سالم بن نجيم البادي كنت قد وعدت القراء والقارئات بكتابة مقالٍ عن الرجل الذي يدفع زوجته لطلب الطلاق بعد مقالي عن المرأة التي تدفع زوجها لطلاقها والحقيقة أن ردود الفعل من قبل القارئات الكريمات كانت مذهلة وكثيرة، حتى كدت لا أصدّق أنَّ كل هذه الأسباب المفضية للطلاق موجودة في مجتمعنا ولكنني تذكرت أن حالات الطلاق في المجتمع كثيرة أيضا ومثيرة للقلق وتستوجب التوقف معها طويلا لمعرفة الأسباب وإيجاد الحلول المناسبة لها. لكنني أترك ذلك لأهل الاختصاص؛ إذ إن الأمر يحتاج إلى البحث العميق وتتبع الأسباب الحقيقية وراء ارتفاع نسب الطلاق عندنا ويجب تضافر جهود جهات كثيرة. أنا هنا فقط أنقل قصصاً ذكرتها صاحباتها دون تدخل، كما أنني لا أعلم مقدار المبالغة في هذه القصص، ولا نسبة الصدق فيها؛ لأنني لم استمع إلى الطرف الآخر. تقول إحداهن: أعاني الجفاف العاطفي والصمت وعدم التقدير وقلة الاحترام، والمرأة جبلت على حب الكلمة الحلوة والثناء العاطر والرومانسية، والاهتمام وإظهار الحب، والحاجة إلى الحنان والعطف والاحتواء والإطراء، وهناك صنف من الأزواج- وزوجي منهم- ديدنهم الانتقاد الدائم، والأمر والنهي وتجاهل الحسنات وتضخيم الهفوات؛ فهو لا يمدح جمالي وأناقتي وعطري وحسن هندامي ونظافة البيت ونظامه وترتيبه، لكن إذا قصرت- ولو قليلا- ثار وزمجر وغضب حتى صرت لا اهتم بمظهري مع طول تجاهله لي! وتضيف هذه المرأة: زوجي يعتقد أنَّ عقد الزواج هو عقد استعباد أو أني خادمة أو عبدة لديه عليّ أن أقوم بكل الأعمال في المنزل الطبخ والغسيل والتنظيف وتربية الأولاد وأكثر من ذلك، مثل رعاية والده ووالدته الكبيرين في العمر، إلى جانب سقي الأشجار التي يهوى زراعتها في البيت ورعاية الحيوانات الأليفة! وتحكي امرأة أخرى عن بخل زوجها الشديد وأنه يجعلها تعيش في حالة تقشف دائم، وتقول: قد استطيع تحمل ذلك، لكن الذي لايطاق هو أن يظل يعايرنا أنا والأولاد بكل ما يشتريه، ويذكر لنا المبلغ الذي أنفقه، ويكرر ذلك عشرات المرات، وإذا ذهبنا أنا والأولاد برفقته إلى السوق يمنعنا من الشراء، وقد يغضب أمام الناس، وينتزع الأغراض من أيدينا، ويعيدها إلى مكانها، تحت ذريعة أنها غالية السعر، أو أنه لا ضرورة لها! وهو دائم الشكوى من عدم وجود المال لديه، حتى إنه باع ذهبي الذي اشتريته من مهري، وأخذ الفلوس التي قد يجود بها علي إخواني وأخواتي. وتقول ثالثة: زوجي يوبخني وينتقدني ويرفع صوته عليّ أمام أولادي، وهو شديد الانتقاد لكل عمل أقوم به، حتى فقدت الثقة في نفسي، لا شيء يعجبه مما أقوم به، وينعتني بالغباء وسوء التصرف والفشل وإني ما فالحة في شيء، وهو يعيّرني أمام أهله ويوجه لي الإهانة تلو الأخرى، وينتقص من كرامتي ويجادلني في كل شيء حتى أصبحتُ ألوذُ بالصمت عندما نكون أنا وهو مع النَّاس. وتتحدث زوجة أخرى عن غيرة زوجها الشديدة، فتقول: لا أستطيع التواجد في مكان يوجد فيه رجال، حتى لو كانوا إخوانه أو معارفه أو من معارفي، وعندما نكون معًا في مكان عام، يراقبني هل نظرت إلى أحدهم؟ هل تكلمت؟ هل ابتسمت لكلمة عابرة قالها أحد الرجال؟ أو حانت مني التفاتة غير مقصودة في مكان يوجد فيه رجال في السوق أو الشارع؟ ويحقق معي طويلًا عن كل حركة فعلتها بعفوية، وكل كلمة غير مقصودة، وإذا أمسكت هاتفي واخذت أتواصل مع أهلي أو صديقاتي يسألني مع من أتواصل وعن الموضوع الذي نتكلم عنه. إنها غيرة مرضية لا تطاق، وشك لا ينتهي، لقد سئمت كذلك وما عدت أطيق الصبر! وتقول زوجة أخرى: يمُنّ عليّ بأنه قبِل بالزواج مني، وقد تزوجني وأنا على مشارف 40 عامًا من العمر، ويقول لي أنت عجوز وبايرة، وحتى أهلك لا يريدونك ويرغبون في التخلص منك.. يُعاملني دائمًا باستخفاف وإهمال، ويتركني في البيت ويرفض أن نخرج معًا في رحلات للنزهة والترويح عن النفس. لدي منه ابن واحد لكنني أنا إنسانة لي مشاعر وعندي كرامة وأرفض أن أكون قطعة أثاث في بيته. وهذه زوجة أخرى تسرد حكايتها وتقول: زوجي فظ غليظ القلب، كلامه جارح يشتم ويسب في البيت، وهو دائم الغضب عابس الوجه، يضرب أولاده على أتفه الأسباب ضربًا مبرحًا، لا يفرق بين الأولاد والبنات، بيتنا جحيم وخوف وقلق، يضربني أمام الأولاد، وليس هذا وحسب، فهو لا ينفق علينا إلا النذر اليسير، والأولاد فاشلون في المدرسة، ولديهم عقد نفسية، وشخصياتهم انطوائية وضعيفة، حتى إنَّ بعض المعلمين في المدرسة يتبرعون لهم بالملابس والتغذية في وقت الفسحة، وبناته اللاتي تزوجن يرفضن حتى زيارتنا، نفورًا منه.. قل لي بالله عليك كيف استطيع العيش مع هذا الزوج؟ وهذه زوجة تعمل في مهنة التعليم، تقول: يساومني زوجي بين أن أترك العمل وبين أن أتكفل بالإنفاق على نفسي والأولاد والبيت؛ بل يطلب مني أن أذهب إلى السوق للتبضع، وهو يمنّ عليّ ليلًا ونهارًا، وفي كل وقت لأنه سمح لي بالعمل ويدعي أنني مشغولة بعملي وأهمل بيتي وزوجي وأولادي، وأقسم بالله أني لم أقصر يومًا في القيام بكل المهام المطلوبة مني في البيت، وأبذل فوق طاقتي، حتى أوشك على الانهيار من شدة التعب، وكلامه الجارح وعدم تقديره لي يقهرني ويعذبني، وصرت أكره نفسي وعملي والبيت وهذا الزوج، وأرغب في الطلاق منه. وتقول زوجة أخرى زوجي "دونجوان نسونجي ومغازلجي" وقد اشتهر بذلك عند أقرانه، وهو يتفاخر ويتباهى أمامي وأمام الآخرين بذلك، يخونني، وليته يفعل ذلك سرًا، لكنه يُجاهر بذلك، ويخبرني بكل مُغامراته مع النساء؛ ليثبت لي حسب زعمه أنَّه محبوب من النساء حتى إنه يهددني بالزواج من ثلاث نساء أخريات كلما نشب بيننا خلاف. أشعر بالإهانة البالغة وهو يستهتر بمشاعري ويتلذذ بعذابي، وإمعانًا منه في إهانتي، يحكي لي كل التفاصيل عن علاقاته النسائية!! وهذه زوجة يائسة بلغ بها الحزن حدًا جعلها دائمة البكاء، كما تقول عندما تخلو بنفسها، لشدة إهمال زوجها لها، وتقول: كنت انتظر منه أن نخرج معًا، كما يفعل الأزواج، ولكنه نادرًا جدًا جدًا ما يفعل ذلك، وأن هذا الأمر محل استغراب جاراتي وصديقاتي وأهلي. وتذبحني تلك الأسئلة المتكررة عن أسباب عدم خروجي من البيت. وهو دائم الغياب عن البيت ولا يخبرني إلى أين يذهب ومتى سيعود، وهذا يسبب لي الحرج عندما يسألني النَّاس عنه. وهو لا يتصل بي وأنا التي اتصل به دائمًا لسؤاله إلى أين ذهب، وأين سيتغدى أو يتعشى، ومرات كثيرة لا يرد على اتصالاتي، وأنا أريد الاطمئنان عليه فقط. وهذه زوجة مثقفة وحاصلة على شهادات عليا تقول: أتفهّم تمسك زوجي بالدين والأخلاق والقيم والعادات والتقاليد، لكن ليس للدرجة التي تجعله يبدو متشددًا في الدين، لأنَّ الدين يسر ورحمة، هو يمنعني من استخدام الهاتف، إلا للضرورة، ومنعني حتى من استخدام تطبيق الواتساب، وأرغب في الخروج معه إلى الأسواق والحدائق والمتنزهات ومعارض الكتب ومعارض الرسم وحتى المسرح والسينما، لكن مجرد التفكير في ذلك يعتبره كارثة استحق عليها التوبيخ واللوم في كل مرة، وهو يردد ما عندنا حريم تروح أماكن فيها اختلاط بين الرجال والنساء، وأقول له لكنني سوف أكون برفقتك وأنا أعرف رده مسبقًا، يقول لا أريد أن يراني أصحابي والناس أتجول برفقة زوجتي أخجل من ذلك! لم تنتهِ الحكايات، لكن ضحيّ أعرض عن ذكر بعضها لكثرتها، وحتى التي ذكرها اختصرها كثيرًا، ولم يذكر التفاصيل الكثيرة والدقيقة. راجيًا العفو والمعذرة من القارئات وشاكرًا لهن هذه الثقة.
مشاركة :