منى مرعي فنانة تشكيلية عراقية، من مواليد بغداد منتصف سبعينيات القرن الماضي، لقبت بـ"مرعي" نسبة لاسم جدها واسمها الكامل منى يحيى مرعي، تنفست الفن منذ نعومة أظفارها حين وجدت نفسها ترسم وكان حلمها أن تدخل معهد الفنون الجميلة، ومن أجل صقل موهبتها بالدراسة الأكاديمية إنضمت في عام 1989 للدراسة في هذا المعهد العريق، الذي تأسس في منتصف ثلاثينيات القرن الماضي وكان أعرق وأقدم مؤسسة لدراسة الفنون في الشرق الأوسط، وتخرج منه مئات من فناني عصر الرواد وعصرنا هذا، ومن حسن حظها أنها تتلمذت على أيادي فنانين تشكيليين كبار لهم باع طويل وخبرة واسعة بالفن حيث كان المعهد في فترته الذهبية آنذاك، وكانت من المتميزات في الدراسة وتخرجت بالمرتبة الأولى على دفعتها الأمر الذي أهلها لإكمال دراستها للفن في أكاديمية الفنون الجميلة بعد ذلك، وتابعت البحث والدراسة والتجربة إلى يومنا هذا وقد شاء القدر أن تكون الآن أستاذة للفنون التشكيلية في المعهد ذاته، نضوج وتبلور تجاربها الفنية جعلها من الأسماء المهمة التي انطلقت في فضاءات الفنون التشكيلية بجدارة وثقة عالية، كاشفة عن حضور فاعل ومميز الى جانب الفنانين الآخرين سواء أكانوا من أساتذتها، أو زملائها من مختلف الأجيال الفنية الصاعدة بمشاركات عميقة ومهمة في العديد من المعارض المشتركة أو المعارض الشخصية داخل وخارج العراق، فجاوزت المعرض الشخصية على سبيل المثال الأربعة عشر معرضاً، وامتازت أعمالها في مراحل مسيرتها الفنية بالتجريدية أحياناً وغالباً بالتعبيرية التجريدية، وكانت المرأة ثيمة أساسية في أغلبها. وتوجت هذه المسيرة والحراك الابداعي بإقامة معرضها التشكيلي الجديد الذي احتضنه المعهد الفرنسي في بغداد، للمدة من 12 لغاية الرابع والعشرين من شباط/يناير 2022 وحمل عنوان "أنا وأنا"، وهو عنوان معبر ودال يكثف ثيمة هذا المعرض الذي ضم لوحات وأعمالاً نحتية متنوعة، تكشفت عن صراع داخلي جسدته عبر هذه الأعمال التي تختزل فيه منى مرعي، الجمال والحياة والحضور المحتدم بتجريدية تعبيرية كانت ومازالت القاسم المشترك لكل أعمالها. في دليل العرض كتبت إنثيالات شعرية شفيفة حملت عنوان "أنا وأنا" هو ذاته عنوان معرضها، معبرة فيها عن ثيمته كما رأينا حين تجولنا في حكايات لوحاتها المتناغمة، التي تنم عن ر ؤى وتداعيات ذات طبيعة فلسفية أنيقة شكلاً ومضمونا قائلة : أنا وأنا حين يعتلي المدى فوق المدى ويصبح الصدى أجد ذاتي تمتزج مع ذاتي لوناً ورمزاً وعالماً آخر من النقاء هنا وجدتني حيث الأنا تبحث جامدة عن الأنا... وجدتني بين لوني ورمزي حيث لا أحد يفقه أنا سوى أنا لذا قد قررت أن أرافق ذاتي في رحلة أخرى ملؤها اللون اللون والحياة ملؤها الصدق والنقاء وعالم آخر من لون ولون حيث أنا وأنا بهذه الروحية أطلقت العنان لريشتها وألوانها لترسم على سطح لوحاتها، بمعالجات فنية لواقع المرأة التي هي جزء منه، ومعايشتها في بيئتها ومحيطها الاجتماعي والثقافي وجعرافية الفن التشكيلي العراقي المعاصر، عبر مخاطبة واعية وجمالية لعقل ووجدان المتلقي رجلاً كان أم إمرأة. سأتها: "في عودة الى البدايات، كنت موهوبة بالفطرة؟" فقالت: "عندما فهمت الحياة وجدت نفسي أرسم ولا أعلم أكان هذا عشقأً أم موهبة.. شئ ما بداخلي يحركني نحو تجسيد الأشياء بخطوط وألوان بل ما أراه فى الواقع أحوله في عقلي الى رسم.. وبعد ذلك وجدت هذا العشق يكبر معي حتى صار حلمي أن ادخل معهد الفنون الجميلة". لقد صقلت منى هذه الموهبة بالدراسة الأكاديمية في معهد الفنون الجميلة وفيما بعد في كلية الفنون الجميلة؟ وعن ذلك تقول "حين دخولي لمعهد الفنون الجميله هذا الصرح العظيم كان من حسن حظي تواجد اساتذة من عظام فناني العراق بالتشكيل، ومنهم في النحت سهيل الهنداوي، وفي الرسم مهين الصراف ومحمد مهر الدين وسلمان عباس، وفي الغرافيك سالم الدباغ، وغيرهم الكثير، وحين تخرجت من المعهد كنت الأولى على دفعتي، لذا تحولت للدراسة بالمرحلة الثانية لكلية الفنون الجميلة، وأيضاً كان من حسن حظي أن أواصل دراستي على أيادي أساتذه كبار مثل: محمد صبري، وليد شيت، حسام عبد المحسن، وغيرهم.". تضيف "وطوال مسيرتي الفنية كنت أبحث وأجرب باستمرار لايجاد شيئ من اللا مألوف يشبهني ولا يشبه أحداً آخر، ومن ثم كان من المؤكد أن سفري وتنقلي بأعمالي في الكثير من الدول ساعد كثيراً على نضوج وتبلور تجاربي الحسية والإدراكيةوالابداعية." سألتها: إذاً ..بمن تأثرت؟ ومن هو عراب منى مرعي؟ قالت: "أنا وأنا وهو عنوان معرضي الآن هو خلاصة إجابتي على هذا التساؤل، فأنا هو الداعم والعراب الوحيد لأنا.. اما عن عرابي فهم أساتذتي.. وكل واحد منهم كان له الأثر البالغ في أي لمحة أو لمسة فنية منحوني إياها، ومنهم: مهين الصراف لوناً، وسلمان عباس فناً وإنسانيةً، وليد شيت جرأة في الطرح، ومحمد مهر الدين فن الحداثة واللامبالاة إلا للطرح الفني الحقيقي وغيرهم كثير..". من المعروف أن ذخيرة منى مرعي الفنية تنهل من مدارس عدة أبرزها المدرسة التعبيرية وغالباً التعبيرية التجريدية التي تتميز بالألوان والخطوط والأشكال، إذا ما استُخدمت بحريّة في تركيب غير رسمي، وهي الأقدر على التعبير وإبهاج البَصَر منها حين تُستخدم وفقاً للمفاهيم الرسمية أو حين تُستعمل لتمثيل الأشياء. سألتها: ما سرذلك؟ فأجابت "عملت طوال فترة دراستي منذ عام 1989 لمدة خمس سنوات في المعهد وثلاث سنوات بالكلية على دراسة الواقعية وأنجزت الكثير من المعارض والمشاركات على وفقها، ولأني تتلمذت على أيدي أساتذة فنانين يعلمون الفن الحقيقي تعلمت ان أجد ذاتي بالفن، وأجد هوية خاصة بي كفنانة وأبحث عن تجربة لا تشبه أحداً، لهذا شعرت أني وجدت ذاتي الفنية بالتجريب المستمر، وكان أقرب مايكون لشخصيتي الفنية هي التجريدية التعبيرية ولكن ذلك لا يعني أن أتوقف عندها تماماً." وحين سألتها عن أي الألوان هي الأحب لديها وكيف توظفها في أعمالها؟ أكدت"أقرب علاقة لونية تشعرني بذاتي بل وقريبة الى روحي هي العلاقة بين الأسود والأبيض، وهي علاقة جميلة وتكاد تكون إسطورية ينتج عنها اللون الرمادي وفيه مافيه من دلالات". وعندما قلت لها في معظم أعمالها ومعرضك هذا نلحظ أن ألمرأة ثيمة أساسية هل هو انحياز؟ أوضحت:"لا اجد أي انحياز لأني أحياناً ربما أنساق بشكل لا واعي للمرأة لأنها أساس الوجود، ومع ذلك فللرجل وجود كبير في معظم أعمالي وكذلك تجد الطفولة." اعتادت منى مرعي اختيار عناوين وكأنها عناوين لقصائد أو روايات أوقصص مع إيجازات ذات طبيعة شعرية في مقاربة بين النص اللوني والنص الشعري.. تفسر ذلك فتقول "ربما لأنني أكتب منذ الطفولة والى الآن مقطوعات رمزية ذات طبيعة فلسفية، وكذلك الأعمال تجدها هي الأخرى أشبه بنص لوني رمزي فلسفي، وأجد أن ثيمة المعرض (أنا و أنا) تتجسد باسم رمزي فلسفي". سألتها : "إذاً، متى يطغى النص الشعري على النص اللوني؟ ومتى يتماهيان؟ ومتى يفترقان؟ فقالت: "لا يطغى شيئ على شيئ فكل نص يثبت وجوده من حيث المعنى والفلسفة والرمز الخاص به، لهذا تجد أن كل عمل ينطوي على قصة يقرأها الشاعر حسب رؤيته ويقرأها التشكيلي بشكل آخر ويقرأها المسرحي والكاتب بشكل آخر". وعن عنوان معرضها الأخير أوضحت مستطردة "كل منا يجهد نفسه ربما اللاواعية بالبحث عن ذات تشبه أو تقرأ دواخله بشكل صحيح أو تقترب من فهم ذاته، لكننا نشعر غالباً بالخيبة من وجود تلك الذات او الأنا الأخرى لكني وجدت ذاتي من خلال هذا الكائن الروحي، وهو العمل الذي أبوح له بدواخلي فيخرجها لوناً ورمزاً، لقد وجدت فيه الأنا الأخرى التي أبحث عنها". وعن رسالة هذا المعرض ولمن توجهها؟ أكدت : "لا أوجه رسالة لأحد فأنا أشعر انني فكرت وأخرجت ذاك الاحساس والتفكير على شكل لون ورمز، واجد أنه يوجه نفسه بنفسه حيث يصبح رسالة يقرأها كل شخص بشكل خاص". في المعرض نلحظ لوحة فيها تجسيد لمنى مرعي وصراع مابين الأمر بعدم التحرك ومابين اخبار جيدة ولوحتين أخريين إحداهما تجسدها والأخرى تجسد ابنتها ذات العشرين ربيعاً في نهاية اللوحات المعروضة، توضح ذلك بقولها "هذه اللوحة هي سر آخر من أسرار تسميتي للمعرض أنا و أنا فأنا لا وجود عندي للتوقف لذاك لا أعترف بـ "Don,t move" لذا قلبت حرف ال n وأنني غالباً أنقل من خلال عملي وفني للآخر الأخبار الجيدة، برغم ما يحصل وما نعيش من مشاكل، وبخصوص لوحتي مع إبنتي الوحيده فكانت لأنها اعترضت على تسمية المعرض أنا و أنا حيث تساءلت: إن كنت وجدت الأنا الخاصة بكِ فأين أنا إذاً؟ فقلت لها أنتِ الأنا الصغيره التي تسكن ذاتي..فرسمتها". انطوى المعرض على أكثر من عمل نحتي تواءم مع أعمال الرسم التي أنجزتها الفنانة منى مرعي وهي خليط من خامات عدة ولكنها لم تكن التحربه الاولى لها بالنحت لاسيما أنها درست فن النحت على يد الفنان النحات الاستاذ سهيل الهنداوي للا‘عوام 1989- 1990 – 1992. عن الطقوس التي تمارسها حين تدخل مرسمها تقول: "مرسمي هو صومعتي التي أبوح فيها حين أعتزل ليلاً، تحديداً،على سطح لوحاتي خطوطي وألواني وأفكاري وتجاربي البصرية المعبرة، ودائماً ترافقني موسيقاي الخاصة التي تناغم روحي وعقلي وأعمالي". مضيفة "أجد نفسي مستمتعة وسعيدة لحظة البوح مع عملي وانجاز اعمالي." واختتمت رحلتها معي حين أوشكت أن ألملم أوراقي :"أنا اتمنى أن اجد ذاتي وسعادتي دائماً مع لوني وعملي حتى أجد ضالتي التي أبحث عنها باستمرار".
مشاركة :