السياسة والرياضة مجالان للتحيز والميول والانتماء.. وهما مساحتان للتعبئة الشعبية.. ومكانان للشعارات. وكذلك الرياضة ليست منفكة عن الحراك الاجتماعي العام لذلك قد نجد أن كثافة المتابعة لمجريات الرياضة وأحداثها قد تمثل الدرجة الأهم وتعد المجال الأول للمتابعة في حياة الناس بمختلف بقاع الأرض.. ولاشك أن الرياضة وسيلة للتواصل العالمي، وتمتين الروابط الاجتماعية.. واكبها دعوات ضابطة للتقيد بروحها ومفاهيمها وأدبياتها التي تعزلها عن أي مجال آخر، وعدم إقحامها في السياسة بالذات وتوصيل الرسائل الإيجابية بكفاءة. دوماً ما تدعو المؤسسات الرياضية العالمية وتشدد بقوة على عدم إقحام الرياضة في الشعارات السياسية، أو استغلال الأحداث والفعاليات والبطولات الرياضية في تمرير الرسائل والشعارات السياسية أياً كانت.. وتمنع منعاً باتاً يصل إلى العقوبات والغرامات والإيقافات لمن يتجاوز هذه الأنظمة والأدبيات. وهذا ما حدث لكثير من المواقف لبعض لاعبي كرة القدم حين أظهروا على قمصانهم بعض العبارات المؤيدة لموقف سياسي أو التذكير به أو محاولة التأثير خصوصاً عندما يتعلق الأمر بقضايا في الشرق الأوسط. واليوم نشهد تحولاً هائلاً في مفاهيم وأدبيات هذا الاتجاه الذي ظهر في أحداث روسيا وأوكرانيا حيث انقلبت موازين العرف الرياضي، واختلت توجيهات المؤسسات الرياضية، فرأينا إقحاماً سافراً وسريعاً للرياضة في هذا الحدث السياسي، فتم السماح برفع شعارات تدعم طرفاً على طرف واستخدمت لوحات الإعلانات والمدرجات في الملاعب وكذلك قمصان اللاعبين واللقطات التلفريونية للمباريات في وضع رسائل مؤيدة لطرف على طرف بحسب توجه الدول التي اتخذت موقفاً خصوصاً ضد روسيا، وتعدى الأمر أنه خلال أيام تمت الإشارة لحرمان روسيا من كأس العالم، وأصدر الفيفا الذي تعود وترجع إليه الاتحادات الرياضية الوطنية قرارات عاجلة تسمح بفسخ عقود العاملين من المدربين واللاعبين وغيرهم من طرف واحد دون عقوبة، كما جمدت أموال رئيس تشيلسي في إنجلترا وأرغم على بيعه مع تعقيدات البيع. كل هذه الأحداث التي توالت خلال أيام فقط وسمحت المؤسسة الرياضية الأولى في العالم بإقحام الرياضة بالسياسة في مثل هذا الحدث بطريقة انتقائية ومنعه في قضايا أخرى مرتبطة بأحداث في الشرق الأوسط كقضية فلسطين.. واعتمدت على تأثير الدول العظمى وطلباتها السياسية المتخالفة.. كل ذلك دليل واقعي على أن السياسة وأهواءها هما المتحكم الحقيقي في تسيير العلاقات الدولية، وتحريك تأثيراتها المختلفة.. كما أن مفهوم الحرية والديموقراطية ومبادئ الفصل بين الرياضة والسياسة مفاهيم إسفنجية تتكيف مع أطماع ومزاج الدول المؤثرة وأن الرياضة هي في حقيقتها عتبة للسياسة والتأثير، وأداة خادعة وجاهزة تستخدم عند حاجة بعض الأطياف السياسية المدعومة من دول الاتجاه الأحادي. ويبقى القول: قراءة المشهد الذي يحدث هذه الأيام تجعلنا نتيقن تماماً أن لون السياسة هو اللون الطاغي، وأن ازدواجية المعايير، وانتقائية التعامل أمران طبيعيان جداً لدى دول التأثير في العالم، وأن الرياضة ليست معزولة عن السياسة كما رددوا أهل الشعارات الواهية.
مشاركة :