تتصدر مشاورات الحوار الاستراتيجي الجزائري الأميركي أجندة نائب وزير خارجية الولايات المتحدة في زيارتها إلى المنطقة، وهي الخطوة التي تتزامن مع حالة الاستقطاب الدولية الناجمة عن أزمة أوكرانيا، حيث كثفت الدول الغربية من وتيرة ضغوطها على شركاء روسيا وعلى رأسهم الجزائر. وتحل الأربعاء في العاصمة الجزائرية شيرمان، في إطار زيارة تشمل عددا من عواصم المنطقة، وسيكون الحوار الاستراتيجي بين البلدين في صدارة أجندتها، رغم الظروف الاستثنائية التي يمر بها العالم بسبب الأزمة الأوكرانية، واشتداد القبضة بين روسيا والعالم الغربي، ومن خلفهما الدول الواقعة تحت نفوذهما. وتعد الجولة الجديدة الخامسة من نوعها التي جمعت البلدين، وإذا كانت المسألة تتعلق بمشاورات عميقة حول مختلف القضايا والملفات، وكانت في السابق تتصل في الغالب بالتعاون الأمني والاستخباراتي والحرب على الإرهاب والوضع الإقليمي في المنطقة، فإن الجولة الجديدة تتميز بالوضع الحرج الذي تتواجد فيه الجزائر بسبب الأزمة المذكورة، نظرا لمصالحها وعلاقاتها مع طرفي النزاع. ويندي شيرمان نائبة وزير الخارجية الأميركي تزور الجزائر الأربعاء وفي صدارة أجندتها الحوار الاستراتيجي بين البلدين ويطرح مراقبون، مدى صمود الجزائر أمام الضغوط الروسية من جهة والغربية من جهة أخرى، أمام تحول عنصر الطاقة إلى سلاح يلوح به كلا الطرفين، فموسكو لا تريد فقدان نفوذها النفطي والغازي في القارة الأوروبية، والأوروبيون يسعون لإيجاد بدائل له، عبر حشد طاقات وإمكانيات الدولة المنتجة، خاصة الجزائر بسبب قربها الجغرافي من أوروبا، وهو الأمر الذي تسعى الجزائر إلى تجاوزه بإعلانها الحياد في النزاع القائم. وزارت نائب وزيرة الخارجية الأميركي، عدة عواصم في المنطقة، على غرار إسطنبول ومدريد والرباط، ثم الجزائر وبعدها القاهرة، وإذ خيمت الأزمة الأوكرانية على جولتها لتركيا وإسبانيا، فإن فرضية طرح الأزمة القائمة بين الجزائر والمغرب، للنقاش تبقى واردة جدا، بحكم حاجة واشنطن إلى استقرار استراتيجي في المنطقة، كما لا يستبعد أن يكون النفوذ الروسي المتعاظم في المنطقة والمهدد للمصالح الأميركية محل نقاش بين الطرفين. ولفت بيان الخارجية الأميركية إلى أن شيرمان، ستلتقي في الجزائر نظيرها رمطان لعمامرة، والرئيس عبدالمجيد تبون، كما تشرف خلال زيارتها التي تدوم يومين، على احتفالية اليوم العالمي للمرأة، الذي دعيت إليه نساء من الثانويات والجامعات المشاركات في برنامج “صاتم” برعاية الولايات المتحدة وممثلين محليين عن الشركات الأميركية العاملة في الجزائر. وكانت السفيرة الأميركية بالجزائر إليزابيث مور أوبين، قد صرحت في بلدة “تاغيت” السياحية بمحافظة بشار بأقصى الجنوب الغربي للبلاد، بأن “العلاقات بين الجزائر والولايات المتحدة الأميركية قوية ومهمة، وسنستمر في تقويتها وتعميقها من خلال الحوار الاستراتيجي الثنائي”. وذكرت المتحدثة، على هامش حضورها في قصر تاغيت في إطار إقامة “وان بيت الصحراء”، بأن “العمل المشترك من أجل تنظيم وإنجاح تظاهرة (وان بيت الصحراء)، دليل على نوعية العلاقات العميقة والواسعة التي يتشاركها البلدان، وأن استمرارها في العمل على تقوية وتعميق هذه العلاقات، مهم جدا بالنسبة إلى الولايات المتحدة”. الخارجية الأميركي تبحث عن خيارات جديدة في الغاز الجزائري الخارجية الأميركي تبحث عن خيارات جديدة