لا شك أن موضوع الإنسانيات هو بمثابة عالم واسع متشعّب تندرج تحته بذور الإنسانية بجذورها وأغصانها وثمار مضامينها التي تخصّ الرجل والمرأة والطفل والمجتمع والعالم بأسره.. ولهذا من الأجدر التوقف بين الحين والآخر عند بعض المحطات لدراستها وإمعانها تحليلاً وتفنيداً كي نضع الحلول المناسبة لها والعمل على إزالة أو على الأقل زحزحة العوائق المعرقلة لتقدمها، وذلك بوضع استراتيجيات ذات أهداف طويلة وقصيرة المدى تُطبَّق ببرامج يتم متابعتها وتقييمها لنتمكن من إصلاح ما يمكن إصلاحه.. مقدمة طويلة استهلّ بها مقالتي تتعلق بموضوع المرأة «بيوم المرأة» منتقية من كل روض زهرة لعلها تُبْرز بوضوح مصدر العراقيل المعطِّلة لمسيرة المرأة فما تكاد تتقدم للأمام حتى تعود القهقرى بسبب مدّ يتبعه جزر يتحكّم بالعوامل الثقافية والقانونية دون كلل او ملل.. إذْ يكفينا فخرا ما قدمه الإسلام لها من تمكين منذ ألف وخمسمائة عام فيكفي أنّه حرّم وأْدَ البنات لتصبح قاضية وشاعرة وصانعة قرار.. الخ. بعد أن أضاء بجوهره الوضّاء مجتمع شبه الجزيرة العربية طاردا الجاهلية المعشعشة بمجاهلها.. وبالرغم من هذا التمكين السماوي للمرأة فإننا كثيرا ما نراها تقع بين المطرقة والسندان متأرجحة بين تيارات التقّدم والتخلف.. وكلٌ وأيديولوجيته وكل وشعاراته وكل وتخطيطاته.. وهاتْ دبِّرها..! وننتقل الى محطة أخرى بزمن آخر ومكان آخر عام 1856 حينما خرجت النساء للتظاهر بنيويورك ضد الظروف اللاإنسانية التي يعملن تحتها.. وعادت الآلاف من عاملات نسيج نيويورك للتظاهر بـ 8 آذار 1908 من جديد لكنهن حملن هذه المرة قطعاً من الخبز اليابس وباقات من الورود في خطوة رمزية لها دلالتها واخترن لحركتهن الاحتجاجية تلك شعار «خبز وورود» حيث طالبَتْ المسيرة هذه بتخفيض ساعات العمل ووقف تشغيل الأطفال ومنح النساء حق الاقتراع والترشيح.. غير أن تخصيص يوم الثامن من آذار كعيد عالمي للمرأة لم يتم إلا بعد سنوات طويلة لأن منظمة الأمم المتحدة لم توافق على تبّني تلك المناسبة سوى سنة 1977 عندما أصدرت المنظمة الدولية قراراً يدعو دول العالم إلى اعتماد أي يوم من السنة يختارونه للاحتفال بالمرأة فقررت غالبية الدول اختيار الثامن من آذار, وتحوّل بالتالي ذلك اليوم إلى رمز لنضال المرأة تخرج فيه النساء عبر العالم في مظاهرات للمطالبة بحقوقهن ومطالبهن.. ونتوقف عند محطة ثالثة ألا وهي «مواضيع الأمم المتحدة الرسمية للاحتفال باليوم العالمي للمرأة» واضعة أولوياتها على أجندة تسعى لتطبيقها سنوياً.. ننتقي بهذه العجالة بعضا منها مثل موضوع: (الاحتفال بالماضي والتخطيط للمستقبل) شعار عام 1996.. فعلا كلام سليم إذ لا يجب التوقف عند الماضي نتباكى على أطلاله او نتغنّى بإنجازاته بل يجب أيضاً التطلّع للمستقبل.. ونتوقف عند شعار: «ا لنساء متّحدات من اجل السلام» والذي انبثق عنه)قرار مجلس الأمن 1325 (تحت عنوان (المرأة والسلام والأمن) في 31 أكتوبر عام 2000.. معرّجين على شعار آخر لهيئة الأمم بعام 2015: » تمكين المرأة، تمكين الإنسانية.. ». تخيّلوا ذلك ! فعلا.. فتمكين الإنسانية جمعاء ينبع من تمكين المرأة التي هي نصف المجتمع ! ويتبعه موضوع عام 2016 «: الإعداد للمساواة بين الجنسين لتناصف الكوكب بحلول 2030».. متسائلين بيننا وبين انفسنا:معقول؟ وبظل تناحر العقول؟ نشك بذلك اذ يكفي أن المرأة هي اكثر ضحايا الحروب والأوبئة المتفاقمة.. «فتمكين المرأة، تمكين الإنسانية » هو موضوع طموح ما زال يتعثر فما بال شعار «مناصفة الكوكب بين الجنسين بحلول 2030 «؟ والحلّ؟ يكمن الحل بوجود بنية تحتية مرنة من «ثقافة وقوانين» محلية وعالمية عادلة تكون بمثابة الركائز الأساسية التي تدعم تمكين المرأة لكونها تدعم هكذا مواضيع وشعارات وطموحات.. فبدون بنية تحتية عادلة لا يكفي ان تطلق هيئة الأمم شعارات ومواضيع الإنسانية كالسّلام مثلا لتحفيز المرأة على المشاركة بصنعه بينما الإزدواجية الصارخة تشق صميم «تطبيق» مبادىء حقوق الإنسان مبعثرة فحواها على أرض الواقع.. فشتّان ما بين التنظير والتطبيق ! (الرأي)
مشاركة :