اليوم العربي للغة العربية.. ذكرى في مهبّ الريح

  • 3/17/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

للاحتفاء باللغة العربية يومان: الثامن عشر من ديسمبر من كلّ عام؛ وقد أقرّته اليونسكو يوما عالميا، والفاتح من مارس من كلّ عام؛ وقد أقرّته الألكسو (المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم). وأنا أتابع منذ سنوات الاحتفاء بهذين المناسبتين. وقد لفت انتباهي، في السنوات الأخيرة، تنامي الاهتمام الدولي إعلاميا بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية، في حين يفتر هذا الاهتمام حين يتعلّق باليوم العربي للغة العربية إلى حدّ الغياب كليا في المشهد الإعلامي العربي وفي المجتمع الفايسبوكي أيضا.  وإذا كان الاهتمام الدولي باللغة العربية دليلا على مكانتها التي تستحق بين لغات العالم، فإنّ الفتور الذي يشوب عنايتنا بها، نحن العرب، في يومها العربي يؤكّد أنّ المشكلة فينا لا في لغتنا. ويكاد ينحصر الاهتمام بالمؤتمرات، التي تنعقد هنا أو هناك، تحت عناوين برّاقة وتوصيات خلابة، لكنّها تبقى حبرا على ورق وذلك بسبب الضعف الإعلاميّ الذي يصحب هذا اليوم العربي للغة العربية بالرغم من تأكيد الألكسو المتكرر ودعوتها كلّ المهتمين بالشأن التربوي والثقافي والإعلامي إلى «العمل على الرفع من مكانة اللغة العربية من خلال استخدامها في التعليم والإعلام والإعلان وفي مختلف وسائط التعامل اليومي»، ودعوتها مؤسسات التعليم والإعلام والهيئات المعنية إلى الاحتفاء بهذا اليوم من «خلال الفعاليات الثقافية والبرامج الهادفة التي تصب في تأكيد أهمية اللغة العربية باعتبارها رمز الهوية وقاعدة الوحدة للأمة العربية والإسلامية».  لكن، لا يتوقّف الأمر عند ضعف الاهتمام الإعلامي باللغة العربية، وإنّما أصبح جزء من الإعلام، عن وعي أو دون وعي، يسيء إلى اللغة العربية. بل أصبحت تتعرّض«المسكينة» إلى «مجازر» على مواقع التواصل الاجتماعي وفي العديد من القنوات الإذاعية والتلفزيونية؛ حيث يُلْوى عنق اللغة العربية الفصحى، وتُغلّب اللهجات العامية المحليّة على الفصحى، بل ويُسْتهزأُ باستعمالها أحيانا. ولا نكاد نعرف بلداً غربياً أو شرقياً (اليابان والصين مثلا) يسمح لمن هبّ ودبّ، بِلَيِّ عنق لغتها في وسائل الإعلام العامّة وصفحات التواصل الاجتماعي.  لذا دقّ الغيورون على اللغة العربية «ناقوس الخطر» لما يتهدّدها من تشويه وتقزيم وانحراف، وقد حمّل د.عبد العزيز بن عثمان التويجري المدير السابق للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة “الايسيسكو” الإعلام العربي جانباً كبيراً من المسؤولية فيما تردّى إليه وضع استعمال اللغة العربية، حين قال: «إنّ الإعلام في جملته يبخس اللغة العربية، ويلحق بها أضراراً كثيرة تفسد اللغة وتفقرها». واعتبر أنّ إغراق اللغة العربية في بحر من العاميات والدوارج يمثل ضرراً جسيماً في جسم الفصحى. لكن هل الإعلام هو المسؤول الوحيد؟ قطعا، لا؛ فالأسباب كثيرة، وسأكتفي هنا بأسئلة عديدة تشغل بالي وبال اللغة العربية على أكثر من صعيد:  لماذا لا يُعتمَد الاختبار الوطني للكفاءة اللغوية شرطًا من شروط القبول والتوظيف في الوظيفة العمومية، وحتّى في المؤسسات الخاصة؟ ألن يدفع ذلك إلى الاهتمام باللغة العربية في التعليم وسوق العمل؟  ولماذا تتجه معظم مؤسسات التعليم العالي إلى التدريس باللّغات الأجنبية؟ بل ويُصبح إتقان لغة أجنبية من متطلبات القبول في الجامعة؟ ألَمْ يَحِنْ الوقت لتعريب التعليم العالي في التخصصات العلميّة؟ ألا يجدر أن يصبح إتقان اللغة العربية ضمن شروط القبول لجميع تخصّصات التعليم العالي؟ وإلى متى يقع السكوت عن اللوحات الإشهارية، واللافتات التجارية المشوّهة للبيئة اللغوية السليمة؟ ألا يكفينا ما تعجّ به الشوارع من لوحات باللغة الأجنبية، حتى تأتينا لوحات بعربيّة ما أنزل النحو بها من سلطان، فتزيد في انتشار التلوث اللغوي؟!  ومن جهة أخرى، إلى أي مدى يُجيد المعلمون والمعلمات اللغةَ العربية باعتبارها وسيلتهم الأولى في التواصل مع المتعلّمين في معظم الدروس؟ وإلى أي مدى يخضع هؤلاء إلى دورات تدريبية إجبارية لمعالجة أخطائهم في أساسيات الكتابة والنطق السليم بعيدًا عن العامية المحلية أيًا كانت؟ ألا يجدر أن يكون إتقان اللغة العربية لجميع المعلمين والمعلمات في جميع التخصّصات من شروط التوظيف والاستمرار في العمل والتقويم المهني السنوي لهم؟

مشاركة :