لعلها مبني للمعلوم، تلك المكاتب المسماة بالأيدي العاملة، هي المسئولة عن استقدام «الشغالات» وما أدراك ما «الشغالات»، معلومات مغلوطة تأتيك عن المكتب الذي تقع في يده، أو الذي تقع عليه عينيك، تختار «الشغالة» المناسبة، تجري معها لقاءًا عبر الفيديو، ثم تقوم بتوقيع عشرات العقود التي من الصعب قراءتها أو ترجمتها في عجالة، ثم تدفع من 1700 – 1800 دينار شاملة التأمين بسبب كورونا والفحوصات الطبية، ويا ويلك ويا سواد ليلك لو كانت لديك شغالة سابقة تريد أن تستقدمها من خلال أحد هذه المكاتب فإنهم ومن دون أي حياء وعقابًا لك يضيفون مبلغ ألف دولار على تكلفة الاستقدام بحجة أنه يتم دفعها للوكيل الخارجي الذي يتعامل معه المكتب المعجزة في البحرين. مشوار طويل من الرسوم، والمدفوعات وطريق مملوء بالأشواك وأنت تبحث عن مجرد «مساعد أو مساعدة» لتُعين زوجتك المريضة أو العاملة على أعمال في غاية البساطة والبديهية بالمنزل. بعد مرور شهرين وربما ثلاثة شهور يتحقق حلمك أخيرًا، وتأتيك الشغالة التي تنتظرها وكأنها شريكة العمر، فإذا بالطامة الكبرى تقع فوق رأسك لتجد نفسك أمام شغالة أخرى، ربما شبيهة لها فجميعهن تحملان نفس الملامح تقريبًا، لكنهن لا يمتلكن نفس المواصفات أو الصفات. تحت ضغط الحاجة تقبل ويمنحك المكتب «الميمون» فرصة ثلاثة شهور أخرى لإجراء فحوصات طبية إضافية واستخراج بطاقة سكانية، وبالمرة عمل الاختبارات اللازمة للشغالة إذا ما كانت تصلح أم لا. تظل الشغالة منضبطة في عملها حتى تمر الشهور الثلاثة، فإذا بها تتحول إلى كائن آخر، تريد أن تتسلل من الأبواب الخلفية للبيت لتشم قليلاً من هواء الشارع، لا ترضخ للنظام المعمول، ولا تريد حتى أن تستمع لكلام ربة البيت أو كفيلها خاصة فيما يتعلق بالأمور الترتيبية العادية كالمساعدة في المطبخ أو كي الملابس أو غسيلها في غسالات «فُل أوتوماتيك» طبعًا وبها مجفف وموزع للحرارة، وما إلى ذلك. فجأة ومن دون مقدمات تسأل الشغالة عن يوم عطلة، وتسعى لكي تستمتع به في الخارج، تمامًا مثلما تدعي بأن سمعها ضعيف عندما تنادي عليها عشرات المرات من أجل قضاء أي شيء مهم لك. و.. عندما تتصل بالمكتب الذي استقدمها، بعد أن تكون قد قدمت شكواك إليه بأن الشغالة ليست هي، وأنها لا تلائمك، وأنها وأنها، إلا أن صاحب المكتب أو من ينوب عنه يتحجج بأن ترجيع الشغالة حتى قبل انقضاء مهلة الشهور الثلاثة غير مناسب حيث لا يوجد لها محل إقامة في سكن الشغالات لديه، يلجأ صاحب مكتب الأيدي العاملة إلى هذه الحيلة حتى تمر مهلة الشهور الثلاثة ويضيع حقك في إعادتها للمكتب واسترداد ما أنفقته من مبالغ باهظة على مجرد «وهم». يحدث ذلك على مرأى ومسمع من هيئة تنظيم سوق العمل، وعلى مرأى ومسمع من آلاف المظاليم مع هذه المكاتب، التي طفح كيلنا منها، صحيح أن ظاهرة التعميم قد تكون ظالمة، وأن هناك من الشرفاء والملتزمين والأمينين ما يجعلنا ننأى بهم بعيدًا عن هذه التجارب المريرة، لكن الصحيح أيضًا أن هناك من «المستغفلين»، والمستغلين ما نذوق مع الأمرين، خاصةً في ظل القانون المفروض قسرًا على من يدفع الكثير مقابل جودة الخدمة، لكن ما يحدث هو أنك عزيزي «المصاب» بهذا المقلب فإنك تدفع الكثير مقابل اللاشيء. بلادنا والحمد لله بها قوانين ولديها من المؤسسات ما يسد الرمق ويفي بالحاجات، ولدينا من المسئولين في هيئة تنظيم سوق العمل ما نرفع لهم القبعات وما يرفع رأسنا عالية، وليس هذا وقت للإشادة بهم، فهم أصدقاؤنا وأبناؤنا ونفخر بهم في كل وقت، لكن المشكلة، أن من يقوم بفرز الحدود بين الكفيل وهذه المكاتب، بين المواطن المسكين وبعض الذين يخيطون ويبيطون في تلك المؤسسات غير المنضبطة، هو الذي تقع عليه مسئولية التغاضي أو التعاطي مع شكوى المواطنين، ومع تجاوزات تلك المكاتب. ولا أرى ولا غيري يرى من الذين وقعوا في شرك هذه التجربة المريرة أن لديهم سوى صرخة واحدة: أنقذونا يا جماعة الخير من هذه المكاتب، وضعوا شروطًا أقل إجحافًا من تلك التي تفرض على المستقدم «للشغالة»، أن عليه بكل تأكيد واجبات، فكلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته، لكن في المقابل، فإننا لا نرى سوى مزيد من الأعباء ومزيد من التكاليف، بل ومزيد من المسئوليات على كفلاء الشغالات، لكننا لا نرى معاملة عادلة بالمثل إذا قررت الشغالة العودة بعد مهلة الـ3 شهور، وإذا «طنش» المكتب غير المأسوف عليه طلبات المستقدم، وإذا وإذا وإذا، والله وحده المستعان.
مشاركة :