بقلم/ أ .بندر القحطاني يعد القطاع الثالث غير الحكومي وغير الأهلي قطاعًا متفوقًا وشاملًا في جميع المجالات، فهو نابع من احتياجات المواطنين والعاملين في القطاعات المختلفة، الإنسانية والثقافية والبيئية للمؤسسات غير الحكومية وغير الربحية، وقد عرفت الأمم المتحدة المجتمع المدني على أنه: القطاع الثالث من قطاعات المجتمع، جنبًا إلى جنب مع الحكومة وقطاع الأعمال، ويتكون من منظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية. وتسلط هذه المقالة الضوء على جهود المملكة العربية السعودية في بناء مجتمع طموح متكامل الأركان، وذلك عبر شراكات فاعلة مع المجتمع المدني في القطاع الخاص والمنظمات غير الربحية، محققةً بذلك ارتفاعًا للناتج المحلي ونموًا اقتصاديًّا ينعكس على جودة الحياة، وتعظيمًا للأثر الاجتماعي في بناء وطن مستقر، متوازن ومتكاتف؛ حيث يواكب القطاع غير الربحي في المملكة رؤية 2030 التي تسعى لزيادة مساهمة القطاع في الناتج المحلي إلى 5%، ورفع أعداد المتطوعين إلى مليون متطوع ومتطوعة بحلول عام 2030. وتنتشر المنظمات غير الربحية في مختلف أرجاء المحافظات والمناطق في المملكة، وتسعى لتطبيق التكافل الاجتماعي بتقديم المساعدات المختلفة للفقراء والمحتاجين، وترسيخ مبدأ التعايش والتسامح والتعاون والتكاتف والتلاحم، خاصة في ظل الأزمات والجوائح العالمية التي يشهدها العالم. حيث يسهم القطاع غير الربحي بشكل فعال في تنمية مختلف المجالات التي تخدم المجتمع وترسخ ثقافة المسؤولية الاجتماعية، إضافة لكون هذا القطاع محورًا أساسيًا لتحقيق التنمية المستدامة في ظل ما تشهده المملكة من دعم متواصل يعزز قيم العمل الإنساني لأفراد المجتمع من خلال التكامل مع الجهات الحكومية المختلفة وتعظيم نفعها. *أهمية القطاع غير الربحي السعودي ورؤية المملكة* 2030 اهتمت رؤية 2030 اهتمامًا جليًا بتطوير وتمكين القطاع غير الربحي؛ وذلك بتقسيم الرؤية إلى أهداف قريبة المدى تحقق خلال عام 2020م، وأهداف بعيدة المدى تحقق عام 2030م، وذلك من خلال إطلاق أهداف ومقاييس تساهم في تنمية القطاع، واستشعارًا لأهمية قطاع ريادة الأعمال الاجتماعية ودورها في تحفيز الابتكار المجتمعي ورفع مستوى الظروف الاقتصادية والاجتماعية، تعمل الجهات العامة على التطوير المستمر لهذه الشراكات والتوجه إلى بناء تحالفات استراتيجية تعزز العمل المشترك لتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030. حيث اهتمت الرؤية بمعرفة أثر البرامج والخدمات المقدمة من المنظمات غير الربحية، وبالنظر إلى ما يتعلق بجانب الأهداف قصيرة المدى، تجلى الاهتمام في زيادة عدد مقاييس الأثر الاجتماعي لأكثر من ثلثي برامج المنظمات غير الربحية، والذي يعتبر من الخطوات المهمة في تشجيع المنظمات الربحية لمعرفة أثر المنظمة وتقديم خدمات ذات جودة عالية للمستفيدين. وعلى صعيد الأهداف بعيدة المدى، تطمح المملكة لزيادة أثر القطاع في الناتج المحلي الإجمالي من 0.3% إلى 5%، ولزيادة عدد المشاريع التي تحتوي على أثر اجتماعي من 7% إلى 33%، وبالنظر إلى أثر القطاع غير الربحي السعودي، فيعطي توسع القطاع أهمية في كلا الجانبين: الاقتصادي، والاجتماعي. حيث يساهم في خلق الفرص الوظيفية وتوفير بيئة العمل المهتمة بالمسؤولية الاجتماعية في الدولة. وبالنظر إلى مساهمته في الاقتصاد السعودي فتبلغ نسبة نمو القطاع غير الربحي في الناتج المحلي الإجمالي 7% محققًا نسبة أعلى من القطاع الحكومي الذي تبلغ نسبته 2.76%، وأما من جانب المساهمة الاجتماعية للمنظمات غير الربحية في المملكة، وعلى الرغم من محدودية عدد المنظمات غير الربحية، فيوجد تنوع بالاهتمامات وأنشطة المنظمات غير الربحية، مثل: توفير المسكن، وتوفير الخدمات المجتمعية، وأعمال البر وغيرها؛ مما يساهم في سد الاحتياجات لفئات المجتمع المختلفة. *واقع القطاع غير الربحي في المملكة العربية السعودية* يمكن القول بأن هنالك عدة عوامل ساهمت في ازدهار القطاع، ويمكن تلخيصها على النحو التالي: 1- دور الرعاية الاجتماعية في سد احتياجات المجتمع وتقديم الخدمات للمجتمع، ففي فترة السبعينيات الميلادية ساهمت عوائد البترول بتقديم الدعم المالي من الدولة البرامج الرعاية الاجتماعية وعدم فرض ضرائب مالية عليها. 