موسكو - غادر الوفدان الروسي والأوكراني قاعة المفاوضات مساء الاثنين بعد محادثات استمرت ست ساعات. وعاد كل منهما إلى بلده لإجراء مشاورات في عاصمة كلّ منهما، بعد أن اتفقا على إجراء جولة ثانية من المحادثات، حسبما أعلن الطرفان من دون احراز تقدم كبير في أول جولة يعقدانها منذ الغزو الروسي لأوكرانيا. وقال ميخايلو بودولياك أحد المفاوضين الأوكرانيين ومستشار الرئيس الأوكراني، إن "الطرفين حددا سلسلة أولويات ومواضيع تتطلب بعض القرارات" قبل إجراء جولة ثانية من المفاوضات، فيما أشار نظيره الروسي فلاديمير ميدينسكي إلى أن اللقاء الجديد سيحصل "قريبا" على الحدود البولندية البيلاروسية. وأضاف أن كلا الجانبين حددا جملة من المسائل التي تحتاج إلى اتخاذ قرارات بشأنها. وقد وقد تواصلت المحادثات بين الوفدين عند توقيت الظهيرة بعد توقفها، في ظل مواصلة روسيا هجماتها للسيطرة على المدن الرئيسية في أوكرانيا. و كان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قد أعرب عن شكوكه حيال جدوى مفاوضات السلام الجارية مع روسيا على الحدود الأوكرانية البيلاروسية. وكانت أوكرانيا قد رفعت مع بداية المفاوضات الاثنين من سقف مطالبها وزادت على مطلب الانسحاب من أراضيها التي دخلتها روسيا في الغزو الأخير، انسحابا من جزيرة القرم التي ضمتها روسيا في العام 2014. ونقلت وسائل الإعلام الأوكرانية عن مكتب الرئيس فولوديمير زيلينسكي قوله، إن الوفد الأوكراني في المحادثات طالب بانسحاب جميع القوات الروسية من أراضي أوكرانيا بما في ذلك القرم ودونباس. وكانت المحادثات قد بدأت بهدف وقف فوري لإطلاق النار وانسحاب القوات الروسية بعد بطء التقدم الروسي بشكل أكبر مما توقعه البعض. وأبدت القوات الأوكرانية صمودا كبيرا في مواجهة زحف القوات الروسية من كل الاتجاهات وفي أكثر من منطقة، ما أثار دهشة قوى غربية وحيرة موسكو التي اندفعت بثقل عسكري هائل حتى أن الاستخابارات الأميركية رجحت قدرتها على احتلال العاصمة كييف في غضون 48 ساعة. لكن الواقع على الأرض كان مختلفا تماما مع إقرار وزارة الدفاع الروسية بمقتل عددا لم تحدده من جنودها وإصابة آخرين ووقوع البعض في الأسر، فيما كان الجانب الأوكراني يتحدث عن مقتل ما لا يقل عن 2800 جندي روسي في اليومين الأولين للغزو. ودخل الجانبان في حرب إعلامية ونفسية هي نتاج طبيعي للمواجهة الدائرة على الأرض بعيدا نسبيا عن التغطية الإعلامية بحيث يصعب التأكد من صحة تلك الأنباء عن سقوط قتلى من الجانبين. وقد بدأ الوفدان الروسي والأوكراني الاثنين أول محادثات بينهما منذ أمر الرئيس فلاديمير بوتين قواته بغزو أوكرانيا الأسبوع الماضي كما أفادت وكالة الأنباء البيلاروسية 'بلتا'. وقالت الوكالة إن "روسيا وأوكرانيا تجريان أولى المحادثات"، حيث يرأس مستشار الكرملين فلاديمير ميدينسكي الوفد الروسي فيما يرأس الوفد الأوكراني وزير الدفاع أوليكسي ريزنيكوف الذي حضر بلباسه العسكري. وقال وزير خارجية بيلاروس فلاديمير ماكيي عند استقبالهما "يمكنكما أن تشعرا بالأمان بالكامل". وكان الكرملين قال عبر الناطق باسمه دميتري بيسكوف إنه لا يريد "الكشف" عن موقفه خلال هذه المفاوضات التي "يجب أن تجري بصمت". وقالت الرئاسة الأوكرانية الاثنين إنه بالنسبة لكييف فإن "المسألة الأساسية هي التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار وسحب القوات الروسية من الأراضي الأوكرانية". وتجري المحادثات في أحد مقار الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشنكو على الحدود الأوكرانية-البيلاروسية في منطقة غوميل بالقرب من محطة تشيرنوبيل النووية الواقعة في الأراضي الأوكرانية والتي شهدت حادثا في الماضي. كما تجري فيما يواجه الهجوم الروسي الذي أطلق في 24 فبراير/شباط بمقاومة من الجيش الأوكراني وفي وقت فرض فيه الغرب عقوبات غير مسبوقة على الاقتصاد الروسي. ولم يتضح ما إذا كان في الإمكان تحقيق تقدم بعد أن شن بوتين يوم الخميس الماضي أكبر هجوم على دولة أوروبية منذ الحرب العالمية الثانية ووضع قوات الردع النووية الروسية في حالة تأهب قصوى أمس الأحد في مواجهة وابل من الأعمال الانتقامية بقيادة الغرب. ورحبت الحكومة الألمانية بشكل مبدئي ببدء المفاوضات بين الوفدين. وقال المتحدث باسم الحكومة الألمانية شتيفن هيبيشترايت اليوم الاثنين إن الحلول الدبلوماسية هي دائما الحلول المنطقية الوحيدة، لكنه أضاف أنه يعرف في الوقت نفسه بالطبع أن المحادثات ستكون صعبة للغاية ويمكن أن تطول. وقالت وكالة إنترفاكس للأنباء اليوم الاثنين إن القوات الروسية سيطرت على مدينتين صغيرتين في جنوب شرق أوكرانيا والمنطقة المحيطة بمحطة للطاقة النووية، لكنها واجهت مقاومة قوية في مناطق أخرى مع تزايد عزلة موسكو الدبلوماسية والاقتصادية. وقالت السلطات الأوكرانية إنه سُمع دوي انفجارات قبل فجر اليوم الاثنين في العاصمة كييف وفي مدينة خاركيف بشرق البلاد، مضيفة أنه تم صد محاولات القوات البرية الروسية للاستيلاء على مراكز حضرية. ونقلت وكالة إنترفاكس عن وزارة الدفاع الروسية قولها إن قواتها سيطرت على بلدتي بيرديانسك وإنرهودار بجنوب شرق أوكرانيا وكذلك المنطقة المحيطة بمحطة زاباروجيا للطاقة النووية، مؤكدة أن عمليات المحطة استمرت بشكل طبيعي. ونقلت الوكالة عن أوكرانيا نفيها سيطرة روسيا على المحطة النووية. وقال بافلو كيريلينكو، رئيس إدارة دونيتسك الإقليمية على التلفزيون اليوم الاثنين إن معارك دارت حول مدينة ماريوبول الساحلية الأوكرانية طوال الليل، لكنه لم يذكر ما إذا كانت القوات الروسية قد كسبت أو خسرت أي أرض أو يقدم أي أرقام للضحايا. وقالت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليت اليوم الاثنين إن ما لا يقل عن 102 مدنيا لقوا حتفهم وأصيب 304 آخرون في أوكرانيا منذ أن شنت روسيا غزوها يوم الخميس الماضي لكن هناك مخاوف من أن يكون الرقم الحقيقي "أعلى بكثير". وأضافت في كلمة خلال الجلسة الافتتاحية لمجلس حقوق الإنسان في جنيف أن نحو 422 ألف أوكراني فروا من وطنهم مع نزوح عدد أكبر داخل أوكرانيا. وقال مسؤول دفاعي أميركي كبير إن روسيا أطلقت أكثر من 350 صاروخا على أهداف أوكرانية منذ يوم الخميس بعضها أصاب البنية التحتية المدنية. وجددت الصين معارضتها للعقوبات الغربية على روسيا ورفضت التنديد بهجوم الروسي على أوكرانيا أو وصفه بأنه غزو ودعت مرارا إلى إجراء مفاوضات. وقالت اليابان وكوريا الجنوبية إنهما ستشاركان في إجراءات عزل بعض البنوك عن نظام سويفت. وقالت كوريا الجنوبية، وهي مُصدر رئيسي لأشباه الموصلات، إنها ستحظر أيضا تصدير السلع الإستراتيجية إلى روسيا. وقال البنك المركزي الأوروبي إن عدة فروع لسبير بنك الروسي و معظمها مملوكة للحكومة الروسية تتداعى أو من المرجح أن تتداعى بسبب ما لحق بسمعتها من أضرار نتيجة للحرب في أوكرانيا. وقالت بريطانيا اليوم إنها بصدد اتخاذ المزيد من الإجراءات ضد روسيا، بالتنسيق مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، مما يعزل فعليا المؤسسات المالية الكبرى في موسكو عن الأسواق الغربية. كما اتخذت شركات عملاقة إجراءات، إذ أعلنت شركة النفط البريطانية بي.