ما هو الجديد في موضوع التضخم هذه المرة؟

  • 3/6/2022
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

التضخم كغيره من ظواهر الاقتصاد الرأسمالي كالكساد والرواج والانكماش يمر بدورات زمنية متفاوتة والتي تعرف في علم الاقتصاد بالدورات الاقتصادية. وإن كان التضخم بشكل عام يمثل ظاهرة ارتفاع الأسعار إلا أن اسبابه وتداعياته تختلف من مرحلة زمنية الى أخرى وفقا للسياسات المالية والنقدية المتبعة وكذلك وفقا للظروف السائدة سواء على الصعيد السياسي او الصحي مثل فترات تفشي الاوبئة او فترات الحروب والصراعات او غيرها من الاسباب. وسنحاول في هذا المقال التطرق الى الاسباب الرئيسة لموجة التضخم في هذه المرحلة الزمنية وتحدياتها وتعقيداتها ثم نحاول في نفس الوقت الاشارة الى تداعياتها وبخاصة على صعيد دول المنطقة.   أسباب التضخم هذه المرة خلال العقدين الماضيين ورغبة في تحفيز ودعم النمو الاقتصادي انتهجت كثير من الدول ان لم يكن معظمها سياسات مالية ونقدية توسعية تمثلت في زيادة الانفاق وتخفيض أسعار الفوائد الى ادنى مستوى من قبل البنوك المركزية هذا اضافة الى اقدام السلطات النقدية على شراء السندات الحكومية فيما يعرف بالتيسير الكمي بالرغم من انه من غير المتعارف عليه ان تشتري البنوك المركزية السندات الحكومية حيث يعتبر ذلك تمويلا للحكومات من قبل السلطات النقدية. كل هذه التدابير والسياسات ادت الى ضخ سيولة كبيرة في الاقتصاد انعكس في شكل مبالغة كبيرة بأسعار الاصول وخاصة الاسهم كما انعكس ذلك بالمحصلة في شكل ارتفاع اسعار البضائع والسلع. كذلك فقد شهدنا منذ بدء جائحة كورونا حوافز وانفاقات سخية لمساعدة القطاعات والانشطة الاقتصادية المتضررة من تداعيات هذه الجائحة الامر الذي حذر منه بعض الخبراء بأن مثل هذه الانفاقات الكبيرة من شأنها ان تؤجج ارتفاعات الاسعار وتؤدي الى تفاقم ظاهرة التضخم. ويمكن ان نضيف الى هذه العوامل والاسباب الاختناقات الكبيرة التي عانت منها سلاسل الانتاج وكذلك النقص الحاد في الرقائق الالكترونية هذا اضافة الى نقص الايدي العاملة نتيجة للاجراءات المتبعة للحد من آثار جائحة كورونا والتي في المحصلة ادت في بعض القطاعات الى صعوبة حركة العمالة بالشكل الذي تتطلبه حاجة القطاعات الاقتصادية الامر الذي ادى الى ارتفاع الاجور وبالتالي ارتفاع تكاليف الانتاج.    إشكالية التضخم هذه المرة   يمثل التضخم في هذه المرحلة تحديا كبيرا لجميع الاقتصاديات حيث من ناحية يشكل ارتفاعا كبيرا للاسعار وبالتالي لتكاليف المعيشة بشكل عام حيث وصل معدل التضخم الى مستويات غير مسبوقة، فعلى سبيل المثال وصل التضخم في أمريكا الى مستوى 7.5% وهو المعدل الذي لم تعرفه أمريكا منذ أكثر من اربعين سنة. الاشكالية في مثل هذه المعدلات من التضخم انه يؤثر سلبا ليس فقط على القوة الشرائية للأفراد التي تتآكل مع هذه المستويات من التضخم وبالتالي تؤدي الى مطالبة النقابات والافراد بالتعويض عن طريق زيادة الرواتب والاجور الامر الذي من شأنه رفع تكاليف الانتاج وبالتالي المزيد من زيادة معدلات التضخم مما يدخلنا فيما يعرف بالحلقة المفرقة. على صعيد آخر يمثل التضخم في هذه المرحلة تحديا لا يقل أهمية فيما يتعلق بمدى امكانية تحقيق معدلات نمو مرغوبة حيث ان التضخم يزيد من كلفة الانتاج كما انه يزيد من تكاليف التمويل الضروري لتحقيق الاستثمارات المطلوبة إذ بسبب تزايد معدلات التضخم تستعد الآن البنوك المركزية لرفع معدلات الفائدة وذلك لكبح جماح التضخم الحالية او المستقبلية لكن ذلك من شأنه زيادة تكاليف التمويل وبالتالي تكاليف الانتاج مما قد يؤدي الى انكماش الاقتصاد مع عدم استبعاد استمرار التضخم وهي الحالة التي تعرف بوضع الانكماش التضخمي ومثل هذا الوضع يمثل اشكالية حقيقية للمعنيين بالسياسات الاقتصادية في دول العالم في هذه المرحلة بالذات. تداعيات التضخم على اقتصاديات المنطقة تنقسم تداعيات التضخم فيما يخص الدول العربية ودول الخليج على وجه أخص الى قسمين منها التداعيات الايجابية ومنها السلبية. على الصعيد الايجابي فإن دول المنطقة قد استفادت من ارتفاع اسعار النفط والمنتجات البترولية وهذا الارتفاع سوف يساعد على تعزيز ورفع معدلات النمو الاقتصادي وزيادة فرص العمل ودعم الاحتياطيات الاجنبية. اما على الصعيد الآخر فإن ارتفاع التضخم سوف ينعكس على تكاليف المعيشة، كما ان ذلك من شأنه التأثير على القوة الشرائية خاصة وان دول المنطقة تعتمد فى سد احتياجاتها الى حد كبير على الاستيراد من الخارج وبالتالي وان كان التضخم الداخلي محدودا الا ان التأثير يأتي من التضخم المستورد. كذلك فإن رفع اسعار الفائدة وبخاصة على الدولار سوف ينعكس مباشرة على اسعار الفوائد في دول المنطقة بحكم ارتباط عملات معظم دول المنطقة بالعملة الامريكية. وطبعا فإن ارتفاع اسعار الفوائد وان كان مفيدا لبعض شرائح المجتمع من المودعين وكذلك قطاع المصارف الا انه من الناحية الآخرى يمثل اعباء على القطاعات الآخرى والافراد الذين يعتمدون على الاقتراض في انشطتهم الاقتصادية. ايضا لاحظنا تحسبا لارتفاع اسعار الفوائد تراجع اسعار السندات وقد نشهد تراجعا مماثلا في اسعار الاسهم العالمية. هذه في الواقع طبيعة الدورات الاقتصادية التي تمر بها اقتصاديات دول العالم سواء على صعيد النمو او الانكماش او على صعيد التضخم او الكساد. هذا وان كان من الصعب الفرار او تجنب هذه الدورات وتداعياتها الا انه يفترض بأن يكون للسياسات المالية والنقدية آلياتها وادواتها التي على الاقل يمكنها التخفيف من حدة مثل هذه الدورات والتحكم في معدلاتها وتقصير امدها قدر الامكان.   الرئيس السابق لصندوق النقد العربي

مشاركة :