في قصيدته ذائعة الصيت التي لا أدري هل يعرفها جيلنا اليوم، وهل مرّت بهم في مناهجهم الدراسية، أم لا؟ يقول شاعر العصر العباسي أبوتمام: «السَيفُ أَصدَقُ أَنباءً مِنَ الكُتُبِ/ في حَدِّهِ الحَدُّ بَينَ الجِدِّ وَاللَعِبِ»، وأذكر منها حفظاً الكثير من الأبيات التي كانت مقررة علينا ضمن منهاج اللغة العربية، وكنّا نسمّعها لبعضنا قبل أن ندخل الفصل الدراسي كي لا نُواجه بغضب شديد من معلمتنا التي نُحب، هذه القصيدة عنّت على بالي ونحنُ نعيش مشاهد تراجع فيها القلم، ويكاد السيف أن يندثر في زمن الطائرات عابرة المدى، وأسلحة الدمار الشامل. وفي ظل تلك الحيرة واللحظة التي ألقت بظلال التفكير الممعن فيما يحدث حولنا دار في عقلي أكثر من سؤال، ترى هل نحنُ في أيامنا هذه نعيش زمن السيف والقلم؟ وأيهما أمضى حداً من الآخر؟ وهل السيف والقلم وجهان لعملة واحدة؟ أم أن هناك اختلافاً في المضمون، وفي الأثر، وأيهما في ظل الأوضاع الراهنة أصدق أنباءً من الآخر؟ وهل نحن في معرض المفاضلة بينهما والزمان ليس هو الزمان، والشاعر ليس هو الشاعر، والمرحلة اختلفت تماماً، وتغيّر مسارها، وصارت رحلة الإنسان نحو الحياة محفوفة بالعديد من المتغيرات؟ تلك الأسئلة ليست وليدة اللحظة، بل هي مستمرة لأن ما يحدث أضاع حتى دور القلم، وليس السيف وحده الذي لم نعُد نشاهده إلّا في المناسبات التي تؤدى فيها العروض الفنية التقليدية كالرزفة والعرضة، ذلك أنه يرمز للقوة والرفعة والشجاعة، أما القلم فبالرغم من أن الأسواق تضج بأشكال عجيبة وغريبة للأقلام، وبأسعار متفاوتة بين الأعلى والأدنى سعراً، إلاّ أن دوره هو الآخر بدأ يتراجع في زمن التكنولوجيا الحديثة، كما تغيّر دور وفكر بعض الذين يحملونه، وتبدّلت الحياة من حولهم كثيراً. إذن السيف أصبح مجرد عنصر من عناصر التراث، والقلم صار عبارة عن فأرة صغيرة تقبع فوق سطح ناعم بلا تعرجات أو سطور أو علامات ترقيم وحروف جر، دون أن يُسمع له صرير، أو يُسمع للسيف صليل أو للخيل صهيل، لقد تغيرت الأدوار وصار لكل زمان صوته، ويده، وأقلامه، وأدواته، ولأن الحياة لا تسير على وتيرة واحدة فإن نبض الوقت في تحوّل دائم، ودقّات الساعة تمضي نحو التجدد والشراسة في سرعة الحركة من زمن إلى زمن، إلى زمن، وتصير الأشياء غريبة عنّا، ونحن غرباء في عالمها المتشّح بالتحولات الكبرى، في البُنى، وفي الفكر والحياة، وفي الإنسان من الداخل وهنا مكمنُ الخطر.
مشاركة :