قبل أيام شاركت بدعوة كريمة من أخي الدكتور زياد الدريس، مندوب المملكة الدائم لدى اليونسكو في الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية في مقر المنظمة في باريس، قلت للمحاضرين وقتها : لا تقلقوا على اللغة العربية، فهي لغة القرآن الكريم، ولسان أهل الجنة، والله سبحانه وتعالى كفيل بحفظها ورعايتها، غير أن ذلك لا يعفينا من واجباتنا تجاه لغتنا باعتبارها وعاء حضارتنا ورمز هويتنا. إن أهم العوامل التي تسهم في نصرة اللغة العربية ودعمها تتلخص في أربعة عناصر: العنصر الأول هو الاستقلال السياسي، فالهزيمة تولد انتكاسة الهوية، وابن خلدون يقول إن الأمم المغلوبة تقلد الأمم الغالبة، وفي عصرنا الحاضر قد يكون الاستعمار والاحتلال قد انحسر، ولكنه يعود إلينا في حُلَّة استعمار واحتلال فكري وثقافي أشد ضراوة وأمضى حدًّا. العنصر الثاني هو التنمية الاقتصادية، فالدول التي تراوح مكانها في مسيرة التنمية لا تستطيع أن تستثمر في عقول أبنائها وفكرهم ولا تملك ترف الاختيار خارج إطار الاحتياجات الأساسية لمواطنيها، ولذلك فإن علينا أن نختار من السياسات والبرامج ما لا يتعارض مع التنمية الاقتصادية أو يعرقلها. ثالث هذه العناصر هو الحرية الفكرية والاقتصادية، فالمجتمع الموجَّه المبرمَج يعجز عن الإبداع والابتكار وإيجاد الصيغ الخلاقة التي تزاوج بين احتياجات المجتمع والعلوم وبين موجبات الحفاظ على اللغة وتنميتها. لقد استمعت إلى عدد من المتحدثين وهم يدعون الى تنسيق الجهود وسن القوانين وفرض العقوبات إلى آخر منظومة الفكر العربى التقليدي التي ترتكز على مبدأ «إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن»، ومع تقديري لحسن النوايا إلا أنني أميل إلى أن ندع مائة زهرة تتفتح، وأحسب أن الفكر والثقافة يزدهران تحت عبير الزهور أكثر مما ينموان تحت سوط السلطان. آخر هذه العناصر وقد يكون أهمها، هو أن الأسرة هي الأساس، وأن تعليم اللغة العربية وحمايتها ورعايتها يجب أن ينطلق من داخل الأسرة، وأن يرتكز على أبوين متعلمين قادرين على أن يزرعا حب اللغة في أبنائهما، وأن يستفيدا من تلاوة القرآن الكريم والإنصات إليه في «دوزنة « آذان أبنائهما حتى لا تعود تتقبل النشاز أو اللحن في اللغة. وكل عام وأنتم ولغته العظيمة بكل خير. afcar2005@yahoo.com
مشاركة :