قال مصدران مقربان من رئيس الوزراء الليبي الجديد فتحي باشاغا إن قوة مسلحة لها صلة برئيس الوزراء الحالي احتجزت وزيرين من الحكومة المنافسة، كان من المقرر أن يؤديا اليمين الخميس، وذلك في خطوة من شأنها أن تمهد لتوتر جديد في ليبيا. ومن المزمع أن تؤدي الحكومة الليبية الجديدة بقيادة باشاغا، اليمين الدستورية أمام البرلمان الخميس، وسط حضور دولي ومحلي. واتهم باشاغا في ساعة متأخرة من مساء الأربعاء رئيس الحكومة المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة بمحاولة عرقلة أداء الوزراء الجدد اليمين الدستورية. وتقدم باشاغا ببلاغ إلى النائب العام بعد إغلاق المجال الجوي للبلاد بالكامل، متهما الدبيبة بمحاولة منع سفر الوزراء الجدد إلى طبرق. وبحسب بيان باشاغا، فإن هذا الأمر يعد انتهاكا صريحا لحق التنقل المكفول دستورا واعتداء على السلطات الدستورية والسياسية، ومنعها من ممارسة واجباتها وتأدية مهامها، الأمر الذي يقع تحت طائلة المادة 204 من قانون العقوبات. ولفت إلى أن بلاغه للنائب العام جاء انطلاقا من إيمانه الراسخ بقدرة القضاء الليبي على "لجم كل من يجترئ على القانون ويغمط الحقوق جورا وعدوانا". وقال رئيس الحكومة الليبية الجديد إنه سيقوم هو ونوابه وكامل فريقه الوزاري بتأدية اليمين القانونية أمام مجلس النواب بمقره في مدينة السلام بطبرق، الخميس. وأكد باشاغا في تغريدة على تويتر الأربعاء أن رئاسة البرلمان وجهت دعوة لأعضاء بمجلس الدولة والمجلس الرئاسي والمراقبين الدوليين والمحليين والصحافيين، لحضور الجلسة. ويأتي ذلك بعد منح البرلمان الليبي ثقته للحكومة التي اقترحها باشاغا، والتي تضمنت 29 وزيرا وستة وزراء دولة وثلاثة نواب لرئيس الحكومة. وشكّل منح الثقة لحكومة باشاغا انقساما في الآراء بين مؤيد لها ومعارض، في الوقت الذي يرفض الدبيبة تسليم السلطة إلى الحكومة الجديدة، وسط تخوفات من أن يعيد مثل هذا الوضع البلد الأفريقي إلى الانقسام ومربع الاقتتال مرة أخرى. وقالت حكومة الدبيبة المنتهية ولايتها في بيان لها إنها "مستمرة في عملها، ولن تعبأ بهذا العبث، وستركز جهودها على إنجاز الانتخابات في وقتها في شهر يونيو المقبل". كما دخل قادة جماعات مسلحة في المنطقة الغربية في وقت متأخر من ليل الثلاثاء على خط الأزمة، وأصدروا بيانا رفضوا فيه تنصيب باشاغا، وطالبوا رئاسة المجلس الرئاسي بإسقاط البرلمان. وهددت ميليشيات طرابلس بجعل الصراع المسلح في البلاد وشيكا، إن أقدم البرلمان على تزكية باشاغا في غياب ضمانات من حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة لتسليم السلطة. والثلاثاء، صوت مجلس النواب الليبي على منح الثقة لحكومة باشاغا لتتولى إدارة البلاد إلى حين إجراء الانتخابات، بأغلبية 92 من أصل 101 حضروا الجلسة. وأكد رئيس البرلمان عقيلة صالح، بعد التثبت من قائمة النواب الحاضرين، وفي تصويت كلّ منهم على التشكيلة الحكومية المعروضة، "أن 92 نائبا صوتوا على منح الثقة للحكومة