أجاب الشيخ الدكتور عبدالكريم بن عبدالله الخضير، عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء سابقا، على استفسار حول المفاضلة بين حفظ القرآن وبين استغلال وقت الحفظ في قراءة القرآن؛ ليقرأ المسلم قدرًا أكبر. وقال الخضير في جوابه: “جاء الترغيب في الحفظ للقرآن، والفرق بين الجوف المشتمل على حفظ القرآن والجوف الذي ليس فيه شيء من القرآن كالفرق بين البيت الخرب والبيت العامر، والذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب”. وأضاف: “والذي يحفظ القرآن يتلوه على كل حال إلا في حال الجنابة، وأما الذي لا يحفظ فيحتاج إلى أن يتهيأ لذلك بالطهارة وأيضًا المكان المناسب، والحال المناسبة، ووجود المصحف أيضًا؛ لأنه قد يحتاج إلى القراءة وليس لديه مصحف”. وتابع:”المقصود أن الحفظ يعينه على كثرة القراءة وييسر له ذلك، وقد شبَّه أهل العلم الحافظ بمن زاده التمر وغير الحافظ بمن زاده القمح، فمن زاده التمر يأكل منه بدون تعب ولا عناء في أي وقت أراد، والذي زاده القمح يحتاج إلى عناء ويحتاج إلى مقدمات من تنقيةٍ وطحنٍ وعجنٍ وطبخٍ… إلى غير ذلك، فلا شك أن حفظ القرآن ييسر له هذه العبادة التي هي تلاوة القرآن في كل وقت، فينبغي للمسلم أن يحرص على الحفظ”. واستكمل: “بعض الناس -مثل ما جاء في هذا السؤال- يقول إنه: يستغل وقت الحفظ في قراءة القرآن؛ ليقرأ قدرًا أكبر. لا شك أن الحفظ يحتاج إلى تكرار وترديد، فإذا فرضنا أنه يريد أن يقرأ في ساعةٍ أربعةَ أجزاء قراءةً، أو يحفظ ورقةً واحدةً في هذه الساعة، لا شك أنه سوف يكرر هذه الورقة بقدر ما قرأه نظرًا، فيتقارب الأجر من حيث القراءة، ويتوفر له الحفظ الذي يعينه مستقبلًا على كثرة التلاوة، وقراءة القرآن على كل حال، فهذه المفاضلة التي ذكرها لا شك أنها ليست واردة”. وأشار إلى أن “المفاضلة التي ترد في كلام أهل العلم هي بين من يريد أن يقرأ بالتدبر والترتيل بقدر أقل وبين من يريد أن يقرأ مع السرعة بمقدار أكثر، كمن يقول: أريد أن أقرأ في الساعة جزئين مع الترتيل أو أقرأ خمسة أجزاء هذًّا من غير ترتيل، هذا الذي يتكلم فيه أهل العلم، أما المفاضلة بين الحفظ والقراءة نظرًا فهذه ما يتطرق لها أهل العلم؛ لأن ما يوفِّره من الوقت لكثرة القراءة في النظر سوف يوفِّره، بل يوفِّر أكثر منه إذا حفظ، مع أنه يقال له في الجنة: «اقرأ، وارتق، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها» [أبو داود: 1464]، وجمع من أهل العلم يرون أن هذا للحافظ، وفضل الله واسع، فالقول الثاني لا يُهدر، فقد يشمل هذا الفضل غير الحافظ”. وأضاف: “يبقى أن المفاضلة بين الحفظ وبين مجرد القراءة بالصيغة المذكورة في السؤال لا يتحدث عنها أهل العلم، ولا يوردون مثل هذه المفاضلة، بل الحفظ أفضل ولا مقارنة بينهما، وأما الصورة التي يتحدث عنها أهل العلم فيما ذكرناه من أن شخصًا يريد أن يقرأ جزئين أو جزءًا واحدًا بالترتيل والتدبر مع آخر -أو هو نفسه- يريد أن يقرأ خمسة أجزاء في ساعة، فالجمهور على أن قراءة جزء بالتدبر والترتيل أفضل من قراءة الخمسة بالهذِّ من غير تدبر ولا ترتيل؛ لأن القراءة بالتدبر والترتيل على الوجه المأمور به لا شك أنها أنفع للقلب، وتزيد القلب من العلم والإيمان والطمأنينة واليقين ما لا يُدركه من قرأ على خلاف ذلك”.
مشاركة :