ‬معذب‭ ‬بالتبعية‭ ‬فشلت‭ ‬أوروبا‭ ‬في‭ ‬منع‭ ‬الكارثة‭ ‬الأوكرانية‭ ‬من‭ ‬الوقوع‭. ‬لقد‭ ‬تم‭ ‬التخطيط‭ ‬لذلك‭ ‬الفشل‭. ‬اندفعت‭ ‬أوروبا‭ ‬بطريقة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬معها‭ ‬أن‭ ‬تتفادى‭ ‬الوقوع‭ ‬في‭ ‬الفخ‭ ‬الأمريكي‭. ‬ومع‭ ‬السقوط‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الفخ‭ ‬كان‭ ‬الفشل‭ ‬محتما‭. ‬ولكن‭ ‬أما‭ ‬كان‭ ‬أمام‭ ‬أوروبا‭ ‬أن‭ ‬تتبع‭ ‬طريقة‭ ‬أخرى‭ ‬لمعالجة‭ ‬المسألة‭ ‬الأوكرانية‭ ‬لتمنع‭ ‬الكارثة‭ ‬وتنهي‭ ‬سوء‭ ‬الفهم‭ ‬بشكل‭ ‬إيجابي؟‭ ‬ربما‭ ‬اعتقد‭ ‬الأوروبيون‭ ‬أن‭ ‬الأسلوب‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬روسيا‭ ‬سينجو‭ ‬بأوكرانيا‭ ‬من‭ ‬العقاب‭ ‬الروسي‭. ‬وحين‭ ‬صدموا‭ ‬بأن‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬حقيقيا‭ ‬فإنهم‭ ‬ركبوا‭ ‬رؤوسهم‭ ‬وقطعوا‭ ‬الاتصال‭ ‬بروسيا‭ ‬ولم‭ ‬يتعاملوا‭ ‬مع‭ ‬المسألة‭ ‬الأوكرانية‭ ‬بأنها‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬الأمن‭ ‬الأوروبي‭ ‬وليس‭ ‬ثمة‭ ‬ما‭ ‬يهدد‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬تداعياتها‭.‬ لقد‭ ‬أدخلت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أوروبا‭ ‬كلها‭ ‬في‭ ‬قفص‭ ‬العداء‭ ‬لروسيا‭. ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬نصرا‭ ‬لها،‭ ‬ليس‭ ‬على‭ ‬روسيا،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬أوروبا‭. ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬زعماء‭ ‬كبار‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬ليسوا‭ ‬على‭ ‬شاكلة‭ ‬البريطاني‭ ‬بوريس‭ ‬جونسون‭ ‬والفرنسي‭ ‬إيمانويل‭ ‬ماكرون‭ ‬لما‭ ‬ارتكبت‭ ‬ذلك‭ ‬الخطأ‭ ‬ولكانت‭ ‬قد‭ ‬ميزت‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬مصالح‭ ‬الناتو‭ ‬في‭ ‬القوة‭ ‬الدفاعية‭ ‬ومصالحها‭ ‬في‭ ‬السلام‭ ‬والحياة‭ ‬المشتركة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تستبعد‭ ‬روسيا‭ ‬من‭ ‬منافعها‭. ‬فروسيا‭ ‬هي‭ ‬الجار‭ ‬الأوروبي‭ ‬المباشر‭ ‬الذي‭ ‬يلزم‭ ‬التفاهم‭ ‬والتعايش‭ ‬معه‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬تقريب‭ ‬وجهات‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يخص‭ ‬الأمن‭ ‬الأوروبي‭. ‬ولأن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بعيدة‭ ‬جغرافيا‭ ‬عن‭ ‬تداعيات‭ ‬الكارثة‭ ‬الأوكرانية‭ ‬كان‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬الأوروبيين‭ ‬أن‭ ‬يضعوا‭ ‬مسافة‭ ‬بين‭ ‬قرارهم‭ ‬والقرار‭ ‬الأمريكي‭.‬ ولكن‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬جرى‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أن‭ ‬أوروبا‭ ‬كانت‭ ‬منومة‭ ‬مغناطيسيا‭ ‬ومسيرة‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬لا‭ ‬إرادة‭ ‬لها‭ ‬فيها‭. ‬وهي‭ ‬الطريق‭ ‬التي‭ ‬صنعتها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لاستعادة‭ ‬أيام‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬التي‭ ‬ظن‭ ‬الجميع‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬عودة‭ ‬إليها‭ ‬بعد‭ ‬انهيار‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬وتحرر‭ ‬دول‭ ‬أوروبا‭ ‬الشرقية‭ ‬من‭ ‬الشيوعية‭. ‬بل‭ ‬إن‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬انتقل‭ ‬إلى‭ ‬الفلك‭ ‬الأمريكي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬انتمائها‭ ‬إلى‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬وقبله‭ ‬إلى‭ ‬أوروبا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬انتمائها‭ ‬إلى‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭. ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬خيارا‭ ‬روسيا‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬روسيا‭ ‬اختارت‭ ‬أن‭ ‬تتعامل‭ ‬بحيطة‭ ‬وحذر‭ ‬مع‭ ‬الفكرة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬الاستفراد‭ ‬بالعالم‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬مبدأ‭ ‬القطب‭ ‬الواحد‭ ‬المتعالي‭ ‬على‭ ‬الآخرين،‭ ‬تكريسا‭ ‬لنظرية‭ ‬الانتصار‭ ‬عليهم‭.