بي، وهي أكبر مستثمر أجنبي في روسيا، تخارجها من شركة النفط الحكومية روسنفت بتكلفة تصل إلى 25 مليار دولار. ونُظمت مظاهرات في مختلف أرجاء العالم احتجاجا على الغزو بما في ذلك في روسيا حيث اعتقل ستة آلاف شخص في احتجاجات مناهضة للحرب منذ يوم الخميس وفقا لمنظمة أو.في.دي-إنفو لرصد الاحتجاجات. وفي حين حشدت الحكومات الغربية المزيد من التأييد للعقوبات على موسكو استمرت المناورات الدبلوماسية وانضم الفاتيكان للجهود بعرض "حوار تيسيري" بين روسيا وأوكرانيا. ووافق مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة اليوم الاثنين على طلب أوكرانيا عقد مناقشة عاجلة هذا الأسبوع بشأن الغزو الروسي، بعد دقائق من تصريح مبعوث كييف لمنتدى جنيف بأن بعض أعمال موسكو العسكرية "قد تصل إلى جرائم حرب". واعتمد المجلس المكون من 47 عضوا الاقتراح، إذ صوت 29 عضوا لصالح القرار (منهم الولايات المتحدة)، مقابل خمسة أعضاء ضد الاقتراح (منهم روسيا والصين)، بينما امتنع 13 عضوا عن التصويت بعد أن دعا سفير روسيا غينادي غاتيلوف إلى التصويت بالرفض. وطلب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي اليوم الاثنين من الاتحاد الأوروبي السماح لأوكرانيا بالانضمام لعضويته على الفور. وقال في تسجيل مصور بثته مواقع التواصل الاجتماعي "هدفنا أن نكون مع جميع الأوروبيين وبخاصة أن نتمتع بالمساواة. أنا واثق من أن هذا هو العدل. وواثق من أننا نستحقه". وقال البيت الأبيض إن الرئيس الأميركي جو بايدن سيستضيف اتصالا مع حلفائه وشركائه اليوم الاثنين لتنسيق رد موحد، في الوقت الذي أكدت فيه الولايات المتحدة أن بوتين يصعد الحرب "بأسلوب خطابي خطير" عن وضع روسيا النووي وسط إشارات على أن القوات الروسية تستعد لحصار مدن رئيسية في أوكرانيا، الجمهورية الديمقراطية التي يقطنها 44 مليون نسمة. وقالت منظمة إغاثة تابعة للأمم المتحدة إنه في حين تنهمر الصواريخ فر نحو 400 ألف مدني أغلبهم من النساء والأطفال إلى دول مجاورة. وتصف روسيا ما تقوم به بأنه "عملية خاصة" لا تهدف إلي احتلال أراض بل إلى تدمير القدرات العسكرية لجارتها الجنوبية والقبض على مواطنين تعتبرهم خطيرين. قال ينس ستولتنبرغ الأمين العام لحلف شمال الأطلسي في تغريدة اليوم الاثنين إن أعضاء الحلف يزودون أوكرانيا بصواريخ دفاع جوي وأسلحة مضادة للدبابات، في حين قالت ألمانيا التي جمدت بالفعل مشروع خط أنابيب غاز من روسيا، إنها ستزيد الإنفاق الدفاعي بدرجة كبيرة منهية عقودا من الإحجام عن مضاهاة قوتها الاقتصادية بثقلها العسكري. ومنع الاتحاد الأوروبي جميع الطائرات الروسية من عبور مجاله الجوي وكذلك كندا مما أجبر شركة الطيران الروسية أيروفلوت على إلغاء جميع رحلاتها المتجهة إلى أوروبا لحين إشعار آخر. وحظر الاتحاد كذلك وسيلتي الإعلام الروسيتين أر.تي وسبوتنيك. كما حذّر التكتل الأوروبي الاثنين من أن بيلاروس قد تبدأ استضافة أسلحة نووية روسية بعد قرار "خطير للغاية" خلال استفتاء للتخلي عن وضع البلاد غير النووي. وقال مسؤول الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل "نعرف ما يعني أن تكون بيلاروس نووية. يعني ذلك أن روسيا ستنشر أسلحة نووية في بيلاروس وهذا مسار خطر للغاية".
مشاركة :