مرّ نحو أسبوع تقريبا منذ أطلق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حربا اختيارية غير مبررة ضد أوكرانيا، واتضح بالفعل أنه اختيار سيء، حيث يجد نفسه الآن في موقف غير متوقع وغير مريح يتمثل في ضرورة مضاعفة الجهد، أو مواجهة ما يمكن أن يكون هزيمة. ويقول الدبلوماسي الأميركي ريتشارد هاس إن بوتين الذي أصبح في عزلة أساء تقدير الآخرين. ففي ضوء الانقسامات السياسية الأميركية التي ساعد هو نفسه في تأجيجها، إلى جانب انسحاب أميركي مشين من أفغانستان في أغسطس الماضي، يبدو أن بوتين خلص إلى أن إدارة بايدن ستكون غير قادرة، وغير مستعدة، للرد بفعالية على تهديده بغزو أوكرانيا، أو شن غزو فعلي. ولكن ما حدث هو أن الولايات المتحدة كشفت علانية خطط بوتين، وتبادلت المعلومات الاستخباراتية مع حلفائها وشركائها، وشكلت تحالفا قويا للرد على العدوان الروسي، كما نقلت عتادا عسكريا مهما إلى أوكرانيا، ونظمت ونفذت عقوبات متعددة الأطراف تلحق ضررا بالغا باقتصاد روسيا، وعززت حلف شمال الأطلسي "الناتو". وأضاف هاس، الذي كان رئيسا لمجلس العلاقات الخارجية الأميركي، أن ألمانيا التي طالما كانت الحلقة الضعيفة في حلف شمال الأطلسي، جددت من نفسها. ريتشارد هاس: فلاديمير بوتين أصبح في موقف غير متوقع وغير مريح ورغم أن بوتين كان يراهن على أن القيادة الألمانية، التي لم تختبر، ستكون غير مستعدة للوقوف إلى جانب أوكرانيا، تصرّف المستشار أولاف شولتس بصورة جديرة بالإعجاب، فقد علّقت ألمانيا خط أنابيب غاز نورد ستريم 2، وانضمت إلى العقوبات الاقتصادية ضد روسيا، وأرسلت أسلحة إلى أوكرانيا، وأعلنت عن زيادة كبيرة في الإنفاق العسكري للبلاد. وقد بدأت الشركات الغربية مثل بريتيش بيتروليوم، الانسحاب من روسيا. ويبدو أن تركيا مستعدة لمنع السفن الحربية الروسية من الوصول إلى البحر الأسود. وقام الاتحاد الأوروبي بتمويل إمدادات الأسلحة لأوكرانيا وأغلق مجاله الجوي أمام الطائرات الروسية. وحتى المجر، غير الليبرالية، انتقدت الغزو الروسي. وصمدت أوكرانيا، التي أوضح بوتين ازدراءه التام لها، وأبدت دفاعا فعّالا. واستطاع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن يكتسب إعجاب بلاده والكثير من دول العالم، فالتقدم الروسي يسير بوتيرة أبطأ كثيرا مما كان متوقعا. وتردد أن الخسائر الروسية في الأرواح كبيرة. ويقول هاس إن الأخبار السيئة بالنسبة إلى بوتين هي أنباء سارة لغيره، إذ أن حربه تنتهك أساسيات الأعراف الدولية، والتي تتمثل في ضرورة احترام السيادة وعدم تغيير الحدود بالقوة العسكرية. واحترام هذه الأعراف يمثل الفارق بين النظام العالمي والفوضى. وأوضح أنه إذا ما سمح لبوتين بالنجاح في أوكرانيا، فمن المحتمل ألا يتوقف هناك. وهناك بعض الدول الأخرى، وخاصة الصين، سيغريها نجاحه بأن تحذو حذوه وتستخدم القوة لتحقيق أهدافها. ومع ذلك، هناك دول سوف تخلص إلى أنه ليس لديها خيار سوى الإذعان للدول الطاغية المجاورة أو أن تحصل على أسلحة نووية خاصة بها. ويرى هاس أن المشكلة تنبع مما سيؤديه إحباط بوتين وخوفه من الفشل إلى التعجيل بعمله. فقد أصدر بالفعل تهديدات نووية واضحة ووضع القوات النووية الروسية على أهبة الاستعداد. وربما يحدوه الأمل في أن يثير ذلك خوف الغرب أو أوكرانيا أو كليهما، ويدفعهما إلى التراجع. وإذا أصبح من الواضح أن هذا التهديد لن ينجح، ربما قد يغريه ذلك باللجوء إلى خيار آخر سيء، وإلى التصعيد. وتشمل الخيارات المزيد من الهجمات العسكرية على أهداف مدنية أو هجمات سيبرانية واسعة النطاق ضد الغرب، أو توسيع نطاق الحرب لتشمل دولة أو أكثر من دول الناتو، أو استخدام أسلحة كيمياوية أو بيولوجية أو حتى نووية. حكومة أوكرانيا لديها حافز للتصالح لتوفير مخرج دبلوماسي لروسيا لا يضحي بالمصالح والحقوق الأوكرانية الأساسية من أجل تجنب المزيد من القتلى والخراب ويقول هاس إن ما يجعل هذا أمرا محتمل الحدوث تماما هو أن بوتين أصبح يقود منفردا. فقد فكك معظم القيود والتوازنات داخل النظام الروسي الذي لم يعد نظاما. فقد شن حربه ضد أوكرانيا دون تأييد شعبي وبقدر ضئيل للغاية من التشاور مع الآخرين أو عدم إجراء تشاور على الإطلاق. ومن الممكن تماما أنه يواجه قيودا على اتخاذه القرارات أقل بكثير من القيود التي واجهها نيكيتا خروشوف أثناء أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962. وتساءل هاس عما ينبغي أن تفعله الولايات المتحدة وغيرها. وقال إن الاستراتيجية الأساسية تتمثل في مواصلة الضغط على الأرض (من خلال تعزيز قدرة أوكرانيا على صد الغزو الروسي)، وكذلك بفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية. وينبغي عمل الاستعدادات لكل نوع من التصعيد الممكن. وهناك حاجة إلى أن تصل رسائل إلى الحكومة الروسية، بالنسبة للانتقام الذي يمكن أن تتوقعه روسيا إذا قامت بتصعيد الحرب. ويجب أن يكون الوعد بمحاكمات جرائم حرب وتعويضات جزءا من ذلك الثمن الذي ستدفعه روسيا. وهذه التهديدات القوية ستؤدي إلى ردع بوتين عن اتخاذ مثل هذه الإجراءات أو إلى دفع من هم داخل النظام إلى التصرف ضده. ويرى هاس مخرجا آخر، فقد بدأت المباحثات بين روسيا وأوكرانيا على حدود أوكرانيا مع بيلاروسيا، وليست هناك حتى الآن أي دلالات على حدوث تقدم. ومع ذلك، من الممكن أن يرى بوتين في مرحلة ما قيمة التصالح لتجنب نتيجة تهدد حكمه ومستقبل بلاده. ولدى حكومة أوكرانيا حافز للتصالح، لتوفير مخرج دبلوماسي لروسيا لا يضحي بالمصالح والحقوق الأوكرانية الأساسية، من أجل تجنب المزيد من القتلى والخراب. لقد فشلت الدبلوماسية في منع اندلاع الحرب، والسؤال الآن هو هل يمكنها إنهاؤها قبل مضي الكثير من الوقت؟
مشاركة :