2- تطور العمل الخيري، وذلك من خلال اعتبار القطاع غير الربحي قطاعًا ناشئًا نسبيًا، حيث تشير بعض الأقوال إلى أن من أوائل المنظمات غير الربحية سجلت قبل 70 عامًا تقريبًا، وكان القطاع غير الربحي مهتما بالعطاء المادي المباشر؛ وذلك من خلال جمع الصدقات والتبرعات بشكل مباشر من المتعاون وإيصالها إلى المحتاجين دون النظر إلى الأثر الحقيقي الناتج من تلك التبرعات. وقد أدت مثل هذه الممارسات إلى ازدياد مخاطر الاستخدامات غير المشروعة. ومع ارتفاع الوعي للمواطن السعودي واستشعاره لأهمية معرفة المصب النهائي للتبرعات وحوكمة المخرجات للبرامج والخدمات المقدمة، وضعت أنظمة تسجيل وإدارة للمنظمات غير الربحية من قبل وزارة العمل والتنمية الاجتماعية في عام 1384 هجرية بهدف تنظيم وتوحيد جهود القطاع في الأعمال الخيرية. ووفقا لتقرير مؤسسة الملك خالد الخيرية فإن الأرقام المسجلة للمنظمات غير الربحية تبلغ ما يقارب 2598 منظمة غير ربحية. *تحديات القطاع غير الربحي في المملكة العربية السعودية* يواجه القطاع غير الربحي كثيرًا من التحديات والتي تقسم إلى ثلاثة جوانب أساسية: 1- التحديات التي يعانيها القطاع من الماضي وما زالت مستمرة إلى وقتنا الحاضر: كصعوبة الحصول على التمويل والدعم المالي، وشح في البيانات والقطاع وأثره، والبيروقراطية، والحوكمة، وعدم وجود استراتيجيات للإدارة المالية وقياسات الأثر. 2- التحديات الحالية: يواجه القطاع تحديات جديدة تكمن في تبني القطاع لأدوات إدارية ومحاسبية مستحدثة، ويركز الداعمون (المستثمرون ماليًّا) على الشفافية في أعمال المنظمات غير الربحية؛ حيث ينظر إلى الجوانب الإدارية والمحاسبية للمشروع من قبلهم للتأكد من كفاءتها ومدى حاجة الجهة المستفيدة منها. 3- التحديات المستقبلية: يمكن حصر التحديات المستقبلية التي يواجهها القطاع غير الربحي في المملكة من خلال النقاط التالية: • كيفية تطوير بيئة عمل القطاع لتكون أكثر مرونة؛ وذلك عن طريق التعاون مع الدول المتقدمة في تطوير الجوانب الإدارية ومقاييس الأثر. • كيفية التوسع بعدد المنظمات غير الربحية ليصل أثر المنظمات غير الربحية لكل مواطن ومقيم في المملكة. • كيفية عدم اقتصار دور المنظمات على تلبية الاحتياجات التي يواجهها المجتمع، بل بتشجيع المواطنين والمقيمين للمشاركة في صناعة احتياجاتهم بالتعاون مع المنظمات غير الربحية بحسب حاجتهم، وتقديم الخدمات والبرامج بطرق خلاقة ومبتكرة. • إمكانية توسيع أنشطة القطاع لتواكب التغييرات السريعة والمتطورة في المملكة فالوقت الحالي من أجل المساهمة بتحقيق الدور المرجو للقطاع غير الربحي ضمن الرؤية (رؤية 2030)، كالمساهمة في خلق محتوى ترفيهي يتناسب مع متطلبات المواطنين، وبذل الجهود في تقديم الخدمات التي تساهم في دفع عجلة التنمية للمجال السياحي وغيرها من النشاطات المهمة. وفي الختام، هناك ضرورة لتأسيس مراكز مستقلة تختص بإصدار الأبحاث والدراسات العلمية عن القطاع غير الربحي السعودي في جميع المجالات، ولا شك بأن المملكة تسعى جاهدة لإنشاء العديد من مراكز الاستشراف المعرفي، وبالإضافة لتلك الجهود لا بد من تقوية القدرة البحثية والمختصة بشؤون القطاع غير الربحي والعمل على تأسيس المراكز التي تعمل على إنتاج الأبحاث العلمية عن القطاع غير الربحي السعودي بجميع مجالاته بشكل مستقل، وذلك بالتعاون مع الجانب الأكاديمي والجانب العملي بالمنظمات غير الربحية.
مشاركة :