لتصبح الحكومة شرعية". وقال باشاغا إنه أجرى ترتيبات مع السلطات الأمنية والعسكرية، كي تتخذ حكومته الجديدة من مدينة طرابلس مقرّا لها بشكل آمن وسلمي. ويثير الانقسام والخلاف السياسي والمؤسساتي العميق الخوف والقلق محليا ودوليا من أن يقوض الوضع الأمني في البلاد، وسط غموض حالي بشأن مصير الحكومتين، لاسيما وأن العديد من المراقبين يحذرون من عودة الفوضى والاقتتال إذا حاول باشاغا فرض حكومته بالقوة أمام تعنت الدبيبة وتمسكه بالسلطة، ما قد يطيح بالانتخابات التي سجل للمشاركة فيها نحو 2.8 مليون ليبي في ديسمبر الماضي، إلا أن الخلافات السياسية أجلتها أيضا. لكن عضو مجلس النواب أبوصلاح شلبي يتوقع أن تتمكن حكومة الاستقرار من ممارسة سلطتها من طرابلس خلال الأيام المقبلة، مرجحا في هذا الصدد أن يسلّم الدبيبة السلطة أو تُتسَلَّم منه، تحت ضغط بعض القوى الأمنية التي ستثبت ولاءها للحكومة الجديدة. وأشار شلبي إلى أن الموقف الدولي معترف بحكومة الاستقرار، مبرهنا على ذلك ببيان الأمم المتحدة وروسيا، لافتا إلى أن العالم مشغول حاليا بالحرب في أوكرانيا والأحداث الجارية في أوروبا، إلا أن ذلك لن يمنع من توالي البيانات الدولية المؤيدة للحكومة الجديدة. وأكد عضو مجلس النواب علي الصول أن الدبيبة لن يتمكن من رفض تسليم السلطة، حيث هناك عدة وزراء بحكومته سيسلمون مهامهم إلى نظرائهم بحكومة فتحي باشاغا. وقال الصول في تصريحات إعلامية "لن تكون هناك حكومتان كما يشاع، ستتم دعوة بعض السفراء والمستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة ستيفاني ويليامز، وكذلك المجلس الرئاسي، لحضور مراسيم تأدية الحكومة لليمين الدستورية". وأضاف "حكومة الاستقرار هي الحكومة الشرعية التي تمخض عنها توافق ليبي محض بتقارب سياسي، وليس كما حدث في حكومة الوحدة التي لم يكن فيها تقارب حقيقي، حيث كانت لدى رئيسها الدبيبة وعود واهمة وعد بها الشعب الليبي دون تنفيذ، وستكون هناك بعض الاعتراضات، ولكن لن تكون بعنف وفي النهاية ستباشر الحكومة مهامها وتستلم بسلاسة". وفي قراءة لموازين القوى على الأرض، يعتقد محللون ليبيون أن باشاغا يمتلك قوة عسكرية قادرة على إخضاع الدبيبة لقرارات البرلمان، ناهيك عن المواقف الإقليمية التي ستلعب دورا مهمّا في حسم الأمر. وقال المحلل السياسي إسماعيل المحيشي في تصريحات إعلامية إن "ليبيا دخلت مجددا نفق الانقسام السياسي وإن الكلمة الفصل ستكون لمواقف الأطراف الخارجية المؤطرة للمشهد الليبي، لاسيما تركيا وروسيا اللتين تمتلكان قوات على الأرض". وأضاف المحيشي أن "كل طرف سواء باشاغا أو الدبيبة له جماعاته المسلحة، لكن يبقى باشاغا هو الأكثر ثقَلا عسكريّا في البلاد". وأشار إلى أن باشاغا "كان له دور كبير في إعادة هيكلة وزارة الداخلية، المنطقة الغربية تعيش مرحلة من الانقسام المسلح الحاد، لكن باشاغا أوفر حظا عسكريّا، لكنّ هناك حراكا اجتماعيا وسياسيا للوصول إلى حل سلمي يجنب المنطقة الحرب".
مشاركة :