‬ وإذا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نعود‭ ‬إلى‭ ‬الماضي‭ ‬القريب،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬إن‭ ‬الطرف‭ ‬الأمريكي‭ ‬قد‭ ‬انتصر‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬يطلق‭ ‬رصاصة‭ ‬واحدة،‭ ‬ولكن‭ ‬روسيا‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬هي‭ ‬الطرف‭ ‬الخاسر‭. ‬لم‭ ‬ترث‭ ‬روسيا‭ ‬مشكلات‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬كلها‭. ‬لقد‭ ‬اهتمت‭ ‬بشأنها‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬ترغب‭ ‬في‭ ‬الانغلاق‭ ‬على‭ ‬نفسها‭ ‬حتى‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬مؤهلة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬غيرها‭ ‬للانتماء‭ ‬إلى‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬ولو‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬قد‭ ‬حصل‭ ‬فإن‭ ‬أوروبا‭ ‬سيكون‭ ‬لها‭ ‬شأن‭ ‬آخر‭. ‬لذلك‭ ‬دخلت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بعنف‭ ‬إلى‭ ‬المسألة‭ ‬الأوكرانية‭ ‬وحرضت‭ ‬الزعيم‭ ‬الأوكراني‭ ‬على‭ ‬المضي‭ ‬في‭ ‬شغبه‭ ‬المراهق‭. ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬الحدث‭ ‬السيء‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬تدرك‭ ‬أبعاده‭ ‬أوروبا‭. ‬وكما‭ ‬أرى‭ ‬فإن‭ ‬أوروبا‭ ‬قد‭ ‬أصيبت‭ ‬بغيبوبة‭ ‬حين‭ ‬استسلمت‭ ‬لمعالجة‭ ‬الأمريكيين‭ ‬للمسألة‭ ‬الأوكرانية‭. ‬ولو‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬كذلك‭ ‬لما‭ ‬وقعت‭ ‬الحرب‭ ‬ولكانت‭ ‬أوروبا‭ ‬هي‭ ‬الطرف‭ ‬المعتدل‭ ‬الذي‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬نزع‭ ‬فتيل‭ ‬الأزمة‭.‬ أما‭ ‬حين‭ ‬وقعت‭ ‬الحرب‭ ‬فإن‭ ‬أوروبا‭ ‬كانت‭ ‬أول‭ ‬الخاسرين‭. ‬لم‭ ‬تخسر‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬شيئا‭. ‬غيرت‭ ‬الحرب‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭. ‬لم‭ ‬يصدق‭ ‬الأوروبيون‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تقع‭ ‬داخل‭ ‬قارتهم‭. ‬لقد‭ ‬اعتادوا‭ ‬أن‭ ‬تقع‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬بعيد‭ ‬يتعرفون‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬خرابه‭. ‬أما‭ ‬أن‭ ‬يقع‭ ‬الخراب‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬أوروبية‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬حدث‭ ‬يعيدهم‭ ‬إلى‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬طي‭ ‬صفحتها‭. ‬لقد‭ ‬اكتشف‭ ‬الأوروبيون‭ ‬يومها‭ ‬أن‭ ‬مصيرهم‭ ‬يتم‭ ‬التلاعب‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الأزمة‭ ‬الأوكرانية‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬أزمة‭ ‬أوروبية‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬قد‭ ‬اتخذت‭ ‬منها‭ ‬سببا‭ ‬للحرب‭ ‬على‭ ‬روسيا‭. ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬أوروبا‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬الحرب‭. ‬هي‭ ‬حرب‭ ‬لا‭ ‬تخدمها‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬تخدم‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وهي‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬مناخات‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭. ‬وهي‭ ‬مناخات‭ ‬كانت‭ ‬أوروبا‭ ‬قد‭ ‬تحررت‭ ‬منها‭ ‬ونسيتها‭.‬ لقد‭ ‬ساهمت‭ ‬أوروبا‭ ‬في‭ ‬تعقيد‭ ‬المسألة‭ ‬الأوكرانية،‭ ‬غير‭ ‬أنها‭ ‬اليوم‭ ‬تجد‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬استحقاقات‭ ‬الكارثة‭ ‬فيما‭ ‬تقف‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬متفرجة‭ ‬وهي‭ ‬تراقب‭ ‬المشهد‭ ‬من‭ ‬بعيد‭. ‬ليس‭ ‬مهما‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬أوروبا،‭ ‬بل‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬توضع‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬يحتله‭ ‬باعتباره‭ ‬عدوا‭. ‬التضحية‭ ‬بشعب‭ ‬أوكرانيا‭ ‬ستكون‭ ‬وسيلة‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬الهدف‭.‬ أوروبا‭ ‬التي‭ ‬أخطأت‭ ‬في‭ ‬حل‭ ‬الأزمة‭ ‬الأوكرانية‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬خانت‭ ‬نفسها‭ ‬حين‭ ‬وضعت‭ ‬أمنها‭ ‬في‭ ‬غرفة‭ ‬العمليات‭ ‬العسكرية‭ ‬الأمريكية‭.‬ } كاتب‭ ‬عراقي

مشاركة :