في الغاز الجزائري واعتبرت ما أسمته بـ”البرنامج الثقافي الدبلوماسي المشترك” بتاغيت بالصحراء الجزائرية دليل على أن الجزائر وصحراءها بالخصوص وجهة سياحية بامتياز سواء للجزائريين أو للأجانب، وأن زيارتها لتاغيت بمحافظة بشار، كأول خرجة لها بعد العاصمة منذ تعيينها كسفيرة قبل شهر، يرجع لكون الجنوب مهما جدا، وأن إقامة هذه التظاهرة في الجنوب نظرا للموقع الجغرافي الذي يضم العديد من الأنواع الموسيقية التي تعتبر جذورا لبعض الموسيقى الأميركية وأيضا لجمال وأهمية هذا الجزء من الجزائر”. ويبدو أن الاهتمام الأميركي بالجنوب الجزائري قد أخذ أبعادا جديدة، فبعدما كان الاهتمام طيلة العقود الماضية منصبا حول المحطات الغازية والنفطية، انفتح على ما بات يعرف بـ”الدبلوماسية الثقافية والسياحية”، وهي الشهية التي تكون قد فتحت بعد زيارة وفد روسي للصحراء الجزائرية خلال الأشهر الماضية، قالت عنه السلط المحلية بأنه قدم في إطار “سياحي”، الأمر الذي يفسح المجال أمام اهتمام من نوع جديد بين الطرفين على الجزائر. وإذا كانت تركيا هي المبادر الأول خلال السنوات الأخيرة، باستغلال الماضي التاريخي والتراثي للعثمانيين في القارة السمراء انطلاقا من الجزائر، في إطار تصدير مشروعها إلى القارة حيث رصدت أغلفة مالية لترميم معالم عمرانية وتاريخية بالجزائر كمسجد كتشاوة وحي القصبة بالعاصمة، فإن اللافت أن واشنطن باتت تبحث عن جذورها الفنية والتراثية في القارة السمراء عبر نفس الخارطة. مشاورات الحوار الاستراتيجي الجزائري الأميركي تتصدر أجندة نائب وزير خارجية الولايات المتحدة في زيارتها إلى المنطقة، وهي الخطوة التي تتزامن مع حالة الاستقطاب الدولية الناجمة عن أزمة أوكرانيا وأشادت السفيرة الأميركية بـ”التعاون والجهود المبذولة بين الحكومتين لإنجاح هذا البرنامج الذي يجمع موسيقيين ويمزج أساليب موسيقية من الولايات المتحدة والجزائر وبلدان أفريقية مجاورة للجزائر في هذا الحدث الرائع والفريد من نوعه”. ولفتت إلى أن “هذه التظاهرة، التي تنظم لأول مرة في الجزائر وفي القارة الأفريقية، مهمة جدا لأن الكثير من الأنواع الموسيقية في الولايات المتحدة تعود جذورها إلى القارة الأفريقية، وأن هذه المبادرة تظهر الاتحاد من خلال الموسيقى التي هي لغة عالمية بين البشر”. ودفع تصاعد الاقتتال بين القوات الروسية ونظيرتها الأوكرانية إلى تكريس المزيد من الضغوط على الجزائر بسبب إمدادات الطاقة، لكن الخارجية الجزائرية أكدت أنها تنأى بنفسها عن طرفي الصراع رغم العلاقات المتوطدة مع موسكو. وكشف مدير الإعلام في وزارة الخارجية الجزائرية عبدالحميد عبداوي قبل أيام أن “بلاده تنأى بنفسها عن النزاع المشتعل في أوكرانيا بين الروس والأوروبيين، وفاء لتقاليدها الدبلوماسية، الرافضة لأي تورط في الشؤون الداخلية للدول”، ويعد هذا التصريح هو أول موقف رسمي يصدر عن الجزائر تجاه الأزمة المذكورة، لكنه يبقى ملتبسا بالعديد من المؤشرات التي أضفت حالة من الغموض عليه. ويبدو أن الجزائر الواقعة تحت ضغوط مختلفة بسبب طلبات إمدادات الغاز، تسعى من خلال هذا الموقف للعزل بين ما هو اقتصادي وما هو دبلوماسي، فإذا عبرت عن استعدادها لتلبية الطلبات المتزايدة على الغاز من طرف دول أوروبية، امتنعت عن التصويت على اللائحة الأممية التي أدانت الاجتياح الروسي لأوكرانيا، بغية إبراز موقفها المحايد.
مشاركة :