السؤال الكبير، الذي يشغل الجميع في العالم يتعلق بالتوقيت والمدى الزمني، الذي يمكن أن تنتهي فيه العملية العسكرية في أوكرانيا، وهل نهاية هذا المشهد المأساوي سوف يكون من خلال الحسم العسكري، أم أن الدبلوماسية والحلول السياسية يمكن أن تجد طريقاً وسط كل هذه الأسلحة، التي يستخدمها الطرفان؟ بعد دخول العملية العسكرية أسبوعها الثالث تبلورت الاستراتيجية الروسية، التي تقوم على 5 مراحل، الأولى كانت بتوجيه ضربات صاروخية إلى البنية التحتية العسكرية، ومحاولة السيطرة على المحطات النووية مثل تشيرنوبل وزابوريجيا، والثانية نقل كميات ضخمة من العتاد والجنود الروس، وصل طول أحد هذه الأرتال 65 كلم، والثالثة هي التي تدور هذا الأسبوع، وتقوم على تطويق ومحاصرة المدن المتوسطة والكبيرة من دون دخولها، والمرحلة الرابعة تبدأ خلال الأسبوعين المقبلين بمحاولة الدخول إلى قلب المدن الكبيرة، وإسقاط الحكومة الحالية في كييف، وبعدها تبدأ المرحلة الخامسة وهي الأصعب والأطول، وتعتمد على حرب الشوارع، وقد استعد لها الطرفان جيداً، فروسيا حشدت عدداً كبيراً من القوات الخاصة، كما وجه الرئيس فلاديمير بوتين بتسهيل وصول المتطوعين من الشرق الأوسط. على الجانب الآخر استعدت الحكومة الأوكرانية وحلفاؤها الغربيون لهذه المرحلة، من خلال دعوة المتطوعين من كل دول العالم عبر الالتحاق بـ «الفيلق الأجنبي»، كما أعلن الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي تجهيز نحو 500 ألف متطوع أوكراني لهذه المرحلة. اليقين لم يبدأ بعد وسط هذا الزخم العسكري لم يصل الطرفان إلى حالة «اليقين العسكري»، فروسيا من جانبها ترى أنها دمرت 90% من البنية التحتية العسكرية للجيش الأوكراني، بينما تقول المخابرات الأمريكية: إن الجيش الأوكراني خسر فقط 10% من قدراته، وإن تخصيص مزيد من الدعم العسكري سوف يعطل العملية العسكرية الروسية، ويفشل أهدافها الاستراتيجية. وحتى الآن تنفي موسكو احتمالية أن تتحول أوكرانيا إلى «مستنقع أو فخ»، كما أن الرئيس زيلينسكي يتعامل مع الأمر وكأن سقوط كييف يحتاج إلى سنوات، وليس أسابيع، وفق حسابات وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاغون». العروض الافتتاحية في علم التفاوض هناك ما يسمى «العروض الافتتاحية»، وهي الشروط المستحيلة والسقوف العالية، التي يطرحها كل طرف مع بدء المفاوضات، وهذا كان شعار المفاوضات، التي جرت بين وفدي روسيا وأوكرانيا في بيلاروسيا، وأيضاً كان العنوان العريض للاتصالات والمفاوضات، التي جرت بين بوتين ونظرائه في فرنسا وألمانيا، ويتمسك فيه الجانب الروسي بكل شروطه من نزع سلاح أوكرانيا، والاعتراف بضم شبه جزيرة القرم لروسيا، واستقلال دونباس عن أوكرانيا، في حين يتمسك الجانب الأوكراني بكل شبر من أوكرانيا، وحقها السيادي في الانضمام لأي تحالف، لكن الانتقال من مرحلة «العروض الافتتاحية» إلى الأفكار الواقعية سوف يتحقق بعد الأسبوعين القادمين عندما يتأكد للقادة الأوكرانيين أن «الناتو» لن يدافع عن كييف وغيرها من المدن الكبيرة، كما أن روسيا سوف يتأكد لها مدى التكلفة العالية لاستمرار وجودها في دولة أوروبية كبيرة مساحتها نحو 600 ألف كلم، وسكانها يتجاوزون 44 مليون نسمة، ويتدفق عليها المقاتلون الأجانب من جميع قارات الأرض. المؤكد أنه في بداية المعارك تسود لغة البندقية، لكن بعد فترة من «إدراك الحقائق» تبدأ الدبلوماسية تزاحم البندقية، فالخسائر التي تتعرض لها جميع الأطراف، والتداعيات التي طالت العالم كله نتيجة هذه الأزمة تجعل البحث عن حل دبلوماسي مستدام واجباً أخلاقياً وسياسياً على الجميع. طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :