ثورة عارمة وغير مسبوقة في تعامل أوروبا وأميركا ورد فعلهما مع غزو روسيا لأوكرانيا، استخدمت فيها دول الاتحاد الأوروبي كل أدواتها الممكنة سياسياً واقتصادياً وإعلامياً للانتقام من الغزو الروسي بدون تدرج ولا تأنٍّ ولا مفاوضات مطولة ولا مؤتمرات دولية، وما زال هناك المزيد من الخطط والخطوات الأوروبية التي يبدو أنها ستسلك كل سبيل لكسر شوكة روسيا ما عدا سبيل المواجهة العسكرية المباشرة في الميدان لأنها قد تكون كارثية على الأطراف كلها. ما اتخذته دول الاتحاد الأوروبي وأميركا من قرارات ضد روسيا خلال أسبوع، لم تكن لتتخذه خلال سنوات مع غيرها في الحالات المماثلة من الاعتداءات بين الدول أو على الشعوب البريئة أو الأقليات المضطهدة حول العالم، فسياسة الغرب مع النزاعات الدولية قائمة على إطالة أمدها وتعميق أسبابها وتعظيم آثارها وإنهاك أطرافها، فلا تنتهي تلك الصراعات أبداً كما هو مدون في سجلات وقرارات الأمم المتحدة التي يظهر من خلال متابعتها خلال أربعين عاماً بكل وضوح سياسات الدول المسيطرة على بؤر الصراع في الكرة الأرضية. ومن الغرائب أن أوروبا لم تلجأ للأمم المتحدة لتبرير أفعالها ضد الغزو الروسي، ولم تلجأ لها لاستصدار قرارات العقوبات الاقتصادية والتجارية على روسيا حكومة وأفراداً وكيانات، لتكشف لنا أن هذه المنظمات وتشريعاتها مركونة فقط للأمم المستضعفة التي لا تملك من أمرها شيئاً. ومن الغرائب أن دول الاتحاد الأوروبي التي دائماً تنادي بفصل السياسة عن الرياضة وتحرم الخلط بينهما في المناسبات والمحافل المختلفة وتعاقب الرياضيين والأندية والمنتخبات وحتى الجماهير التي تبدي أو ترفع شعارات سياسية في الملاعب والمباريات، ولو كان لقضايا إنسانية خالصة ومستحقة، انقلبت هذه السياسات فجأة مع الغزو الروسي، فتدخلت المنظمات الرياضية الأوروبية والدولية مباشرة وبعنف ضد الأندية والمنتخبات الروسية وحتى اللاعبين الأفراد، فحرمتهم من المشاركات وطردتهم من البطولات بجرة قلم ودون اعتبار لأي أحد. أما الفضيحة الكبرى فكانت في العنصرية المنحطة التي مارستها دول الاتحاد الأوروبي مع اللاجئين والمغادرين هرباً من جحيم الحرب عند الحدود الأوكرانية لتكشف للعالم عورة الخدعة الكبرى بالإنسانية والمساواة والعدالة. عيب علينا أن نحتاج لمثل هذا الغزو الروسي حتى نستفيق ونعرف حجم الظلم والاستبداد والخيانة التي تمارسها أوروبا وأميركا بتأييد الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين خلال مئة عام، عيب علينا أن نحتاج إلى هذا الغزو الروسي لنعرف حجم الكراهية والمعاداة التي تحملها المنظمات الدولية المأسورة للغرب ضد قضايا الأقليات المسلمة حول العالم بدون تدخل ولا مناصرة ولا إنصاف، عيب علينا أن ننتظر هذه الحرب لنعرف هول الإهمال واللامبالاة الأوروبية للاجئين السوريين على مدى عشر سنوات، عيب علينا أن ننتظر اشتعال الخلاف العسكري بين أوروبا وروسيا لنعرف كيف تحمي دول الغرب بسلوكها المنافق المشروع الإيراني النووي والمخططات الإيرانية في المنطقة، وتتغاضى عنه وتخلط أوراقه حتى يظهر على الواقع ليكون أداة استنزاف وتهديد للأمة العربية والوحدة الخليجية، لم نكن نحتاج كل هذا فالأمور واضحة وضوح الشمس للعقلاء، ولكن سؤالنا لمن كان أعمى البصر والبصيرة من أبناء جلدتنا: هل أفقتم الآن؟ والله الموفق.